دولة يهودية بلا حدود

2018.07.23 | 00:21 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أقر الكنيست الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، قانون يهودية دولة إسرائيل، في تطور خطير، وإن كان متوقعاً منذ سنوات. ما لم تجرؤ إسرائيل على إعلانه على الملأ، منذ العام 2011، أقرته الآن بعدما وجدت الأرض ممهدة لذلك على مستويات عدة:

  • فمن جهة أولى، تشجعت إسرائيل على هذه الخطوة، بعدما نقلت أمّها الحامية – الولايات المتحدة – سفارتها إلى مدينة القدس، واعتبرت المدينة عاصمة موحدة ونهائية لدولة إسرائيل، على يد إدارة برئيس غريب الأطوار كدونالد ترامب وصهر صهيوني الميول كجاريد كوشنر. ليس هذا وحسب، بل وجدت أن هذه الخطوة الكبيرة لم تلق ردود فعل ذات شأن، لا من المجتمع الدولي، ولا من الفلسطينيين أصحاب الأرض، ولا من الرأي العام العربي والإسلامي الذي كان، قبل سنوات، يملأ الشوارع احتجاجاً على رواية لسلمان رشدي أو على رسوم كاريكاتيرية مسيئة للرسول. مر نقل السفارة إلى القدس بهدوء، وبات بإمكان إسرائيل اعتبار موضوع ابتلاع القدس منتهياً.
  • ومن جهة ثانية، رأت إسرائيل في الخراب الذي بات يحيط بها في الدول العربية، فرصتها التاريخية لتهويد هوية دولتها، كما لابتلاع القدس من قبل. بدون أن تبذل أي جهد، حربي أو تجسسي أو مالي أو غيرها من وجوه العمل، تكفلت أنظمة دول طالما ادعت عداءها لإسرائيل، بتدمير القدرات البشرية والاقتصادية والعسكرية لبلدانها بالذات. هذا ما فعله نظام بشار الكيماوي بسوريا التي خرجت بصورة نهائية من أي معادلات قوة إزاء إسرائيل، وساعده في ذلك كل من إيران وحزبها الإلهي في لبنان اللذين كانا يقيمان شرعيتهما المفترضة على معاداة إسرائيل.

ولم يقتصر الأمر على سوريا، بل شمل كذلك لبنان الذي لم يتعرض لما تعرضت له سوريا، لكن حجم الخراب السياسي الناتج عن هيمنة حزب الله وحلفائه المحليين على الحكم، يكاد يعادل الخراب العمراني والبشري في سوريا. وفعل الحكم الفاسد في العراق ما فعله نظام البراميل المتفجرة في سوريا، من حيث النخر الاجتماعي السياسي وتبعية قسم معتبر من الطبقة السياسية الحاكمة لطهران. وفي مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، دانت السيطرة لسلطة فاسدة في رام الله وأخرى تابعة لإيران في غزة، تستدعي الضربات الإسرائيلية كلما شاء ولي الفقيه في طهران. أما في مصر، فقد ضمنت دكتاتورية عبد الفتاح السيسي خراب "أم الدنيا" في المستقبل القريب، بعدما جعلها هذا الضابط المسخ في غربة عن الدنيا. وما من داع لذكر أحوال اليمن وليبيا اللتين "تسورنتا" إلى حد بعيد. أما الصراع الشرس على السلطة في المملكة السعودية فهو ينذر بمخاطر لا يمكن التنبؤ بها، وإن كانت البداية مكافأة الإدارة الأميركية مالياً مقابل قرار ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس.

  • ثالث العوامل المشجعة لإسرائيل على تهويد هوية الدولة، هو صعود اليمين العنصري والشعبوي عالمياً، وبصورة خاصة في العالم الغربي الذي هو في موقع السيطرة. صعود هذه الموجة المقلقة من قاع المجتمع يدعو إلى تشاؤم عميق بشأن مستقبل البشرية القريب على الأقل، ما دمنا لا نعرف المدى الزمني المحتمل لاستمرارها. تسود اليوم، في معظم الدول الأوروبية، نزعات معادية للأجانب واللاجئين وللمختلفين، معززة برهاب الإسلام، وبالخوف على "نقاء" الثقافة والعرق الأبيضين. كل هذه التطورات التي كادت تقضي على قيم الحداثة، وتدفع بالمجتمعات الأوروبية إلى التقوقع على هويتها الضيقة "البيضاء" والاعتزال في غيتو يحميها من "الخارج المتوحش" الذي هو سائر العالم.. جعلت من تهويد هوية الدولة الإسرائيلية خطوة متسقة معها.
  • نقطة أخيرة لا بد من أخذها بنظر الاعتبار عند ذكر العوامل المشجعة: إن الاعتراضات الرئيسية على تهويد هوية الدولة، هي من الجهة المتضررة، أي الفلسطينيين، ومن ورائهم العرب والمسلمين. وهنا تستطيع إسرائيل أن ترد بالفم الملآن: (أنتم آخر من يحق له الكلام على العنصرية) ففي معظم البلدان العربية والإسلامية يقوم النظام السياسي على تمييز عنصري بين المواطنين على أسس العرق والدين والمذهب واللغة والجهة والقبيلة والجنس. في سوريا وتركيا وإيران تمييز ضد الكرد، وفي المغرب والجزائر ضد الأمازيغ، وفي بلدان الخليج العربي ضد المكون الشيعي. في حين حلت كل من لبنان والعراق هذه المشكلة، مؤقتاً، بتقاسم السلطة بين المكونات الطائفية والعرقية، وهو نظام هش قابل للتفجر كلما اختل الميزان الديموغرافي، أو اختل الستاتيكو الإقليمي، أو النظام الدولي، اللذين هما جزء منهما.

إن العقيدة الكامنة لدولة إسرائيل قائمة، في الأصل، على التمييز ضد العرب الفلسطينيين أولاً، كما ضد طوائف فرعية لليهود وإن كان ذلك بدرجة أقل. لكن القانون الجديد يجعل من عقيدة التمييز هذه عقيدة رسمية تعرّف إسرائيل بها نفسها أمام العالم، وتضفي الشرعية على التمييز العملي. وتكمن خطورته في أنه يعتبر إسرائيل دولة لكل يهود العالم، فيما ينبذ المكونات الأخرى (الفلسطينيين أساساً) ربما تمهيداً للتخلص منها في المستقبل. يضاف إلى ذلك أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لها حدود واضحة، ما يفتح الباب دائماً أمام قضم المزيد من الأراضي المجاورة. ويقدم الخراب السوري فرصة كبيرة لفتح الشهية التوسعية لإسرائيل، وإن كانت، في الوقت الحالي، قد اكتفت باستدعاء كلب حراستها المألوف، نظام الأسد، لحماية حدودها الشمالية، كما فعل منذ العام 1970.