رواية حي الدهشة.. الانتقام ممن يكسر قلب الأنثى

2019.02.18 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تبقى الأحياء الشعبية السورية على ما فيها من بعض الفوضى والجهل والأمية، حيث الكلمة الأولى والأخيرة فيها للقوة المصحوبة بالسلاح في بعض الأحيان تبقى مكاناً للدفء الاجتماعي المصحوب بالغرائبية، كأن هذا ما تريد قوله رواية "حي الدهشة" لمها حسن التي صدرت مؤخراً عن دار سرد ودار ممدوح عدوان للنشر.

الولع بالأجنّة

بطلة الرواية هند التي تنحدر من عائلة ثرية في حلب، أحبت منذ طفولتها (مامد وزوجته زلوخ) والذي كان يعمل ناطوراً في مزرعة أبيها، وكانوا يسكنون حي الهلك، الحي الحلبي الفقير، حيث احبت طريقة حياتهما البسيطة الخالية من التكلف، ما زاد تعلقها بهذا الحي الحلبي الفقير، وفي مزرعة أبيها كانت ترى عملية توليد الأحصنة، وبالتالي أحبت عمليات التوليد وإخراج الأجنة إلى الحياة، رغم أنها عجزت أن تحمل بمولود إلى الحياة! وبعد إنهائها دراستها في بريطانيا قررت أن تفتتح عيادتها في هذا الحي الفقير.

تراب مَنْ هَلَك

ينتقل بنا الزمان والمكان بين أكثر من بلدة في ريف حلب، وبين بيروت ولندن، ليعود ويصب في المصب الرئيسي في حي الهلك، الذي تنقل الكاتبة في بداية روايتها عن المؤرخ خير الدين الأسدي قوله" يزعم الحلبيون بأنه سُمّي بتراب الهلك، لأنه تراب من هلك في طوفان نوح، بدليل أن جنوبي أرض الهالك توجد مقبرة اسمها "جبل العضام"، يتخلل حجارة جبلها كثير من العظام.. والآن غدت أرض الهلك حياً كبيراً يصل إليه الماء والنور والباص".

حب من طرف واحد

تخفق هند بأكثر من حالة زواج، وتخفق كذلك في الحمل، وبالتالي فهي تعاني خواءً عاطفياً، وحاجة للأمومة، وفي هذا الحي التي كانت تخدم فيه الأهالي بكل ود وحب، نشأت بينها وبينهم حالة من الثقة الكبيرة، جعلتها تدخل إلى البيوت، بل حتى تدرس أولاد الحي بعض المواد أثناء الامتحانات. ولكن الأهم هي علاقة الحب التي نشأت من طرف – طرفها- واحد بينها وبين شريف الحداد،" مع شريف وجدت هند نفسها مدفوعة بطريقة غامضة صوب عالم مليء بالحنان، بالدفء العاطفي، بالرعاية.. العالم الذي لم تعشه سوى مع مامد وزلوخ. فوالدها، كان منطقياً وصارم المشاعر، وأمها كانت باردة ومنشغلة في عالم الخيل والرياضة".

وصية على درية

أما شريف فهو كان ينظر إليها باحترام كأخت كما قال لها أكثر من مرة، بل حتى إنه أوصى في حال موته

كيف ينظر ابن الأحياء الغنية في حلب للحي الفقير، تحاول الرواية الإجابة على هذا السؤال

أن يعهد إلى الدكتورة هند بتربية ابنته التي اسمها درية من بعده. درية التي أرادت أن تشب على الطوق، وتخرج على تقاليد الحي الشعبي، حيث تُزوج البنت بمجرد بلوغها، وهي كانت لا تحب ولا ترغب في هذا الشيء، بل أرادت أن تكمل تعليمها كهند كي تصبح طبية وكاتبة في آن معاً.

وهنا تحبك الخيوط الروائية على أنها من نسج درية، ولا بأس من ذكر تفاصيل المراسلات بين درية وبين دار النشر، التي لم تكن مقتنعة تماماً بنشر الرواية، فكدليل على شغف درية بالروايات جعلت عناوين كل الفواصل كعناوين روايات قرأتها، ولربما عدلت فيها قليلاً في بعض الأحيان.

