حماس في طهران.. زيارة بشروط إيرانية

2019.07.27 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تأخرت زيارة وفد قيادة حركة حماس إلى إيران خمس سنوات على الأقل،  حيث كان يفترض أن تتم في 2014. فبعد قطيعة لسنتين بدأت عملياً في 2012 وجهت طهران دعوة لرئيس المكتب السياسي خالد مشعل لزيارتها ودون شروط، اللهم إلا اللقاء العلني مع علي خامنئي. مشعل فهم مغزى الصورة، لذلك رفض وأرسل - نهاية 2014 - وفداً من أعضاء المكتب السياسي في زيارة عاصفة أتت بعد حرب غزة الأخيرة التي تنحت فيها إيران وأذرعها ، خاصة ذراعها المركزي في لبنان جانباً مكتفين بالاتصالات الهاتفية والدعاء لغزة كما فعل قاسم سليماني.

وقعت القطيعة، بل تمددت بعد الزيارة الفاشلة، وحاولت إيران الضغط على الحركة بأن التفت على قيادتها في الخارج وأرسلت مبالغ مادية مباشرة

لم تؤدِ الزيارة آنذاك إلى نتائج ملموسة قياساً للهوة الواسعة في المواقف، وبالتالي رفضت إيران تقديم مساعدات للحركة التي طالبتها بتنفيذ تصريحاتها العلنية عن تسليح الضفة الغربية، باعتبارها الوحيدة المؤهلة لذلك، كما قدمت بدورها نصائح لطهران بالتراجع عن السياسة الإقليمية التوسعية الطائفية والفاشلة، التي سترتد سلباً عليها وعلى المنطقة، وهو ما حصل ويحصل فعلاً الآن..

وقعت القطيعة، بل تمددت بعد الزيارة الفاشلة، وحاولت إيران الضغط على الحركة بأن التفت على قيادتها في الخارج وأرسلت مبالغ مادية مباشرة - خمسة ملايين دولار – عبر محمود الزهار والعسكر في قيادة القسام بما يتناقض مع اللوائح التنظيمية لحماس التي تمنع أي لقاءات أو معونات رسمية، إلا عبر قيادة الحركة المخولة، وهو ما فاقم القطيعة، وحالة عدم الثقة بين الجانبين.. هنا يمكن تذكر التسريب الشهير للقيادي الحمساوي موسى أبو مرزوق-شباط 2016- الذي يتحدث فيه عن وهم الدعم الإيراني الموجود في الإعلام فقط والتقية التي تتعامل بها طهران مع الحركة بعكس تعاملها مع أذرعها الطائفية، متحدثاً تحديداً عن الحشد الشعبي الحوثي في اليمن.

سعت طهران في تلك المرحلة من أجل تبييض صفحتها في المنطقة، كانت تغرق في سوريا بعدما فشلت في حماية نظام الأسد قبل أن تستنجد بروسيا لفعل ذلك، أرادت الاستعانة بالورقة الفلسطينية لتغطية عوراتها – حليفتها حركة الجهاد لا تستطيع القيام بالمهمة-، فحاولت مدّ الخيوط مع حماس سعياً لصورة مشعل -خامنئي اللازمة للبروباغاندا الدعائية للحشد الشعبى الإعلامي.

من هنا ظلت دعوة مشعل مطروحة على الطاولة لسنوات، كانت دون شروط أو مطالب، واستعدت طهران في المقابل لاستئناف دعمها للحركة التي كانت معاناتها قد بدأت للتو مع خطايا الإخوان المسلمين في مصر وإفشالهم، صيرورة وديمومة ثورة يناير، وتسهيلهم بل تمكينهم للثورة المضادة في مصر، وتقديم السلطة للانقلابيين العسكر على طبق من ذهب ومسارعة هؤلاء فوراً إلى التضييق، بل خنق حماس وغزة كلها ما شجع في الحقيقة محمود عباس على عقوباته التي كانت لتصبح بلا معنى لو استمرت غزة في التنفس عبر الرئة المصرية، عندما كانت الثورة على السكة الدستورية السياسية الصحيحة في القاهرة.

استمرت القطيعة لثلاث سنوات إلى أن فرض الجنرال يحيي السنوار نفسه – بانتخابات شكلية – فى 2017 رئيساً للمكتب السياسي لحماس بغزة مهيمناً على قرار الحركة، ومع وجود إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي العام في غزة، و منع سفره وتحركه من قبل السلطات المصرية بات السنوار المتحكم الفعلى بكل قرارات وسياسات الحركة، هو بحث أساساً عن إبقاء سلطتها في غزة، والمضي قدماً في مشروع عسكرة المقاومة وتحويلها إلى جيش أو شيء قريب من ذلك، لذلك لجأ للتقارب مع القاهرة، التي لا تمانع استمرار سيطرة حماس على غزة لخدمتها، أمنياً فى سيناء وضمان عدم التصعيد تجاه إسرائيل،  ومع إيران من أجل مشروعه العسكري المتضخم دون أي اعتبار لسياستها الطائفية وجرائمها في العالم العربي، خاصة في سوريا كونها شريكة للأسد في كل جرائمه من قتل السوريين تشريدهم وتدمير البلد، ومقدراته إلى تسليمه للاحتلال الروسي المتواطىء والمتحالف مع الاحتلال الإسرائيلي المفترض أنه عدو لحماس والشعب الفلسطيني.

