خريطة لبنان الجديدة من كاريكاتير الخامنئي إلى جادة الخميني

2019.02.21 | 18:36 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قبل القضاء اللبناني مؤخرا دعوى من مواطن على خلفية إقدام بعض الإعلاميين على إعادة نشر رسم كاريكاتوري ساخر للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي الخامنئي، كان منشورا في مجلة كورييه انترناسيونال ومنعه الأمن العام. المسوغات التي ساقها الأمن العام كحجة للمنع تعتمد على فكرة اعتبار الخامنئي شخصية دينية عالمية، وقد اعتمد رافع الدعوى المواطن فادي حدرج الذي تحول فجأة إلى ناشط على المنطق نفسه، معتبرا أن إعادة نشر الكاريكاتير تمثل إساءة إلى مرجعية دينية مقدسة عند جل الشيعة في لبنان.

كذلك وعلى مشارف شروع حكومة النأي بالنفس المشكلة حديثا في ممارسة أعمالها، وبعد توالي صدور مؤشرات عديدة تشي بسقوط الحواجز التي كانت تحول دون قدوم السياح العرب والخليجيين وغيرهم إلى لبنان، إذا بلافتة ترتفع في الطريق المؤدي إلى مطار رفيق الحريري الدولي تعلن عن إطلاق اسم جادة الإمام الخميني عليه.

لم ترتفع الكثير من الأصوات للتنديد بتسمية شارع مهم بهذا الإسم الذي يشكل استفزازا كبيرا لقسم من اللبنانيين وللمجتمع الدولي. اقتصرت الاحتجاجات

يبدو الحديث عن سيطرة إيران وحزب الله على لبنان وتراكم المؤشرات التي تؤكد هذا الوقع مكرورا ومملا، ولكن ما يجدر البحث فيه هو تطور آليات هذه السيطرة وكيفية عملها.

على بيان صدر عن حركة الناصريين الأحرار يستنكر هذا الأمر، كما صرح رئيس مجلس القيادة في الحركة الدكتور زياد العجوز قائلا: "إن توقيت رفع لوحة عملاقة تحمل اسم الخميني عند مدخل المطار الدولي لبيروت فيها تحد واستفزاز كبير، وعنوان واضح لمن يعنيهم الأمر بأن حزب الله أراد من هذه الواقعة أن يترجم سيطرته على الدولة اللبنانية بمؤسساتها الرسمية وليقول للملأ أجمع بأن لبنان أصبح ذا بعد فارسي إيراني".

من هنا قد يبدو الحديث عن سيطرة إيران وحزب الله على لبنان وتراكم المؤشرات التي تؤكد هذا الوقع مكرورا ومملا، ولكن ما يجدر البحث فيه هو تطور آليات هذه السيطرة وكيفية عملها.

يستعمل حزب الله بشكل مستجد صيغة الجمهور وبنية العفوية فمن رفع الدعوة على الإعلاميين ليس شخصية معروفة أو شخصية سياسية بل مواطن عادي، يعتبر نفسه واحدا من جمهور الحزب، ويرفع الدعوى بحجة إهانة مقدساته ومشاعره الدينية. تاليا تخرج المسألة من الإطار المتعسكر الذي يمثل العمق الفعلي لسيطرة حزب الله لتتحول إلى فعل مدني وقانوني يصعّب عملية الاحتجاج، ويدخل أي معترض في مشكلة ليس مع الحزب وعقليته بل مع القضاء.

 يخضع واقع القضاء اللبناني للكثير من التساؤلات ولكن الركون إليه كحكم بات مرتبطا، وفق آليات عمد كل خصوم الحزب على تعزيزها بوصفها أحد وسائل محاربة نفوذه، بشكل من العيش والممارسة السياسية المناقضة للسلاح والمنطق الميليشوي.

