حين تُهانُ أحلام السوريين

2019.02.15 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تضاربت الأحاديث والتخمينات حول قوائم الأسماء التي بدأت تتسرّب منذ بداية شهر شباط الجاري، وقيل إنها تتضمن أسماء الأشخاص الذين سيقومون بصياغة دستور لسوريا، وفقاً لمخرجات سوتشي، فمن قائلٍ إنها قائمة وهمية، يعمد بعض رواد الفيسبوك على فبركتها لمجرد الإثارة، ومن قائل هي حقيقية وليست وهمية، ولكن جرى تطعيمها ببعض الأسماء المثيرة للجدل، بهدف التشويش والإساءة إلى بقية الأسماء المعتمدة في القوائم، ما يبرر هذا التضارب في الأقاويل والآراء هو أن الجهة، أو الجهات الرسمية المعنية بقضايا المفاوضات ( هيئة التفاوض – جماعة أستانا – سوتشي)، ظلت غائبة عن هذا الجدال، ربما لأنها آثرت الوقوف على بعد، وانتظار ردات الفعل العامة، هذا، إن كانت تلك الجهات مهتمة بردّات الفعل حقاً.

لكنّ هذا الجدل المثار حول مصداقية تلك القوائم أو عدم مصداقيتها ما لبث أن خمد، حين ظهر رئيس وفد أستانا السيد أحمد طعمة يوم العاشر من شباط الجاري على إحدى القنوات الفضائية صادعاً بالقول الحسم، ومؤكداً صحّة تلك القوائم، باستثناء اسمين أو ثلاثة، لاعتذار أصحاب هذه الأسماء عن المشاركة، وفقاً للسيد طعمة، إلّا أن اللافت للانتباه أن المتحدث المشار إليه لم يخف مزيداً من التوتر والعصبية حين أكد صحة القوائم المذكورة، وكأن التصريح بها قد سبب له المزيد من الانقباض لسبب لعله أدرى به. واقع الحال أن كلام السيد طعمة من خلال مداخلته المشار إليها، لم ينزع اللثام عن أسماء أعضاء لجنة الدستور فحسب، بل انطوى كلامه على ما هو أبعد من ذلك، وسأكتفي في هذا السياق بإثارة التساؤل حول مسائل ثلاث:

ما الغاية من التكتم الذي تلجأ إليه كيانات المعارضة السورية حيال أي عمل تقوم به ويطال الشأن العام للسوريين؟

الأولى: ما الغاية من التكتم الذي تلجأ إليه كيانات المعارضة السورية حيال أي عمل تقوم به ويطال الشأن العام للسوريين؟ علماً أن هذه السرّية المشار إليها لا تخص قوائم لجان الدستور وحسب، بل معظم الأعمال التي تقوم بها، كتشكيل الوفود المشاركة في المفاوضات منذ جنيف 2012 وحتى الآن، وكذلك ما يجري داخل أروقة التفاوض، حتى إذا أرادوا اللقاء بالسوريين ليبينوا موقفاً محدداً حول قضية عامة، فنراهم يعقدون لقاءاتهم تلك من خلال دعوات يوجهونها لبعض الخاصة، ربما من أصدقائهم أو معارفهم فحسب، وقلما  رأينا مسؤولاً أو عضواً منهم يواجه الجمهور العام من السوريين، أليسوا هم من يدّعي تمثيل السوريين؟ أليس من حق السوريين أن يسمعوا ممن يمثلهم مباشرة دون وساطة؟ لماذا يحاولون التخفي والهروب من مواجهة السوريين أصحاب المصلحة الحقيقية بما يجري؟ أترى لأن الحديث حول الشأن السوري يتطلب هذا القدر من السرية، بينما وسائل الإعلام تسبقهم فيما يريدون قوله؟ أم لأن ثمة إحساساً في أعماقهم يعزز قناعتهم بأنهم يقومون بفعل مشين بحق السوريين، ولا يريدون مواجهة أحد؟ ألمْ يكن حريّاً بالائتلاف مثلاً، أو هيئة التفاوض، أن تصدر بياناً عاماً تتوجه به إلى الشعب السوري، و توضّح فيه للجميع الأسماء المختارة للجنة الدستور وآليات أو معايير اختيارهم، والمهام الموكلة إليهم؟ وهل يليق بالسوريين إبلاغهم عن لجنة ستكتب لهم دستوراً من خلال مداخلة تلفزيونية عن طريق الصدفة؟

