رسالة الشيخ معاذ إلى بشار

2019.03.31 | 00:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

وجّه الأستاذ معاذ الخطيب (الرئيس السابق للائتلاف الوطني لقوى الشعب والمعارضة السورية) رسالة(*) صوتية نشرتها بعض مواقع التواصل الاجتماعي.. وقد بدأها، بعد السلام، بآية قرآنية من سورة طه: "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ" (الآية 44). 

تنطوي الرسالة على كثير من الرجاء، ومن الاستعطاف لبشار بن حافظ الأسد، واستمالته بالكلام المعسول عن الواقع السوري السيء، وما يخطط لها أكثر من التدمير والتهجير والخراب الذي حصل، إذ تتطاول عليها الدول الكبرى والإقليمية تقطيعاً لأوصالها واستئثاراً بثرواتها، ومن تلك الدول إسرائيل طبعاً..! ويرجوه بحق الشعب السوري الطيب، وبحق سورية العريقة تاريخاً وحضارة وشعباً مبدعاً، أن يسعى لحل المسألة السورية ويجنح إلى السلم، ويؤكد له ذهاب سورية إلى الهاوية، إن لم يكن هناك مسعى جدي لإيقاف ذلك، ومحاورة السوريين بعضهم إلى بعض! وقسَّم الخطيب المجتمع السوري إلى قسمين: (واحد مع بشار ويعده رئيساً، والآخر يعده مجرماً وقاتلاً)، ولعلَّ هذا الكلام غير دقيق إذ إن الوضع الديمقراطي الآمن هو الذي يحدد الولاء أو الرفض! وتأتي الرسالة الصوتية بكلام كثير يندرج تحت ما يسمى في الأدب العربي بالبكاء، لا على الأطلال، بل على أعتاب السلطان، وقد يكون معظم ما يقوله الشيخ معاذ حقاً ومنطقياً، وبخاصة حين يتحدث عن المتغيرات الدولية، وعن انعدام الصداقات الكلية أو الدائمة، ويستشهد بحدث الجولان الأخير إذ عدّه ترامب جزءاً من إسرائيل، ولم يستطع الروس فعل أي شيء تجاه ذلك.. ويختم بالمطالبة بالإفراج عن النساء والأطفال المعتقلين، ويؤكد عدم دوام الحال..!

ربما اعتقد الشيخ معاذ الخطيب أن بشاراً بن حافظ الأسد قد انتصر في معركته ضد الإرهاب الذي كان يقصد سورية بمعزل عنه، وعن نظامه، وعليه الآن أن يعطف على شعبه الطيب فـ"العفو عند المقدرة.." أو لعلَّه اعتقد أنَّ بشاراً وطني غيور على شعبه، وهو الذي خوّنَ نصفه، على الأقل، حين تحدث عن "التجانس" ذات يوم، وربما لايزال الخطيب يرى أنَّ الأسد صاحب قرار، منذ أن بدأ إطلاق الرصاص الحي على المحتجين السوريين السلميين، وأخذ جنوده "البواسل" يحصدونهم بالجملة، ويحملون جثثهم بالجرافات كما فعلوا بحمص وحماة واللاذقية، وكما فعلوا بحلب حين أخذوا جثث المدنيين الذين قتلتهم الأجهزة الأمنية في زنازين المخابرات العسكرية، والجوية تعذيباً أو رمياً بالرصاص أو فلْقَ رؤوسهم بالبلطات ثم إلقاءهم مكبلين في نهر الشهداء (قويق).. ربما هذا وربما ذاك وربما أمور أخرى.. 

مع الاحترام الشديد للأستاذ معاذ أقول: إن هذه اللغة الاستعطافية لا تنفع لدى من هدم سورية لأجل مصالحه

مع الاحترام الشديد للأستاذ معاذ أقول: إن هذه اللغة الاستعطافية لا تنفع لدى من هدم سورية لأجل مصالحه، ومصالح من يحميه، ويدافع عنه، وهو سليل أسرة لا تبغي غير الحكم والسلطة، ولديها الاستعداد لبيع كل شيء، وفعل أي شيء كي تبقي على السلطة، وهذا ما هو جار على أرض الواقع..! وسبق أن وصفها بهذا الأمر كل من اهتم بسورية وبالشرق الأوسط عموماً (باتريك سيل، ميشيل سورا..). (تؤكد الرسالة ذاتها أن مقترحات أخرى كان قد أرسلها الشيخ معاذ وآخرون لكنها لم تنفع أو حال دون وصولها آخرون..!)

أما على صعيد الواقع فقد مرت البلاد السورية في مثل ما تمر به اليوم، لجهة التهديد بزوال السلطة لا لجهة الهدم والتهجير.. والأمثلة كثيرة، ومنها على سبيل المثال: 

"الحرب اللبنانية" فكلنا يعرف موقف حافظ الأسد لدى احتدام الصراع آنذاك، أين وقف، وكيف نظر إلى القوى الوطنية اللبنانية المقاومة للإسرائيليين؟! فقد وقف وبطلب من أمريكا والمملكة العربية السعودية، ضد تلك القوى، وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية، وكان التبرير، إن لم يفعل ذلك فإنَّ إسرائيل ستدخل بيروت، وربما تحتل لبنان.. ولكن ماذا يقول المنطق الوطني البديهي في مثل ذلك الحال؟! الانهزام أم المواجهة؟! تفترض البديهة المنسجمة مع شخص يزعم الوطنية، بل يحتكرها أن يقول: 