تناقض اجتماعي

كيف ينظر ابن الأحياء الغنية في حلب للحي الفقير، تحاول الرواية الإجابة على هذا السؤال، ففي الطابق الذي فوق العيادة كانت تقطن سماح وهي محامية توفي زوجها، وبالتالي حرمتها عادات الحي من العمل، وهي سمعت ذات مرة هند تكلم أباها من هذا الحي الذي افتتحت فيه عيادتها، فتصفه بحي الدهشة كما في الأفلام القديمة. وهنا يبرز التناقض بين أبناء البلد الواحد، الأحياء الشعبية الفقيرة وهي الغالبية، والأحياء الغنية التي يدرس أهلها اللغات، ويعيشون كما يحلو لهم، بينما الأحياء الشعبية محكومة بتقاليد صارمة، وهي التي منعت سماح من العمل بعد موت زوجها، وإجبارها على لزوم البيت، "مو بس النساء، حتى الرجال.. بهيك بيئة صوت البلطجة والتشبيح بيعلو على أي صوت.. وبيصير القانون يبيح للقوي قهر الضعيف".

ذروة الحبكة

تبلغ الحبكة ذروتها عندما ترى هند شريف تحت يمارس طقوس الحب مع فتاة مخطوبة تدعى سعاد، وهنا تصاب بخيبة أمل من هذا الرجل الذي حلمت به زوجاً، بينما هو ما كان يرى فيها سوى أخت له، فتغادر الحي والدموع على خدها، فرآها حسين الذي يعمل عند شريف في محل الحدادة، وهو الذي قتل أباه، لأنه كان يخون أمه، وجعلها تموت قهراً، بعد أن اتهمها بحب شخص غيره، فتلقف حسين هذه الإشارة، وجعل سعاد تتصل بشريف كي يأتي إليها، واتصل بخطيب سعاد " الشبيح" في ذات الوقت وأخبره بالقصة، فقتل الشبيح شريف، وبالتالي حقق حسين مراده بتحقيق العدالة من وجهة نظره، وهو كما جاء في رواية الجريمة والعقاب لدويستوفسكي.

النوايا القاتلة ودويستوفسكي

حسين بعد اندلاع الثورة في سوريا انتقل إلى لبنان لدراسة الحقوق في الجامعة الأميركية، وسيقدم

درية البطلة التي تنطلق الأحداث على لسانها لا ترى حسين قاتلاً، "كانت دوافعه نبيلة. كان ثائراً ضدّ كل من يؤذي الأمهات الطيبات"

رسالة الماجستير تحت عنوان "النوايا القاتلة" إذ سيقدّم نظريته، في تأثيم القتل المعنوي، واعتباره جريمة لا تقل خطورتها عن جريمة القتل المادّي، وضرورة أن تنصّ القوانين الحديثة على العقوبات الخاصة بالجرائم النفسية: جرائم النيّة.

درية البطلة التي تنطلق الأحداث على لسانها لا ترى حسين قاتلاً، "كانت دوافعه نبيلة. كان ثائراً ضدّ كل من يؤذي الأمهات الطيبات". فضلاً عن أن موت أبيها (شريف) هو أفضل بمئة مرة من رؤية ماحل بسوريا من خراب ودمار وقتل وتهجير "هل يغفر لي أبي، حين يشعر بي، من قبره، أنني أعتبر موته تفصيلاً صغيراً أمام موت السوريين الكبير والشاسع؟ هل يتّفق معي بأن موته كان ارتياحاً مبكّراً حتى لا يدخل في تجربة التشرد أو الاعتقال أو التعذيب حتى الموت؟".

عن الكاتبة

أما مها حسن فهي كاتبة وروائية سورية تقيم في فرنسا، وفي جعبتها الروائية حوالي 14 رواية، بعضها رشح للقائمة الطويلة لجائزة بوكر النسخة العربية، وحازت كذلك على جائزة هيلمان/ هامت التي تنظمها منظمة هيومن رايتس ووتش.

كلمات مفتاحية