رسالة لابد منها...." المرأة السورية " 

2018.11.30 | 23:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

من أجل يوم الحرية للمعتقلات السوريات السياسيات، والذي كان في 26/ 11/ 1991/ أرفع هذه الرسالة كتحية لهن، ومن أجل الثورة السورية ولفت الأنظار للدور المهم الصامت الذي لعبته المرأة بها، وحتى لا تنسى الأجيال القادمة نضال المرأة السورية وتضحياتها لتحقيق الحرية والعدالة، ومحاربة الاستبداد والفساد اللذين حولا الوطن إلى مزرعة عبيد يتملكها من يسيطر على شؤونها بقوة أجهزته.

في ذلك اليوم، وبمناسبة الاستفتاء حول ولاية جديدة لحافظ الأسد، أفرجت أجهزة الأمن السورية عن المعتقلات السوريات السياسيات جميعاً بغض النظر عن خلفياتهن الأيديولوجية أو انتمائهن السياسي، وكان عددهن في معتقلات دمشق بعد أن نُقل معظمهن من المحافظات الأخرى إليها ،ما يقارب المئتي معتقلة يمثلن التيارات السياسية يمينها ويسارها ، أو أصدقاء لبعض أفرادها، أو أُخذن رهائن من أجل أولادهن أو رجالهن المطلوبين الهاربين، أما التهم الموجه إليهن فكانت – كالعادة والتي مازالت إلى اليوم- النيل من هيبة الدولة وتوهين نفسية الأمة و....الخ_ لكن المضحك المبكي هو أن يوجه للفتيات اليساريات تهمة معارضة النظام الاشتراكي التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام.

في المعتقل لم تكن سيدة تميز سوريةً عن أخرى ...:كانت أناشيدهن واحدة وحواراتهن ممتعة، ومن ولدت بالمعتقل كان الطفل ابناً لهن كلهن

قضى بعضهن سنوات اعتقال طويلة وصلت عشرا، بخاصة للتيارات الدينية والتي بدأت مع مجازر حماة وإلى سنوات ست لليساريات التي ابتدأت مع منتصف الثمانينات عندما أعلن اليسار السوري- بالطبع عدا الحزب الشيوعي البكداشي-  معارضته للاستبداد الأسدي المنفلت من عقاله... كما أفرجت عن جزء من الشباب المعتقلين وأحالت الآخرين إلى محاكم مدنية....وهكذا يصبح الاعتقال والإفراج مرتبطاً بمناسبات معينة ومزاج الحاكم المستبد، ولا علاقة له بدستور أو قانون...

منذ ذلك التاريخ- تحتفل الصبايا المفرج عنهن- بذلك اليوم الذي أطلقن عليه اسم" يوم الحرية" ...في ذكراه السابعة والعشرين أتقدم  بالمودة الخالصة لهن شادَة على أيديهن المباركة ،التي لم تقف يوماً عن متابعة النضال بالرغم من كل ما أصابها من أذى عائلي واجتماعي.

ومن له مداخلات جادة بخفايا الثورة منذ أن ابتدأت عام 2011سيجدهن أمامه مستمرات بالعمل النضالي دون أن يوهنهن تقدم العمر أو يُنقص من إرادة الاستمرار لديهن، متحملات بالرضى آلام التضحيات الهائلة التي يقدمنها يوميا جنباً إلى جنب مع النساء  الأخريات في عموم الأرض السورية مشاركات الشعب السوري وحدانية كفاحه ليس في وجه النظام الأسدي فقط وإنما في وجه النظام العالمي كله.

واليوم عندما نستعيد تلك الذكرى ونقرأ أسماء المفرج عنهن في ذلك الوقت سنرى الوجه الأجمل لسورية، وجه لوحات الفسيفساء الفريدة المتميزة بالتاريخ السوري والذي أبهر انسجامها وتشكيلها العالم، تلك الأسماء مثلت سوريا بتنوعها المذهبي والديني والإثني، بمدنها وقراها، سهلها وباديتها وجبالها ...تلك الأسماء وحدها تلطم وجه من يتحدث اليوم عن أقليات وأكثريات وعنصريات وإثنيات بقصد تمزيق المجتمع السوري والوطن.

في المعتقل لم تكن سيدة تميز سوريةً عن أخرى ...:كانت أناشيدهن واحدة وحواراتهن ممتعة، ومن ولدت بالمعتقل كان الطفل ابناً لهن كلهن، بل تكاد تتوحد أمزجتهن في الطعام والشراب والضحك على نكات وطرف والاشمئزاز من سلوك غير لائق- على قلته- بقدسية النضال الذي يمثلنه والذي ساقهن إلى هذه المعتقلات والسجون...كن جبهة واحدة يواجهن الجلادين والسجانين إن رأين منهم عيناً زائغة أو تلميحاً غير لائق..وكيف لا وهن  شرف سوريا الرائعة.

