روسيا بعد قمة هلسنكي

2018.07.26 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

من شبه المستحيل معرفة ما دار بين بوتين وترامب في قمة هلسنكي، التي انعقدت يوم 16 تموز، وخاصة أن نصف المدة "ساعتين" كانت عبارة عن اجتماع مغلق ومنفرد، بحضور المترجمين فقط.

ما دار في المؤتمر الصحفي يكشف عن بعض القضايا التي نوقشت، وأهمها: القرم وأوكرانيا، وكوريا، والاتفاق النووي الإيراني، وحلف الناتو، والإرهاب، والوضع في سورية؛ وهو الأمر الذي يهمنا أكثر من بين تلك المواضيع.

ما قيل في المؤتمر الصحفي صراحة عن الوضع في سورية مرعبٌ للغاية،

للحصول على دعم واشنطن، أو على الأقل عدم اعتراضها، لا بدّ من التنسيق الكامل مع إسرائيل.

فكامل قضية السوريين ومطالبهم اختُزلت في الاتفاق على ضمان أمن "الجارة" المدللة: إسرائيل، وهي النقطة التي فهمها بوتين جيداً، وكانت حجر الأساس في سياسته وتدخله الوحشي في سورية لصالح النظام، ومفادها: للحصول على دعم واشنطن، أو على الأقل عدم اعتراضها، لا بدّ من التنسيق الكامل مع إسرائيل.

تتلخص قضية إسرائيل في سورية في إبعاد القوات والميليشيات الإيرانية عن حدودها، على الأقل مسافة تصل إلى 80 كم، كمرحلة أولى، ثم طردها نهائياً من سورية كغاية أخيرة، وهي نقطة تتفق مع أهداف واشنطن بشكل واضح، وتتقاطع مع مناورات بوتين، ضمن سياسات التشارك والصراع على النفوذ مع إيران على سورية، وبالتالي فهي تحقق إجماعاً بين تلك الدول تجاه سورية.

الأمر المهم هو ما يجري على الأرض في سورية، فمن الجنوب: درعا والقنيطرة، إلى الشمال الشرقي: الرقة، هناك ترتيبات جرت، وأخرى تجري، تُمهد وتضمن عودة النظام، وتوسع من سيطرته.

في المنطقة الجنوبية، التي كانت مشمولة ضمن مناطق خفض التصعيد الموقعة بين أميركا وروسيا والأردن، بموافقة إسرائيل، وبعد أن حصلت روسيا على موافقة رسمية وعلنية من إسرائيل على دخول قوات النظام إليها، كون هذا النظام هو أكثر من يوفر الحماية لها، باشرت قوات النظام، بدعم من روسيا، اقتحام المنطقة غير آبهة برسائل التحذير الأميركية التي وجهتها في البداية، ومدركة أنها ستتغير لاحقاً، وبالفعل، سرعان ما تراجعت أميركا عن موقفها برسائل جديدة لقادة المعارضة المسلحة: "عليكم أن تقيموا حساباتكم على قدراتكم الذاتية، وألا تعوّلوا على أي مساعدة منا". 

في الرقة، وبعد عام من بسط سيطرة التحالف و"قسد" على ركام المدينة، لم تقدم الولايات المتحدة أي مساعدة جدية في تخليص المدينة من الألغام، كما لم تعمل على عودة بعض الخدمات التي تسهل الحياة على العائدين، بل أوقفت المساعدات المخصصة لإعادة الإعمار في سورية، وسكتت عن حلّ "قسد" للواء ثوار الرقة، والتحقيق مع عناصره وقائده: "أبو عيسى"، لتعيد تشكيله ضمن قواتها ذات الغالبية والقيادة الكردية.

إن إظهار هذا العجز أو الانسحاب المقصود، مع التمهيد لمشاركة الفرنسيين في تقديم بعض المساعدات بالتنسيق مع الروس، يمهد الطريق تماماً لعودة النظام من بوابة "المؤسسات" المدنية، وهو الأمر الذي لا تعترض عليه وحدات حماية الشعب، بل هو أمر قائم في الجزيرة (تجارة النفط)، ومن قبلها في عفرين، حيث وصل التنسيق لحدّ تسليم المعتقلين لدى وحدات الحماية إلى النظام، كما أنه يلقى تشجيعاً من الولايات المتحدة.  

ما تشير إليه تلك الوقائع التي تجري تحت أعين وموافقة الأميركان، هو أن ثمة تغيّراً في الموقف الأميركي، فبعد أن تكرّس دور الولايات المتحدة كقطب واحد في العالم بعد حرب الخليج، يعود اليوم ليقرَّ بدور روسي شريك في رسم السياسة الدولية من خلال سورية، وهو ما عبر عنه ترامب صراحة بأن بوتين "منافس جيد" وليس خصماً.

أقرّت هذه الشراكة والمنافسة، بين كل روسيا وأميركا وإسرائيل، بالدور المحوري لروسيا،

غض الطرف تماماً عن الضربات تجاه القواعد الإيرانية، كلها تؤكد هذا الانزياح في المواقف الدولية لصالح دور جديد لروسيا كـ "جارة" لإسرائيل في سورية.

فهي من سيبعد الميليشيات الإيرانية إلى المسافة المطلوبة عن الحدود، ومن يغض الطرف عن الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية، ومن سيتولى قضية عودة اللاجئين، ومن سيرعى الاتفاق القائم (فك الارتباط) الموقّع عام 1974 بين الأسد الأب وكيسنجر، وزير الخارجية الأميركي آنذاك، ولربما بإضافة بعض الشروط الجديدة، وليس بعيداً أن يقيم شراكة في حرب ضد إيران لإخراجها من سورية.

زيارات نتنياهو المتكررة لموسكو، في 9 أيار، و11 تموز، فضلًا عن زيارة وزراء الخارجية المتبادلة، والمسؤولين العسكريين، ناهيك عن التنسيق العسكري الدائم، وغض الطرف تماماً عن الضربات تجاه القواعد الإيرانية، كلها تؤكد هذا الانزياح في المواقف الدولية لصالح دور جديد لروسيا كـ "جارة" لإسرائيل في سورية.

لن تحقق هذه الصفقة -التي سعت كثيراً إليها روسيا- للسوريين سوى استمرار المعاناة، مع وجود نظام الأسد، وبالتالي فإنها تترك الباب مفتوحاً لاحتمالات الانفجار وعدم الاستقرار.