مع الضغط أكثر على حماس وترويج وهم انتصار إيران وأذرعها – خدموا السياسة الأميركية الروسية، كما يقول الشيخ صبحي الطفيلي عن حق - وانتقال المسؤول العسكري في الخارج صالح العاروري للإقامة في لبنان بدأ التواصل رويداً رويداً بين الجانبين عبر الذراع المركزي لإيران أي حزب الله، لكن عودة العلاقات الكاملة باتت مشروطة بأن تتبنى حماس الرواية السياسية الإيرانية ليس فقط عبر تجاهل جرائمها فى سوريا والمنطقة، إنما حتى الاستجداء والتهافت لإعادة العلاقة مع نظام الأسد باعتباره يختصر القصة لها والتودد له  وتبييض صفحته يبرر بالتاكيد جرائم إيران وأذرعها خلال السنوات الماضية.

قيادة حماس العسكرية فى غزة تنظر للعالم من منظار البندقية، ومع تعثر المصالحة مع فتح والسلطة فى رام الله وفشل مسيرة العودة في رفع الحصار عن غزة بل ساءت الأمور أكثر، خاصة مع العدد الكبير من الشهداء والجرحى ومئات الشباب من أصحاب الإعاقات الدائمة، انبطحت أكثر وقبلت بالشروط الإيرانية وأصبحت تستجدي حتى العلاقة مع نظام الأسد للالتحاق بمحور الممانعة المزعوم، ومع تعثر سفر هنية نفسه إثر رفض مغادرته عبر القاهرة سافر نائبه صالح العاروري إلى طهران نيابة عنه  – مع رسالة تفويض خطية منه -  وطبعاً على رأس وفد قيادى كبير.

العاروري غير المسيس بالغ في تزلفه واستجدائه معتبراً أن حماس تتواجد في خط الدفاع الأول عن إيران.. رغم أن الحرب مع أمريكا لا علاقة لها بفلسطين، إنما تستهدف رفع العقوبات الأمريكية الصارمة ضد طهران كما قال قادة في حزب الله لموقع ديلي بيست الجمعة 19 من تموز يوليو، وكما قال مسؤول الحزب نفسه حسن نصر الله في ذكرى حرب "لو كنت أعلم" منتصف الشهر نفسه.

إيران بالتأكيد عاجزة عن حل مشاكل غزة الاقتصادية الاجتماعية والإنمائية المتفاقمة، فى ظل وضعها الاقتصادي المتردي

إيران بالتأكيد عاجزة عن حل مشاكل غزة الاقتصادية الاجتماعية والإنمائية المتفاقمة، فى ظل وضعها الاقتصادي المتردي بينما دمرت العسكرة غزة في ثلاث حروب، ومزيد منها حسب مصيدة العسل الإيرانية سيؤدي حتماً إلى مزيد من الدمار.

الزيارة فى هذا التوقيت قد تؤثر سلباً كذلك على التهدئة السائدة الآن مع إسرائيل، ما يمثل فخاً إيرانياً آخر لحماس وغزة وأهلها.

أما مواجهة صفقة القرن الأميركية فلا تتم مع إيران وأذرعها كما قال العاروري من طهران، إنما كما قال ويقول خالد مشعل - عن حق – مع فتح والرئيس محمود عباس، كون الفلسطينيين وحدهم قادرين على إسقاطها وبوسائل سياسية طبعاً مع صمود ميداني خاصة فى القدس المحتلة.

والحرب الأمريكية الإيرانية إذا ما وقعت فعلاً فهى ليست من أجل فلسطين أو إسقاط صفقة القرن، بل من أجل رفع العقوبات الأمريكية المدمرة عن إيران، التي تمددت احتلت ودمرت الحواضر العربية، بضوء أخضر أو برتقالي أمريكي، والآن يراد تحجميها إخضاعها وإرجاعها لحجمها الطبيعي.

عموماً لن تستفيد حماس عملياً من الزيارة الأخيرة كما من التقارب مع إيران المحاصرة والمستزفة، بل خسرت من شعبيتها ورصيدها في الشارعين العربي والإسلامي، بينما استثمرت طهران الزيارة في حربها الدعائية لتبييض صفحتها، وتبرير سياستها الاستعمارية وجرائمها الموصوفة، فى سوريا العراق اليمن ولبنان طوال السنوات الماضية.