إثر ذلك بات الحديث عن فساد القضاء أو إمساك الحزب بمفاصله وسيطرته على جزء كبير من القضاة، وعدم التوازن في أحكامه، نوعا من سجال يصب دائما في صالح الحزب بغض النظر عن متانة الحجج التي يسوقها معارضوه وضعف حججه. هكذا لم يعد من الممكن النظر إلى قبول القضاء لمثل هذه الدعوى إلا بوصفه علامة على نضوج صفات مدنية في وسط الحزب.

ولعل المغزى الأبرز من كل هذا المنطق هو ربح حرب التوصيفات إذا صح التعبير، وهذه الحرب هي المدخل الجديد الذي اختاره الحزب ليكون علامة

تسمية شارع قريب من المطار باسم الخميني حاملا لدلالة رمزية صاخبة، فكل هارب من البلد سيجد في طريق هروبه هذا العنوان ويعرف أنه ترك بلاد الخميني

على نجاحه في إعادة رسم خريطة البلد. حين يرفع مواطن دعوى قضائية على إعلاميين بتهمة تحقير مقدسات الناس، فهذا يعني قلب الأدوار والصفات بحيث يتحول الإعلاميون إلى ميليشيا خارجة على القانون، ويتحول الحزب وجمهوره إلى مواطنين ومدافعين عن الدولة والمؤسسات.

من ناحية أخرى تأتي تسمية شارع قريب من المطار باسم الخميني حاملا لدلالة رمزية صاخبة، فكل هارب من البلد سيجد في طريق هروبه هذا العنوان ويعرف أنه ترك بلاد الخميني، والقادم كذلك سيعرف أنه دخل في البلاد التي تحمل هذا الوشم الأسود.

التبرير الذي يساق في كل الأحوال لإطلاق هذا الاسم هو الحجة نفسها التي تحاول الابتعاد عن السياسة والقصد والركون إلى لغة المواطنين والجمهور من خلال التأكيد أنه يمثل مرجعية روحية ودينية مقدسة عند قسم كبير من اللبنانيين، وتاليا فإن التسمية ليست إسقاطا لمنطق القوة والغلبة بل استجابة لمنطق "الجمهور عاوز كدة".

لقد فتن اللبنانيون مؤخرا بخطاب الاعتذار الذي صدر عن رئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد بعد الكلام الذي ساقه أحد نواب كتلته في حق شخصية مسيحية تحظى بقدر كبير من الإجلال عند المسيحيين هي الرئيس الراحل بشير الجميل. كان الترحيب الكبير والعام بهذا الاعتذار دلالة على أن الحزب قد نجح في رسم خريطته الجديدة، وما جرى يتعلق فقط بأن نائبه الموسوي قد التبس عليه الدور أو لم يتقنه بعد، ولعب دور المواطن أو الجمهور في الوقت الذي باتت فيه الأمور مقلوبة.

يفتتح حزب الله زمان الجماهير بعناوين عديدة من محاربة الفساد والاهتمام بالشأن العام واليومي للناس وقضية الحريات، ويعتمد في تكوين عالمه الجديد على مواطنين من قبيل فادي حدرج الذي يصبح ما أن يعلن موقفا ما جمهورا يمثل شريحة كبيرة من اللبنانيين لا بل أغلبية.

يدخلنا الحزب في زمان القمع الديمقراطي، ويريدنا أن نتجاهل بأي لسان ينطق مثل هذا المواطن/الأكثرية في خطابه، وربما يبحث حاليا عن معادلة الجمهور المتشدد والقيادات "اللايت". إنه موسم الذبح بالجمهور السلمي وبالقضاء العادل وبأسماء الشوارع.

أهلا وسهلا بكم في بلد جادة الإمام الخميني، هذا ما يفرزه خطاب البلد وخرائطه الجديدة، ولكن المفارقة لا تكمن هنا بل في أن هناك من لا يزال يعتقد أنه عبر هذه الجادة نفسها يمكن أن يمر السياح، ومؤتمر سيدر، وحلول مشاكل الكهرباء والأمن والاقتصاد.