رهانات إيرانية على معركة الرئاسة الأميركية

2019.06.20 | 20:13 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ارتفعت وتيرة التصعيد الإيراني ضد الأميركيين في منطقة الخليج بشكل بارز مع انطلاق معركة الرئاسة الأميركية وشهدت منطقة الخليج تصعيدا لافتا في وتيرة الهجمات الإيرانية. تم مؤخرا الإعلان عن إسقاط طائرة تجسس أميركية مسيرة من طراز "إم كيو 4سي ترايتون" في المجال الجوي الدولي فوق مضيق هرمز، وتواترت الهجمات في العراق ضد المصالح الأميركية والتي طال آخرها تجمعا لشركات نفطية عراقية وأجنبية يضم شركتين أميركيتين، كما حرصت إيران على التأكيد على أنها ستعمل على تفعيل  مشروعها النووي.

تطلق إيران مجموعة رسائل تهدف إلى التأثير على الانتخابات الأميركية، ودفع الأوروبيين إلى تشكيل جبهة تواجه الأميركيين وتخرق جدار العقوبات الذي يهز أركان الاقتصاد الإيراني بشكل جدي.

تطلق إيران مجموعة رسائل تهدف إلى التأثير على الانتخابات الأميركية، ودفع الأوروبيين إلى تشكيل جبهة تواجه الأميركيين

لا يمكن إغفال أن التوقيت الإيراني للتصعيد مدروس بعناية في فترة انهماك الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحملته الانتخابية، وفي ظل مناخ أميركي عام يرفض فكرة الحرب، ويحرص على استبعادها، ولكن رد فعل ترامب على التوظيف الإيراني لما تعتقده فترة سماح انتخابية طويلة كان لافتا، فقد عمل على تحويل الأزمة مع إيران إلى جزء من السجال الداخلي، جاعلا منه شأنا أميركيا وليس ملحقا بالسياسية الخارجية وحسب، كما تريد إيران.

يصعّد ترامب منذ فترة تصريحاته ضد إيران، ولكنه في الآن عينه يكرر تأكيداته للناخب الأميركي أنه لايريد الحرب، ويضع في الوقت نفسه الخطوط الحمر التي في حال تم تجاوزها فإن الأمور يمكن أن تقلب المعادلة، وأهمها تعرض الجنود الأميركيين أو المصالح الأميركية للخطر بشكل مباشر.

هنا يبرز السؤال عن هوية الجهة التي نفذت الهجوم الصاروخي على المصالح الأميركية في العراق والتي سببت إحراجا كبيرا لكل القيادات العراقية، وخصوصا تلك المتحالفة مع إيران، وصدرت تصريحات تؤكد على أن لاجهة رسمية أو معروفة تتبنى تلك الهجمات في الوقت الذي تشير فيه أصابع الاتهام إلى الحشد الشعبي والميليشيات التابعة لإيران.

بدا الأمر وكأن إيران تريد أن تستجر حربا أو ردة فعل بتوقيتها الخاص، الذي يتلاءم معها وحسب، ويتناقض مع مصالح كل حلفائها في العراق وكذلك في لبنان الذي يشهد انفتاحا سعوديا لافتاً بمباركة أميركية، وإعلانا عن فك الحظر عن قدوم السواح السعوديين إلى لبنان.

تأتي كذلك الزيارة اللافتة لقائد الجيش جوزيف عون إلى السعودية في سياق لا يمكن فصله عن مسارات الاستراتيجية الأميركية السعودية، التي تحرص على تمكين الجيش اللبناني، وتفعيله، وتقوية دوره، كوسيلة لضرب منطق الاستراتيجية الدفاعية التي ينادي بها حزب الله كحجة للإبقاء على سلاحه.

من هنا يمكن النظر إلى هذه الزيارة بوصفها أحد الردود المتعددة التي تمارسها إدارة ترامب ضد إيران والتي تلعب معها بطريقتها الشبكية، فكما تجيد إيران إنهاك الخصوم بفتح سلسلة متصلة من الجبهات فإن أميركا ترامب ليست أقل منها باعا في هذا المجال، فهي تعمل على فتح مجموعة من الجبهات تستهدفها وتستهدف أذرعها في كل الميادين.

ما تحقق حتى الآن والذي فعله ترامب بالتزامن مع إطلاق حملته الرئاسية، هو تحويل أي حراك يستهدف أميركا في كل من العراق ولبنان إلى عنوان لأزمة سياسية وميدانية حادة، يمكن أن تنفجر في وجه حزب الله والحشد الشعبي.

تساهلت أميركا في السماح بتزويد العراق بالغاز الإيراني بعد أن عمدت القيادات العراقية إلى التنصل من مسؤولية الهجمات الصاروخية على المصالح الأميركية وإدانتها، كما أن المس بأميركا ومصالحها في لبنان بات يعني الهجوم على الجيش ودوره، وهو يتطلب فتح معركة لا يمكن لحزب الله أن يخوضها حاليا من دون كلفة عالية. يضاف إلى ذلك فتح الباب أمام معركة رئاسية مبكرة، لا يبدو أن لحليف حزب الله وزير الخارجية جبران باسيل حظوظا كبيرة فيها، في ظل تقاطع إشارات أميركية سعودية عربية وأوروبية كذلك لصالح دعم المشروع الرئاسي لقائد الجيش الحالي جوزيف عون.

