روسيا وإيران تستكملان التهام الكعكة السورية

2019.04.23 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

زار نائب رئيس الوزراء الروسي  يوري بوريسوف سوريا الأسبوع الماضي، والتقى خلال وجوده هناك رأس النظام بشّار الأسد حيث بحث الطرفان مساهمة موسكو في إعادة إعمار سوريا، والتعاون بين البلدين حسبما أوردت بعض التقارير. وبعيد اللقاء، أعلن بوريسوف للصحفيين أنّ بلاده ستسأجر ميناء طرطوس على ساحل البحر الابيض المتوسط، مشيراً إلى أنّ "الجانبين حققا تقدما ملحوظا في هذه المسألة"، ومتوقِعاً أن يتم الانتهاء من الإجراءات والتوقيع على الاتفاق الأسبوع الحالي.

وبوصفه يمثّل رئاسة الجانب الروسي في اللجنة الروسية- السورية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني بين البلدين، توقّع بوريسوف أن تنعكس هذه الخطوة إيجابا على التبادل التجاري بين البلدين، وأن تخدم الاقتصاد السوري. ومن شأن هذا الاتفاق أن يتيح لروسيا بسط سيطرتها على المنطقة الساحلية قبالة طرطوس بشكل كامل لمدة تمتد لحوالي نصف قرن قابلة للتمديد، لاسيما بعد الاتفاق الذي تمّ بين الطرفين وصادق عليه البرلمان الروسي عام 2017 ويتيح كذلك لموسكو استخدام القاعدة البحرية في طرطوس كمركز لوجستي للأسطول الروسي في طرطوس وذلك لمدّة زمنية مماثلة يجري خلالها تطوير قدرات الميناء الاستيعابية لاستضافة سفن عسكرية ضخمة.

ويمكن ملاحظة أنّ هذه الزيارة جاءت بعد أيام فقط من انتشار الأنباء المتداولة عن موافقة النظام السوري على منح مرفأ اللاذقية للنظام الإيراني في خطوة تكسر على ما يبدو احتكار موسكو للسيطرة الأمنيّة والتجارية على الساحل السوري.  وعدا عن أهميتها الجيو-اسراتيجية، تحظى المرافئ حالياً بأهمّية خاصة من الناحية الاقتصادية والتجارية لاسيما مع الحديث المستمر

منعت روسيا سابقا عدّة مرات المحاولات الإيرانية المتكررة لإيجاد موطئ قدم لها على الساحل السوري في البحر الأبيض المتوسط للمحافظة على موقعها

عن مشروع إعادة إعمار سوريا، حيث من المتوقع أن تتحوّل هذه المرافئ إلى البوابة التجارية الأولى لإعادة إعمار سوريا. كما يعكس حجم سيطرة أي من الأطراف على المرافق الاستراتيجية السورية وموارد الدولة الحيوية مدى نفوذ هذا الطرف على النظام السوري. 

لقد منعت روسيا سابقا عدّة مرات المحاولات الإيرانية المتكررة لإيجاد موطئ قدم لها على الساحل السوري في البحر الأبيض المتوسط للمحافظة على موقعها. في العام 2017، كانت طهران على وشك الحصول على 10 آلاف هكتار من الأراضي على الخط الساحلي لطرطوس وذلك بغرض ميناء لتصدير النفط والغاز عبره، لكنّ موسكو ضغطت حينها على نظام الأسد ومنعت إتمام الصفقة.حاولت طهران مرّة أخرى الحصول على مساحة من الأراضي قرب مطار دمشق الدولي، فقامت روسيا مجدداً برفض ذلك.

لكن يبدو أنّ المسؤولين الإيرانيين نجحوا في إرغام الأسد مؤخراً عند زيارته طهران في شهر فبراير شباط الماضي على الموافقة على إعطائهم ميناء اللاذقية. وتعدّ هذه الخطوة إنجازاً استراتيجياً في مسعى طهران لتأسيس موقع قدم ثابت لها على المتوسط ودعمه بشبكة من الطرق البريّة كذلك لربط الدول التي تدور في فلكها في مشروعها لـ "الهلال الشيعي". ويشمل التنافس بين الشريكين الغريمين في سوريا مجالات اقتصادية أخرى تتجاوز السيطرة على المرافئ البحرية من بينها قطاع الطاقة، والكهرباء، والموارد الطبيعية كالفوسفات، والبترول، بالإضافة إلى القطاعات الخدمية كشبكات الاتصالات.

ويعدّ هذا التنافس ذو الطابع التجاري والاقتصادي امتداداً للتنافس الجاري على النفوذ والسيطرة على مؤسسات النظام السوري ومراكز القوة فيه إلى جانب رأس النظام طبعاً. ولعلّ من أبرز تجلّيات هذا التنافس، التصادم الذي يجري بين أفرع المؤسسة العسكرية، لاسيما الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد والمدعومة من إيران، والفيلق الخامس بقيادة سهيل الحسن والمدعومة

من غير المتوقع أن ينتهي هذا التنافس بين الجانبين الروسي والإيراني عمّا قريب، لكنّ الأكيد أن سوريا كدولة تدفع ضريبة تدخل موسكو وطهران لإنقاذ الأسد

من روسيا. وفي هذا السياق، كان وزير الدفاع السوري علي أيوب ألغى مؤخرا، من خلال تعميم، 1500 بطاقة أمنيَّة كان الحسن قد منحها إلى ضباط وعناصر متعاونين مع ميليشيات تابعة له في مسعى على ما يبدو لتحجيم الأخير، في حين نقلت تقارير الأسبوع الماضي قيام الأسد بتعيين الجنرال سليم حربا المقرّب من روسيا رئيسا لهيئة الأركان.

من غير المتوقع أن ينتهي هذا التنافس بين الجانبين الروسي والإيراني عمّا قريب، لكنّ الأكيد أن سوريا كدولة تدفع ضريبة تدخل موسكو وطهران لإنقاذ الأسد، وهي ضريبة غالية لا تعكسها التقارير الإخبارية حيث يختبئ حجمها خلف مصطلحات كـ"الإيجار" بينما الحقيقة أنّ مرافق الدولة الاستراتيجية ومواردها تمّ وهبها لعقود طويلة جداً دون مقابل، في مؤشر إضافي على أنّ سوريا كدولة أصبحت مستعمرة وأنّ الأسد لا موقع له من الإعراب في ظل سيطرة التنافس الروسي-الإيراني على التلاعب به وبنظامه لتأمين مصالحهما بشكل دائم.