فلتدخل وليجر استنهاض للشعب، وهو ناهض أصلاً، في ذلك الوقت! فقد كانت بيروت كـ: "هافانا" أو "هانوي.." نعم كان عليه الاستفادة من طاقات شعبه وأمته، وخصوصاً أنه يمثِّل حزباً قومياً جاء ليعيد أمجاد العرب، لكنه لم يفعل بل مضى مع أمريكا، رغم هزيمتها آنذاك ومع اليمين العربي ممثلاً بالمملكة العربية السعودية التي ظلت تغدق من "بترو دولارها" عليه وعلى أخيه رفعت (أكبر مجرم ولص عرفته سورية) إلى ساعة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، عام 2005 (اتهم فيها بشار الأسد وحزب الله..) وكان الأسد الأب قد عمل مع تلك الأطراف على تهجير منظمة التحرير مبعدين إياها عن وسطها الطبيعي، وحصر المقاومة بيد حزب الله الذي يعمل علناً لصالح إيران التي تثبت اليوم أن لها أطماعاً مرعبة في سورية والعراق وبلدان عربية مجاورة أخرى.. وكان حزب الله آنذاك يستمع إلى حافظ الأسد، ربما بالتنسيق مع إيران، فيقتل من يقتل ويسجن من يسجن من القادة الوطنيين اللبنانيين سياسيين ومفكرين وصحفيين، وكلهم مقاومون حقيقيون لإسرائيل..! 

إنَّ الذي جعل الأسد الأب يفعل ذلك ليس طمعه في لبنان فحسب، تحت زعم توحيد الشعبين (سوا ربينا) وحديثه عن خطأ موقفه السابق، وموقف رفاقه في حزب البعث من مشروع الهلال الخصيب.. بل من خشيته على سلطته من الضياع، وهكذا احتل الجيش السوري لبنان نحو عقدين كاملين، ذاق خلالها اللبنانيون الأمرين.. ثم إن موقف الأسد من الحرب الإيرانية العراقية، ووقوفه إلى جانب إيران ضد العراق.. ثم انخراطه تحت قيادة أمريكا في الحرب لتحرير الكويت في الوقت الذي يقتضي بذل مساع لحل المسألة عربياً.. والحديث يطول.. وليس تاريخ الولد بأفضل، وبخاصة تجاه الشعارات التي رفعها لدى مجيئه، وقد حاول البدء بها إلا أنها لم تستمر إلا شهوراً.. ولا شك أن الشيخ معاذ يعرف هذه القصص جميعها، ويعرف جيداً جوهر ما يطلبه الشعب السوري.. ولعله أيضاً يعرف أنه كان بإمكان بشار أن يقطع الطريق على ما حدث لو أنه تمتع بشيء من الحكمة والحرص والغيرة على الشعب والوطن.. أما وهو خال من ذلك كله فكيف له أن يفعل ولم يبق لديه من الأمر شيء.. وما بقاؤه إلا من حرص المتدخلين الدوليين على تقاسم حصصهم نفوذاً أو ثروات حصاداً لما أهدروه من دم الشعب السوري وما بناه بعرق جبينه..!

السوريون جميعاً اليوم ليسوا بالروحية نفسها التي قسمتهم إلى قسمين متناقضين فيما مضى

وكم كان مفيداً أن توجه مثل هذه الرسالة إلى الشعب السوري في الداخل والعمل السلمي الهادئ بالروحية التي تحدثت بها الرسالة عن سورية وشعبها، فالسوريون جميعاً اليوم ليسوا بالروحية نفسها التي قسمتهم إلى قسمين متناقضين فيما مضى..  فما التناقض الرئيسي اليوم على النطاق السوري كله، وهو نفسه في البلدان العربية كافة، إلا بين الشعب من جهة، وبخاصة جيل الشباب منه، وبين الحاكم المستبد الذي لايزال يقطع على الجيل الشاب طرق النمو والإبداع ويدرك الشباب اليوم أن ثمة حياة خارج عالمهم.. حياة أجمل وأرقى ويمكن لهم أن يعيشوها ويتفاعلوا معها ويساهموا في تنميتها.. 

وقد تطول هذه المرحلة وعلى من يؤمن بحركة الحياة ودروس التاريخ وحرية الشعوب أن يقف إلى جانب هذه الحركات الشعبية إن في سورية أو في السودان أو في الجزائر.. وسيأتي الدور على بقية الدول التي لا تزال تعيش العصور الإقطاعية بكل فرديتها واستبدادها في وقت تبدلت معه، في العالم أجمع، أدوات الإنتاج وعلاقاته وما تفرزه من علاقات جديدة يقوم أساسها على المؤسسة التي تأخذ بديمقراطية العمل واستغلال الطاقات الاجتماعية على نحو مبدع وخلاق.. وأمر طبيعي أن تكون هذه الولادة عسيرة، فهي مرتبطة بتاريخ الاستبداد الطويل الذي جثم على صدور الشعوب زمناً طويلاً، وتعمق قمعه في النفوس.. أما الجديد فقادم لا محالة وهو مكلف طبعاً ولكنه قادم لإمساك الشعوب بمصيرها ولبناء أسس مستقبلها.

(*) لسنا نعلم شيئاً عن سرِّ الرسالة.. أترى هل من أحد خلفها؟! جماعة ما.. تيار ما.. دولة أجنبية ما؟! ومهما يكن فالنتيجة واحدة..!