بدا الأمر وكأن إيران تريد أن تستجر حربا أو ردة فعل بتوقيتها الخاص، الذي يتلاءم معها وحسب، ويتناقض مع مصالح كل حلفائها في العراق وكذلك في لبنان

يواجه ترامب الديمقراطيين بالعنوان الإيراني معتبرا أن هشاشتهم سمحت لإيران بدعم الإرهاب والتأثير على الاقتصاد، مفاخرا في الآن عينه بعناوين يربطها بما حققته سياسته المتشدده حيالها من انخفاض معدل البطالة، وارتفاع الناتج المحلي. ويخاطب الناخب الأميركي قائلا "اقتصادنا يثير حسد العالم"، بينما يعمل خصومه على نشر تحقيقات ودراسات اقتصادية تفيد بأن تحسن الاقتصاد الأميركي هو نتيجة لما كان قد أنجز في عهد الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما.

لا يلقي ترامب بالاً للدرسات والإحصاءات، بل يحارب ترهل المرشحين الديمقراطيين المحتملين من قبيل جو بايدن أو بيرني ساندرز بالصخب والضجيج، وتلك القدرة الهائلة على احتلال المشهد على الدوام بغض النظر عن العنوان، وبذلك فإنه يبدو كأنه يمثل مواجهة بين فيسبوك وإنستاغرام مع الحمام الزاجل.

تحاول إيران في معركتها مع ترامب أن تواكبه وأن تكون مثله، ولكنها تكاد في منطقها وخطابها أشبه بالديمقراطيين، فهي لم تنجح حتى الآن في استجرار حلف مع أوروبا يمكنها من تشكيل وسيلة ضغط جدية، كما أن ترامب قد نجح في خلخلة مواقف روسيا والصين وإغرائهما بعناوين كبرى يصب إنفاذها في إطار ضرب التحالف مع إيران. يشغل الصين بالحرب الاقتصادية والتفاوض على تسويات في شأنها، ويغري روسيا بأن تكون العصا الغليظة ضد إيران في سوريا مقابل توكيلها بعمليات إعادة الإعمار.

تعمل إيران من جهتها على محاولة انتزاع مواقف من الأمم المتحدة تدين السعودية وتضغط كذلك من أجل لجم صفقات تسليحها، وهي قد نجحت حتى الآن في خلق جو دفع في اتجاه خروج موقف مباشر من الأمم المتحدة يتهم السعودية بشكل مباشر بالضلوع في اغتيال الصحافي جمال الخاشقجي، كما يصوت الكونغرس حاليا على رفض إتمام صفقات تسليح للسعودية.

تتعامل إيران مع هذه المعطيات بوصفها انتصارات لافتة ولكنها تغفل أو تتجاهل الدور السعودي البارز في إنتاج رئاسة ترامب الأولى وفي إنجاحها، كما تتجاهل الدور الذي تلعبه حاليا بوصفها الراعي الرسمي الأبرز لولاية رئاسية ثانية لترامب. عمليا يجب على إيران إذا شاءت انتزاع موقع لها أو تحقيق انتصارات داخل الإدارة الأميركية أن تقدم ما يوازي أو ما يفوق حجم الاستثمارات السعودية الضخمة في أميركا ترامب والذي فاق ال400مليار دولار.

اشترت السعودية حلفا وثيقاً مع عهد ترامب وهي تعمل حاليا على تمويل تجديد هذا العهد، وقد نجح الأمر حتى الآن في تحويل إيران ليس إلى عدو لها ولمنطقة الخليج بل إلى دولة تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي، أي أميركا نفسها، وهي النبرة التي يرددها ترامب دائما في خطاباته، في الوقت الذي يخاطب فيه الرأي الأميركي العام الرافض للحرب قائلا له لانريد الحرب، ولكننا لن نسمح بتهديد الاقتصاد والوظائف.

تشعل إيران حروبا عديدة ومحددة في الوقت الذي تجاهر فيه برفضها للحرب، وهذا ما يفعله ترامب تماما فهو يخوض انتخاباته رافعا شعار "اجعلوا أميركا عظيمة مجددا" ما يعني أنها فقدت عظمتها، أو أن هذه العظمة تحتاج إلى إعادة إنتاج، وهو ما لن يكون ممكنا إلا بالانتصار على عدو أميركا الذي يهدد العظمة والوظائف والاقتصاد ونموذج العيش الأميركي.

الحرب بين أميركا وإيران واقعة فعلا، والنقاش الآن هو حول نوعها ووتيرتها وشكلها، وأهدافها، وحدودها، وليس إذا ما كانت قائمة أو لا، ولكن ما يجدر التأكيد عليه أنها قائمة لأسباب أميركية، وليس لأسباب تخصنا، نحن الذين تلتهم إيران بلادنا في لبنان،وسوريا، العراق واليمن.