حول قمة هلسنكي المرتقبة بين ترمب وبوتين

2018.07.02 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

"التعاون حول مكافحة الإرهاب" قال نائب وزير الخارجية الروسي بيسكوف، في وقت سابق، باعتباره "المحور الرئيسي" للمباحثات المرتقبة بين الرئيسين الأميركي والروسي، منتصف الشهر الجاري في العاصمة الفنلندية. ما يعني أن هذا ما تريده روسيا موضوعاً وحيداً للقاء، لاستبعاد المواضيع الإشكالية المختلف عليها بين البلدين، أي أوكرانيا وسوريا والتدخل الروسي المفترض في الانتخابات الرئاسية الأميركية الذي تدور حوله تحقيقات جدية في الولايات المتحدة.

في حين اعتبر ترمب أن الموضوعات الإشكالية المذكورة هي التي سيتباحث بشأنها مع نظيره الروسي المكروه أميركياً – المحبوب من قبل ترمب. وعلى غير عادته في إطلاق التصريحات الفضائحية الصادمة، لزم ترمب جانب الغموض بشأن موقفه من تلك الموضوعات، سواء بشأن ما يشاع عن احتمال اعتراف أميركي بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ورفع العقوبات التي فرضت على روسيا بسببه، أو بشأن انسحاب عسكري أميركي محتمل من سوريا وترك مصيرها لروسيا مقابل طرد الإيرانيين من البلد المنكوب.

وفي غضون ذلك تضغط القيادة الأميركية على حلفائها الأوروبيين لفرض عزلة بترولية خانقة على إيران، بوقف وارداتها منها، تحت تهديد عقوبات أميركية على الدول التي سترفض ذلك، بدءاً من مطلع تشرين الثاني القادم. وحصل ترمب على وعد سعودي بزيادة إنتاجها من النفط لتلافي النقص المتوقع في سوق النفط، وتفادي ارتفاع الأسعار فيها.

هل يمكن أن يتفق ترمب وبوتين على طرد إيران من سوريا (ولبنان؟). وإذا كان الأميركيون يعملون من جانبهم على تحقيق ذلك، فهل يستطيع الرئيس الروسي أن يذهب في الغدر بحليفه الإيراني إلى النهاية؟

هذه اللوحة العامة تعطينا فكرة واضحة عن الاستراتيجية الأميركية التي تضع في صدر أولوياتها خنق نظام الملالي في إيران، مقابل تعاون مع روسيا وكوريا الشمالية (والصين؟). ليصبح السؤال، بشأن قمة هلسنكي، هل يمكن أن يتفق ترمب وبوتين على طرد إيران من سوريا (ولبنان؟). وإذا كان الأميركيون يعملون من جانبهم على تحقيق ذلك، فهل يستطيع الرئيس الروسي أن يذهب في الغدر بحليفه الإيراني إلى النهاية؟ وما هو الموقف الإسرائيلي الذي عاد الغموض يلفه بشأن الوجود الإيراني في سوريا، بعد التصعيد الكبير الذي شهده شهر أيار؟ ذلك أن الحرب المفتوحة التي يشنها النظام الكيماوي مدعوماً بالطيران الروسي على محافظة درعا، ويقال إن عناصر إيرانية أو تابعة لها تشارك في الهجوم متنكرة في هيئة قوات الأسد، قد قلبت التوقعات السابقة رأساً على عقب، بعدما رفعت الولايات المتحدة غطاءها عن قوات المعارضة المسلحة في الجبهة الجنوبية، وأعطت الضوء الأخضر للنظام للسيطرة على المنطقة والمعابر الحدودية مع الأردن. مع العلم أن المنطقة كانت، إلى وقت قريب، ضمن إطار "وقف التصعيد" بالاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة والأردن، وسبق للأميركيين أن أطلقوا، أثناء معركة الغوطة الشرقية، تحذيرات شديدة للنظام بشأن الجنوب، قبل أن يتراجعوا عنها مؤخراً.

يمكن الافتراض بأن الرهان الروسي – الأميركي – الإسرائيلي يقوم على حسم النظام لمعركة درعا، قبل انعقاد قمة هلسنكي، بحيث ينشأ وضع ميداني يريح تلك الدول، مع ترك الأردن في مواجهة مشكلة النزوح الكبير على حدوده. هذا يعني، في حسابات الدول، تنازلاً أميركياً لروسيا. فما هو المقابل؟

لا يمكننا أن نتوقع تراجعاً روسياً بشأن القرم وأوكرانيا، فهما ضمن ما تعتبره موسكو المجال الحيوي لأمنها القومي، وتحتفظان بأهمية تفوق أهمية سوريا. ولا الرئيس الأميركي مهتم بشأن أوكرانيا أو القرم، بخلاف أوروبا التي تعتبر نفسها معنية أكثر، معنوياً على الأقل، وتجد نفسها مهمشة في أهم الصراعات الدولية، وإن كانت تهتم أكثر بالتجارة مع إيران ومشكلة تدفق اللاجئين وتأمين تدفق مصادر الطاقة.

هل يعني ذلك أن الثمن قد يكون في سوريا؟ لكن ترمب غير مهتم هنا أيضاً، بل ربما تكون أوكرانيا أهم، بالنسبة له، من سوريا، ما لم نحسب موقع سوريا في خريطة النفوذ الإقليمي لإيران. وهو موقع شديد الأهمية بالنسبة لإيران، بحيث يكون انسحابها الاضطراري المحتمل منه هو كأس السم التي على الولي الفقيه أن يتجرعه.

وماذا بشأن المصير السياسي لسوريا والطغمة الحاكمة فيها؟

لا شيء. هذا هو آخر اهتمامات الدول القادرة. الأوروبيون تهمهم عودة "الاستقرار" الشهير والحفاظ على "مؤسسات الدولة" الأشهر منها، لكي يعيدوا اللاجئين السوريين إلى "بلادهم". الروس حققوا ما جاؤوا من أجله: موطئ قدم استعماري طويل الأمد في الشرق الأوسط، على شواطئ المتوسط وعلى تخوم إسرائيل ودول النفط، ولو على أشلاء ما كان يسمى سوريا.

يبقى دونالد ترمب الذي لا يمكن توقع قراراته. بالنسبة للجنوب، لا يعنيه غير أمن إسرائيل. أما المناطق الشمالية المتاخمة لتركيا، فقد تكون الاستراتيجية الأميركية المحتملة بشأنها هي اللغز الكبير. فهي ترتبط أولاً بتموجات العلاقة مع تركيا الأطلسية، وما تريده واشنطن من أنقرة، وبما تفترضه في العامل الكردي – الحليف حالياً – من فرص لملاعبة تركيا أو روسيا.

إذا وسعنا زاوية النظر لتشمل التوازنات الدولية على مستوى العالم، أمكننا القول إن ترك مصير العالم لأفّاكين كبوتين وترمب، ليحدداه في اجتماع ثنائي، يعطينا فكرة جيدة عن الظلام الذي نمضي فيه وإليه. بوتين الذي لا يتورع عن أي إجرام للاستمرار في السلطة وتوسيع النفوذ الروسي عالمياً بالقوة العسكرية وحدها، وترمب الذي يبيع ويشتري كل شيء، ووصل به الأمر إلى الطلب من الرئيس الفرنسي ماكرون أن تنسحب بلاده من الاتحاد الأوروبي!