حكومة الحرب الروسية على إيران في لبنان

2019.02.01 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يتضاءل الاهتمام الدولي بمصير لبنان عموما وترتفع في الآن عينه وتيرة المساعي الرامية إلى تأليف الحكومة، مقابل ظهور موجة من التحذيرات بصدد هوية هذه الحكومة المنتظرة وما يمكن أن تعكسه من توجهات.

عمدت روسيا منذ فترة إلى تسهيل ولادة الحكومة ولم تكشف تلك المساعي عن تدخل في التفاصيل أو عن اهتمام بأسماء الوزراء أو بالحقائب وما إلى ذلك، بل كان الاهتمام الروسي يتجه نحو بلورة عنوان تشكيل الحكومة بشكل عام تاركا المناكفات والكباشات في شأنها للقوى السياسية الداخلية.

عمدت أميركا على العكس من ذلك إلى الاهتمام بالتفاصيل وإطلاق تحذيرات حول مغبة حصول حزب الله على وزارات محددة من قبيل وزارة الصحة أو غيرها من الوزارات الوازنة.
 تبلورت التحذيرات الأميركية في مواقف واضحة أعلن عنها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الإرهاب

بدا تأثير المساعي الروسية لتحجيم إيران واضحا في إعادة رسم خرائط التحالفات والتوجهات في المنطقة عموما وفي لبنان خصوصا

مارشال بيلينغسليا الذي زار بيروت مؤخرا وأطلع المسؤولين على مطالب أميركية واضحة في هذا الصدد، مضيفا إليها رسائل حازمة ترفض تزويد طائرات شركة مهان الإيرانية والطائرات السورية بالوقود في مطار بيروت.

في مقابل الوضوح الأميركي في طرح عنوان محاربة إيران والنظام السوري في آن واحد معا وربطهما بالإرهاب وغسيل الأموال، فإن روسيا تعمل على تحويل عنوان محاربة إيران إلى مدخل لتعويم النظام السوري.

وبدا تأثير المساعي الروسية لتحجيم إيران واضحا في إعادة رسم خرائط التحالفات والتوجهات في المنطقة عموما وفي لبنان خصوصا، فمحور الممانعة شهد مؤخرا انقسامات واضحة بين جماعة إيران وجماعة روسيا في سوريا.

الضربات الإسرائيلية المنسقة مع الروس طالت جماعات إيرانية وجماعات سورية محسوبة على إيران وحسب ولم تستهدف النظام السوري أو أي جماعة محسوبة عليه.

أكد مسار السلوك الروسي أن استثمارها الفعلي في المنطقة هو في النظام السوري، وأنها لم تقبل بوجود إيران إلا لأنها تؤمن الكتلة البشرية المعدة للاستهلاك الميداني وحسب، وتاليا فإنه لا وجود لرؤية موحدة أو لمصالح مشتركة.

تجلى هذا الانقسام بشكل واضح في لبنان، وكرس روسيا بوصفها الطرف الذي يمسك بمفاتيح رئاسة الجمهورية، وكل التفاصيل المرتبطة بالصفقات المالية والعلاقات الدولية وغيرها.

وكان للحضور الروسي الأثر البارز في دفع جبران باسيل وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر إلى تقديم أوراق اعتماده الروسية، من خلال حرصه على تعويم النظام السوري في كل مناسبة تتاح له، بعد أن كان يعتقد أن مفاتيح الرئاسة عند إيران.

أدى هذا الواقع إلى تحويل مطالبته بالحصول على الثلث المعطل في الحكومة إلى نوع من هزيمة للمسار الإيراني في البلد، فعمل الحزب على تفخيخ هذا الدرب بكل ما استطاع من ألغام.

في ظل هذا المناخ تحول تشكيل الحكومة إلى شر لا مفر منه للجميع، وتكشف النظرة المباشرة عن مشهد سيطرة حزب الله على مقاليد أي حكومة قد تتشكل، إلا أن الأمور لا تسير على هذا المنوال، فبعد التدخل الروسي في المنطقة والتفاهم مع أميركا حول تقزيم دور إيران، يبدو حرص حزب الله على تشكيل الحكومة إطارا تفاوضيا وليس إعلان انتصار ونجاح في فرض الشروط.

الحكومة التي تشكلها روسيا هي حكومة إيرانية فاشلة سترى النور وهي محاصرة باستحالات عديدة تشلها وتمنعها من القيام بأي خطوات فاعلة، وهذا بالضبط ما تريده روسيا لها وما تشير إليه التنبيهات الأميركية في صددها.
 إنها حكومة المرحلة الانتقالية التي تشهد على ارتفاع وتيرة الحرب على إيران من خلال حكومة لا يمكن لحزب الله أن يديرها لصالحها، ولو كان مسيطرا عليها بل ستعمل الأطراف المشاركة فيها برعاية روسيا على تحويلها إلى حكومة تعويم النظام السوري والاعتراف به وإعادة وصل العلاقات معه.

 يحاول حزب الله أن تكون الأمور محل تفاوض في هذا الصدد، وأن يتحدث مع العالم من خلال المدخل الحكومي.

حرصه على الإمساك بوزارات معينة مثل وزارة الصحة يعكس وجود مآزق حادة في وسطه، كما يدل على عمق الانهيار الاقتصادي الإيراني، فمن ناحية أولى يحاول من خلال هذه الوزارة

تلعب أميركا مع إيران لعبة الخنق الاقتصادي، وتعمل روسيا على الاستفادة من الضغوطات الأميركية لفرض نفوذها الميداني على المنطقة ومن ضمنها لبنان

فرض معالجة العدد الكبير من جرحاه على حساب الوزارة ما سيخلق أزمة كبرى لناحية تأثير هذا الأمر على قدرة هذه الوزارة على تأمين الخدمات لباقي المواطنين ومن ضمنهم جمهوره، ومن ناحية ثانية يسعى إلى استخدام هذه الوزارة لإغراق الأسواق اللبنانية بالأدوية الإيرانية في محاولة لإنعاش الاقتصاد الإيراني المتعثر.

تلعب أميركا مع إيران لعبة الخنق الاقتصادي، وتعمل روسيا على الاستفادة من الضغوطات الأميركية لفرض نفوذها الميداني على المنطقة ومن ضمنها لبنان، الذي ستكون حكومته المنتظرة، إذا ما خرجت إلى النور، هي حكومة فشل إيران ونجاح المقاربة الروسية.

 ليس أمام إيران إذا ما أرادت تعطيل الخطة الروسية سوى التصعيد في مواجهة طرف يؤمن بمنهجية الأرض المحروقة. هكذا يمكن أن تتحول الحكومة اللبنانية التي تريدها إيران أن تنطق باسمها وأن تشكل عنوانا لنفوذها وحضورها إلى الحكومة الإيرانية المحروقة بنيران نفوذ يرسم حدود خرائطه بالمنظومات الصاروخية.