ربما توثيق الاحتلال الإيراني لسوريا بداية الخلاص

2019.01.28 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا يمر يوم أو ربما ساعة إلا ونسمع أسطوانة ضرورة خروج أو اقتلاع إيران أو ميليشياتها من سوريا. تحوّل ذلك إلى جزء من الإستراتيجية الأميركية تجاه القضية السورية، والإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية عبر استهدافها مواقع تقول إنها إيرانية. تغوُّل إيران ومشتقاتها في سوريا لم يكن يتم في الخفاء والعيون الإسرائيلية-الأمريكية ترصد أنفاس المنطقة برمتها؛ فمَن يريد لإيران أن تخرج، ما كان أساساً مرّر ذلك؛ وعليه على الأقل أن يكون على بيّنة بما فعلته وتفعله إيران في سوريا موثَقاً كي يساعد السوريين في إخراج هذا الوباء من بلدهم.

لا حاجة لعبقرية فذة أو وطنية مميّزة لملاحظة انكشاف التحول في العلاقة الإيرانية- السورية من التحالف إلى الاحتلال. وكما هو سهل نفي هذي الحال من قبل سلطة لا حول لها ولا قوة، ومؤيدين استمرؤوا الأمان والبحبوبة تحت خيمة الذل الجديدة الأقوى؛ هو أيضا سهل حسياً وعاطفيا إثبات هذي الحال شفهياً مِن قبل مَن يعارض السلطة. أما الأصعب فهو إثبات حالة الاحتلال بتوثيق وشواهد وموضوعية والانتقال بمعركة الشعب السوري إلى المحافل الدولية بجدية؛ فلا أحد يمكنه الهروب من جرائم الحرب أو التطهير العرقي الذي يمارسه الاحتلال الإيراني ودميته مسلوبة الإرادة في دمشق.

في هذا المقال محاولة لمقاربة هذا الانكشاف وتحوّل إيران إلى قوة احتلال لـ سوريا عبر تفحّص تقرير أعدته مجموعة من الباحثين يقع في مئة وعشر صفحات - وساهم فيه راصدون من الهيئة السورية للتفاوض- لإيران في سوريا. وجد التقرير طريقه إلى الصحيفة الإلكترونية (نامة شام) يثبّت توثيقياً تحوّل الحليف الإيراني إلى محتل.

أول ثمرة تدخل إيران تشكيل ما يسمى بقوات الدفاع الوطنية السورية المعروفة سابقا بـ"الشبيحة"

يقول التقرير إن الدور العسكري للنظام الإيراني في الحرب الحالية في سوريا نما تدريجياً من تقديم دعم إستراتيجي وتقني لقوات النظام السوري في مواجهة المظاهرات الشعبية العارمة إلى التحكم الكامل بإستراتيجية النظام السوري العسكرية وقيادة جميع حملاته العسكرية الكبرى؛ ففي بدايات عام 2011، ” قام فيلق القدس، بمشاركة عدد من أجهزة الاستخبارات الإيرانية، بتشكيل /بعثة استشارية/ لمساعدة النظام السوري في “أزمته” في أعقاب اندلاع الثورة؛ حيث ترأس هذه البعثة  القائد السابق للحرس الثوري "حسين حمداني" وقائد فيلق القدس اللواء "قاسم سليماني" وقام هذان، وفقاً للتقارير، آنذاك، بإرسال عدد من ضباط الحرس الثوري الإيراني ذوي خبرة في حرب العصابات وحرب المدن للإشراف على العمليات في سوريا وتوجيهها؛ لتكون أول ثمرة تدخلها تشكيل ما يسمى بقوات الدفاع الوطنية السورية المعروفة سابقا بـ"الشبيحة" على غرار قوات  "الباسيج الإيرانية" مستفيداً من خبرة الأخيرة في قمع الحركات الاحتجاجية في إيران.

يقدم التقرير أدلة وقرائن تستند إلى تصريحات واعترافات نادرة لمسؤولين إيرانيين وشهادات لمسؤولين سوريين وعناصر ميليشيا خدموا تحت إمرة ضباط إيرانيين أو تلقوا تدريبات عسكرية في إيران؛ ففي أواسط عام 2012، اتخذ النظام الإيراني قراراً إستراتيجياً بإرسال بعض الميليشيات الموالية له من لبنان والعراق للقتال في سوريا إلى جانب قوات النظام السوري، بل حتى نيابة عنها. الأمثلة الصارخة المثبتة /القصير، حمص، يبرود/ حيث تم إسناد الدور القيادي في هذه المعارك الرئيسية إلى حزب الله والميليشيات الأخرى المدعومة من قبل النظام الإيراني، والتي يعتبرها الأخير أكثر تنظيماً وأكثر جدارة بالثقة من الجيش النظامي السوري.