منذ ثمانينات وتسعينات القرن العشرين كانت تلك الصبايا وأخوتهن الشباب وعدد من نخب الأحزاب والتجمعات المناضلة، وحتى نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، كانوا خميرة الثورة، صحيح أن الثورة السورية كانت تعبيراً عن غضب جماهيري عارم وبدون قيادة منظمة تُشرف على أنشطتها، لكنها لم تأت من عدم كما أنها لن تنتهي إلى عدم، خلال ثلاثين عاماً من حكم الأسد الأب ثم سنوات حكم الأسد الإبن لم يتوقف نضال السوريين يوماً واحداً ومن يشكك بالأمر فليراجع سجلات المعتقلات والسجون وسجلات الملاحقات وتقارير الأجهزة الأمنية...هذا مع أن النظام الأسدي كان يترصد الكوادر الناشئة فيعمد سريعاً لجزها قبل أن تثمر وتنضج، لكن سوريا الولادة كانت أيضاً سرعان ما تُنبت غيرها ويعاود النظام جزها ...وتستمر المحاولات كما يجري اليوم في ساحات النضال.

قضى بعضهن سنوات اعتقال طويلة وصلت عشرا، بخاصة للتيارات الدينية والتي بدأت مع مجازر حماة وإلى سنوات ست لليساريات التي ابتدأت مع منتصف الثمانينات

هذه الثلة من اللواتي يحتفلن اليوم بذكرى حريتهن، هن أنفسهن اللواتي شكلن كثيراً من تنسيقيات الثورة ، في السنوات الأولى لها، وبخاصة في دمشق وريفها، كنَ لوالبها ورائدات أعضائها من الصبايا والشباب الجديد، وقد بذلن من الجهود والقدرة على العمل الثوري وتنظيم الإغاثة بشقيها الغذائي والصحي، وأحياناً تنظيم التظاهرات والإعلام وحلقات التواصل بين كوادر الثورة عامة داخل المنطقة نفسها وبين مناطق سورية كلها، ما عجز عنه شباب ورجال غير قليلين..

تلك هن كوادر سوريا المناضلات أما  السوريات ذوات الأسماء المجهولة، كالجنود المجهولين، فهن اللواتي حملن أعباء الأسرة والأطفال والتصبر على فراق فلذات أكبادهن ورجالاتهن من استشهد منهم ومن سجن وعذب حتى الموت ومن لايزال مجهول الاختفاء ...ومن...ومن...نسوة سورية اللواتي صبرن على أحمال التشرد واجتياز الفيافي والبحار وحماية الأطفال قدر المستطاع...منهن الخوانس اللواتي فقدن عدداً من أبنائهن احتسبنهم عند من لايضيع حساباً لأحد، تشبهاً بالجدة الأولى الخنساء،  انتشرن في شرق سورية وغربها وشمالها وجنوبها، بل من يستطيع نسيان أو تجاهل الرائعة رزان زيتونة ورفيقتها سميرة خليل و...و...فهل بعد هذا من يقبل إبقاء القوانين التمييزية بينهن وبين الرجال في قابل الأيام السورية؟؟!!

إن ما حدث في الجزيرة السورية من قتل متعمد للفتاة الشابة جريمة يصنفونها قانونا تحت اسم جرائم الشرف، وليس العجب أن يقترن الشرف مع الجرائم ولكن العجب الفضيحة أن يستمر قانون تحت هذا الاسم وأن يعتبر النظام الذي يدعي العصرنة " والعلمانية" أن التعديلات المضحكة التي أدخلها أخيرا عليه ،كافية لمعالجة الظلم في نتائجه!!! واللافت للنظر أن عدداً ممن يتحدثون عن حقوق المرأة السورية والجندرة نساءً ورجالاً رفعوا أصواتهم عالياً من أجل تعديل تلك القوانين أو إلغائها، ولم يتنبهوا إلى أن مثل هذه الأعمال لا يحلها فقط تبديل القوانين على أهميتها، فما أسهل التحايل على القانون في بيئة الفساد والتخلف  وفي المجتمع الذي تحكمه العادات والتقاليد وتخلفها أكثر مما تحكمه القوانين والدساتير...ولم يتنبهوا أيضاً إلى أن من يتهرب من مواجهة الأسباب الحقيقية لمثل هذه الأعمال ويقفون عند استبدال القوانين فقط، مرحب بهم من قبل الاستبداد نفسه بل في أحسن الأحوال يغض النظر عن نشاطهم، إنهم من يهادنون الاستبداد والفساد والتخلف يُجارون بذلك إعلام منظمات عالمية تختلف مواضع أقدامها عما تعيشه ساحات بلادنا....

طريق واحد مجزٍ وصحيح يستطيع تحقيق أهداف العدالة للنساء السوريات ويمحو عنهن الظلم التاريخي ، ويضع المجتمع السوري في درب العصرنة والحضارة، ويحقق العدالة للشعب السوري والتقدم للوطن، إنه طريق من يحتفل بذكرى يوم الحرية، ومن سيحتفل غدا بنهوض جديد للثورة السورية.