حكاية الانسحاب الأمريكي من سوريا

2019.01.03 | 22:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في السابع من نيسان/ أبريل 2017، بدأت حكاية التدخل الأمريكي الفِعليّ في الصراع الدائر في سوريا وذلك بإطلاق (59) صاروخاً من طراز توماهوك في أربع دقائق باتجاه قاعدة الشعيرات العسكرية في ريف حمص.

وحينها قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنّ " هذه الهجمات جاءت رداً على ما فعله الرئيس السوري بشار الأسد، واستخدم غاز الأعصاب لاستهداف المدنيين في خان شيخون، وإنّ من مصلحة الأمن القومي منع انتشار واستخدام السلاح الكيماوي"!

وهذا يعني أنّ أمريكا لا يهمها الذين استهدفوا بالضربات الكيماوية بقدر ما يهمها مصلحة أمنها القومي، وهذا تناقض كبير في الخطاب الرسمي الخارجي لواشنطن!

هذا يعني أنّ أمريكا لا يهمها الذين استهدفوا بالضربات الكيماوية بقدر ما يهمها مصلحة أمنها القومي، وهذا تناقض كبير في الخطاب الرسمي الخارجي لواشنطن!

التدخل العسكري الأمريكي في الصراع الدائر في سوريا كان لتحقيق العديد من الأهداف الاستراتجية وربما من أهمها ترتيب موطئ قدم في سوريا، وجعل حجة دعم بعض القوى العسكريّة ذريعة لتواجد فعّال في الأراضي السورية، ومنها فصائل المعارضة المسلحة التابعة للجيش السوري الحر، وقوات سوريا الديمقراطية.

الغاية الأبرز للتدخل الأمريكي هي صياغة "خرائط نفوذ سياسية جديدة"،  وكذلك الضغط بالطرق الدبلوماسية والميدانية على تركيا لزيادة عدد قواتها العاملة في سوريا بعد نجاحها الكبير في استعادة مناطقها الحدودية بالتنسيق مع المعارضة المسلحة المنضوية ضمن تحالف "درع الفرات".

منذ بداية التدخل الأمريكي في سوريا سعت الولايات المتحدة لدعم بعض القوى العسكرية ومنها "وحدات حماية الشعب الكردية" بالسلاح ضمن إطار مكافحة تنظيم "داعش"، وقد رتبت واشنطن لتحقيق هذا الهدف العديد من القواعد العسكرية في الداخل السوري، وربما من أبرزها القاعدة العسكريّة في ديريك، والتنف، وتل نمر، ومنبج، وتل سمن، والطبقة، والجلبية، وصباح الخير، وفي عين عيسى، وحرب عشق، وجبل مشتنور، وفي سيرين، والتي استخدمت لأغراض عسكرية ولوجستية واستخبارية.

الغاية الأهم للتدخل الأمريكي هي تثبيت مسمار جحا في الميدان السوري، ويمكن أن تجعل من هذا المسمار ورقة ضغط في المستقبل مع روسيا وإيران اللتان تلعبان دوراً كبيراً في الساحة السورية حالياً.

وبعد مرور أكثر من عام ونصف على التواجد الأمريكي في سوريا فاجأ الرئيس الأمريكيّ العالم قبل أيام بقرار الانسحاب من سوريا.

الانسحاب السري الأمريكي من سوريا باتجاه العراق – بحسب تأكيدات لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي- لم يكن دون تخطيط استراتيجي، وهو لتحقيق مصلحة أمريكية عليا، وليس لأيّ غرض آخر، وأول إشارة في الميدان كانت بتلميح حكومة بغداد بأنها" تدرس جميع الخيارات لحماية العراق من التهديدات على طول حدوده"!

بعض المحللين يرون أن "رغبة بعض الأطراف في بقاء القوات الأمريكية في شرق الشمال السوري من أجل مواجهة إيران هي رغبة عبثية وغير عملية، بل إن قرار الانسحاب كان صائباً من هذا الجانب لأنه سوف يؤدي إلى تخفيف التوتر ونزع فتيل المواجهة مع إيران، رغم أنه من جانب آخر سيؤدي إلى أزمة فراغ ينبغي تداركها قبل الانسحاب الفعلي"!

فمن الذي سيسدّ هذا الفراغ هل هي تركيا، أم قوات النظام، أم القوات الروسية؟

ومن الضروري هنا ذكر بعض التوصيات التي خلُص إليها تقرير مجموعة الأزمات الدولية، ومنها أن" قرار ترامب بالانسحاب من سوريا يؤدي إلى مخاطر الفوضى بسبب الفراغ الذي سيخلفه، لذلك من الضروري التوصل إلى اتفاق شامل برعاية أمريكية - روسية مع جميع الأطراف الموجودة على الأرض لمنع حدوث مثل هذه الفوضى، وهذا الاتفاق ينبغي أن يضمن تحقق النقاط التالية:

الغاية الأهم للتدخل الأمريكي هي تثبيت مسمار جحا في الميدان السوري، ويمكن أن تجعل من هذا المسمار ورقة ضغط في المستقبل

أولاً/ عودة السيادة للنظام السوري على جميع مناطق شرق الشمال السوري.

ثانياً/ نشر القوات النظامية للجيش السوري على طول الحدود التركية السورية لطمأنة تركيا.

ثالثا/ منح الأكراد نظام حكم محلي يتمتع بصلاحيات نوعية منها حق تشكيل قوات شرطة محلية لمنطقة الحكم الذاتي الكردية"!

وهذه الحلول جميعها تعيد القضية السورية إلى المربع الأول!

أظن أن واشنطن تسعى عبر هذا الانسحاب لترتيب أوراقها في المنطقة، ومن يقول إنها تريد الاستعداد للضربة الكبرى ضد إيران فهذا الكلام لا يوجد ما يشير إليه، بل إن واشنطن تريد التقليل من الضغوطات المالية الهائلة التي سببها التدخل في أماكن تراها ليست لها أولوية استراتيجية في سياساتها الخارجية ومنها سوريا!

وأيضاً تهدف واشنطن عبر الاتفاق مع موسكو لإعادة الأسد إلى الواجهة ثانية، مقابل الحصول على حصتها من القواعد العسكرية وغير ذلك من الثروات المتناثرة في عموم بلاد الشام، وهذه واحدة من التناقضات الكبرى في الادعاءات الأمريكية بحماية حقوق الإنسان في العالم!

حكاية الانسحاب الأمريكي من سوريا قد بدأت، لكن السؤال الأبرز ما هو السيناريو الحقيقي من وراء هذا الانسحاب؟

هذا ما ستكشفه الأيام القادمة المليئة بالأحداث الجسام في سوريا والمنطقة.