يحتوي التقرير أيضاً أمثلة على انتهاكات حقوق إنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في سوريا من قبل هذه الميليشيات والقوات التي يتحكم بها النظام الإيراني مستشهداً بالمجازر التي ارتُكبت وأهمها مجزرة الكيماوي. ويثبت أنها مسبقة التخطيط، سياسية الدافع، استهدفت مدنيين وليس عسكريين، ونفذتها ميليشيات غير نظامية بالاشتراك مع قوات مسلحة نظامية. وبناءً عليه يدعو كاتبو التقرير إلى إضافة جميع المسؤولين والهيئات الإيرانية المتورطة إلى قوائم الإرهاب وفرض العقوبات المناسبة عليهم.

من جانب آخر يتطرق الباحثون إلى علاقات النظامين السوري والإيراني مع المجموعات الإرهابية المتطرفة كداعش وغيرها ويوردون أدلة وقرائن متنوعة على أن كلا النظامين قد اخترق واستخدم وتعامل مع هذه المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة من أجل حرف مسار الثورة السورية في اتجاه العسكرة والطائفية وبغية تبرير أعمالهما العسكرية ضد المتظاهرين والثوار. وما نشهده اليوم من أفعال /هيئة تحرير الشام / "النصرة" ليس إلا الصدى والتخطيط لإيران وربيبتها /القاعدة/.

الفصل الثاني من التقرير يسوق حججاً قانونية لإثبات الاحتلال الإيراني العسكري لسوريا عبر تقديم تفاصيل مفادها أن الحرب في سوريا هي نزاع دولي طرفاه الأساسيان / احتلال أجنبي / (النظام الإيراني) و/نضال تحرري/ متمثل بـ (الشعب السوري) الذي يقاوم هذا الاحتلال الأجنبي كما يقاوم سلطته الاستبدادية ويلحق بهم خسائر بالأرواح ولديه أسرى منهم يمكن اعتبارهم” أسرى حرب" كما يتعرض هذا الشعب المقاوم لخسائر في الأرواح والممتلكات.. 

يبدأ هذا الفصل بمناقشة قانونية عن ماهية ومقومات الاحتلال العسكري كما تعرّفه اتفاقيات لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وفيما إذا كان وجود النظام الإيراني في سوريا يشكّل احتلالاً أجنبياً.

وبعد استعراض أدلة وأمثلة لدعم القضية القانونية، يقدم الباحثون تصريحات لمسؤوليين إيرانيين، ويخلصون إلى القول إن للحرب في سوريا اليوم جميع خصائص النزاعات الدولية. كما ينوّهون إلى إمكانية استخدام المادة 1 من البروتوكول الإضافي رقم 1 لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الرابعة، والذي ينصّ على أن النزاعات تُعتبر دولية حين تقع بين دولة وسلطة تمثّل شعباً “يقاتل ضد هيمنة استعمارية واحتلال أجنبي وضد أنظمة عنصرية من أجل ممارسة حقهم في تقرير المصير.”

النظام الإيراني يمارس الاحتلال المباشر من خلال قواته المسلحة وميليشياته، وعلى نحو غير مباشر من خلال النظام السوري الدمية

فالنظام الإيراني يمارس الاحتلال المباشر من خلال قواته المسلحة وميليشياته، وعلى نحو غير مباشر من خلال النظام السوري الدمية. هنا يورد الباحثون ضمّ أو استبعاد مسؤولين حكوميين وعسكريين سوريين بناء على رغبات وأوامر النظام الإيراني؛ ويستشهدون بحادثة اغتيال عدد من كبار المسؤوليين الأمنيين والعسكريين السوريين مما كان يدعى بـ "خلية الأزمة" في تموز/يوليو2012. وبخصوص هذه الحادثة، جمعوا معلومات سُربت إليهم من قبل مصادر موثوقة رفيعة المستوى، وأعادوا النظر في عدد من القرائن الظرفية المتعلقة بالقضية، وخلصوا إلى أن عملية الاغتيال لم تكن لها علاقة بالجيش السوري الحرّ ومجموعات المعارضة السورية المسلحة الأخرى- كما زعمت تقارير إخبارية في حينه- بل إن من ارتكبها كان الحرس الثوري الإيراني، وبأوامر مباشرة من الجنرال قاسم سليماني نفسه؛ كما أفادوا في تقريرهم أيضاً أن عدداً من أعضاء “خلية الأزمة” كان قد فتح خطوطاً مع دول خليجية وغربية بهدف عقد صفقة من خلف ظهر إيران. لكن الحرس الثوري كان لهم بالمرصاد ومنع إتمام الصفقة. ومنذ ذلك الحين يبدو أن بشار الأسد أضحى تحت قبضة النظام الإيراني بشكل كامل، بل إنه عملياً رهينة لديهم.