الثانية: تتعلق بما أدلى به السيد طعمة، إذ قال في مداخلته المذكورة أعلاه ردّا على سؤال حول هيئة الحكم الانتقالي( على السوريين أن ينسوا هيئة الحكم الانتقالي، لقد أكل الدهر عليها وشرب)

الثانية: تتعلق بما أدلى به السيد طعمة، إذ قال في مداخلته المذكورة أعلاه ردّا على سؤال حول هيئة الحكم الانتقالي( على السوريين أن ينسوا هيئة الحكم الانتقالي، لقد أكل الدهر عليها وشرب). ولعل السؤال الأكثر مرارة هو من الذي خوّل السيد طعمة بالتخلي عن حق السوريين بإنشاء هيئة حكم انتقالي؟ علماً أن ( إنشاء هيئة حكم انتقالي هي جوهر قرار جنيف 1 لعام 2012 ، وكذلك القرار الدولي 2254 ، وهل يعتقد السيد طعمة أن القرارات الدولية التي أقرت حقوق السوريين هي من الإنجازات البطولية للائتلاف وهيئة التفاوض وجماعة أستانا ، وبالتالي يحق لهم أن يطالبوا السوريين بالتخلي عنها ونسيانها؟، ربما نسيت جميع وفود التفاوض، ومن ضمنهم السيد طعمة، أنهم لا يفاوضون الأطراف الدولية حول قضايا شخصية تخصهم وحدهم، بل يفاوضون على حقوق ثمنها مئات الآلاف من الشهداء والملايين من المهجرين، وعشرات الآلاف من النازحين في المخيمات داخل سورية وخارجها، وربما تناسوا أيضاً أن التفريط بحق أممي انتزعه السوريون بتضحياتهم العظيمة، ما هو سوى اعتداء على حق السوريين وإهانة موجعة لجميع لتضحياتهم وتطلعاتهم.

الثالثة: ربما كان مقبولاً من السيد طعمة وزملائه في وفود التفاوض لو أنهم كانوا أكثر انسجاماً مع أنفسهم، أو كانوا على درجة من المصداقية، لو أنهم تحدثوا إلى الرأي العام السوري بصدق وشفافية منذ أن قبلوا بفكرة ديمستورا حين تم تقسيم المسار السياسي إلى ( سلال أربع)، ثم تم التركيز على سلة الدستور دون سواها، لو أنهم قالوا حينذاك: هذا ما هو مُتاح لنا، ولا نستطيع مقاومة ما يُملى علينا من الخارج، وإن كان هذا لا يلبي تطلعات السوريين فإننا نبرأ بأنفسنا من هذه المهمة، ونترك الأمر لمن هو قادر على الحفاظ على الحقوق، إلّا أن ما فعلوه وما قد حصل غير ذلك تماماً، إذ إن التشديد على التمسك بحق الانتقال السياسي كأولوية، كان اللازمة التي لا بدّ منها في مقدمة حديث جميع أعضاء الوفود المفاوضة، ممن يتبارون في الظهور على شاشات القنوات ووسائل الإعلام، أمّا الآن فقد أصبح مطلبهم من السوريين هو أن ينسوا مسألة إنشاء هيئة حكم انتقالي، بل عليهم عدم ذكرها باعتبار أن الدهر قد أكل عليها وشرب، فهل كان نجوم وفود التفاوض يمارسون التضليل والتدليس على الناس؟

ثمة مُنجَزٌ واحد برع به المفاوضون السوريون حتى الآن: الاستغراق في شتم النظام على وسائل الإعلام، تزامناً مع الانصياع الكامل لما يريده ويهندسه الروس والإيرانيون.