وبناء على ما تقدّم، فهم يقترحون خطاباً جديداً عن الثورة السورية والوضع الحالي في سوريا، بالإضافة لمجموعة من المطالب، في ضوء هذا الواقع؛ فالحرب في سوريا، على حدّ قولهم، نزاع دولي يسوّغ تطبيق اتفاقيات جنيف الرابعة، والمناطق السورية التي يسيطر عليها النظام تُعتَبر مناطق محتلة – ليس مجازاً وإنما بالمعنى القانوني الدقيق للكلمة.

ومن هنا فهم يؤكدون أن الاعتراف بالحرب السورية كنزاع دولي يشارك فيه احتلال أجنبي وشعب يناضل من أجل تحرره قد يقدّم كذلك “سلاحاً قانونياً” قوياً ضد النظام الإيراني، ألا وهو أن هذا النظام يقترف “انتهاكات خطيرة” لاتفاقية جنيف الرابعة، والتي تُعتبر جرائم حرب ذلك أن على إيران، باعتبارها سلطة احتلال، "واجبات" معينة تجاه الشعب السوري الذي يرزح تحت احتلالها، وفقاً للقانون الدولي. هناك ثمة ما يكفي من الأدلة – وقد عُرض بعضها في هذا التقرير – لإثبات أن النظام الإيراني وقواته وميليشياته التي تقاتل في سوريا قد انتهكت هذه الواجبات بشكل متكرر؛ فعلى سبيل المثال، يُعتبر هدم الممتلكات العامة والخاصة في أنحاء شاسعة من سوريا، والذي لا تبرره الحرب (ضد مسلحي المعارضة) في كثير من الحالات، يُعتبر انتهاكاً صريحاً ومتكرراً للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة. كذلك يُعتبر إخلاء قرى وأحياء كاملة من سكانها في حمص وغيرها من المدن السورية، وتقارير عن تسجيل هذا العقارات التي أجلي أصحابها بأسماء مناصرين للنظامين السوري والإيراني مُستقدمين من مناطق أخرى (بمن فيهم أجانب كالمقاتلين الأفغان)، تُعتبر انتهاكاً صريحاً ومتكرراً للمادة 49، وقد ترقى حتى للتطهير العرقي..

أخيراً، يقترح المؤلفون بناء على هذا الخطاب الجديد مجموعة من المطالب الموجهة للاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة وحلفائهما في مجموعة “أصدقاء سوريا”، وكذلك للأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى.

لقد كُتِب هذا التقرير قبل عمليات إيران العسكرية في درعا والقنيطرة، والتي عكست سلوك قوة الاحتلال الصرفة؛ حيث هدفت إيران من خلالها أن تثبت لإسرائيل وأميركا أنها المتصرّف الأساس في الشأن السوري ممارسةً بذلك ضغطاً أمنياً على الحدود الإسرائيلية – السورية بغية استخدام ذلك كورقة ضغط في المفاوضات المتعلقة بملفها النووي حينها.

بين أيدي السوريين الآن وثائق تقول للعالم: " إيران تحتل سوريا؛ فماذا أنتم فاعلون؟!"

نحن أمام احتلال إيراني لسوريا- برضاء السلطة القائمة أم رغماً عنها غير مهم؛ ولكن بين أيدي السوريين الآن وثائق تقول للعالم: " إيران تحتل سوريا؛ فماذا أنتم فاعلون؟!" على أية حال يبقى العبء على السوريين أن يقاوموا الاحتلال الإيراني ويحرروا بلدهم منه ومن السلطة الدمية التي جلبت لهم هذا البلاء.

حتى لو لم يراهن السوريون الأحرار على أحد لنجدتهم- بما في ذلك إخوتهم في المواطنة الذين اختاروا موالاة الظلم والاستبداد- إلا أن وضعهم هذه الحقائق أمام العالم قد يكون بداية لتحرير بلدهم. لا بد إذن لمن يطالب أو يسعى لإخراج إيران وميليشياتها من سوريا أن يأخذ بعين الاعتبار هذا التقرير الذي يشكّل الأرضية القانونية لاقتلاع إيران خارج الأرض السورية.