حديث "أبو المراديس" انتخابات سورية مع الذبح

2018.09.21 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يكثر، في أيام الانتخابات السورية، ذبحُ الخراف. لو كان للخراف لسان لخاطبت المرشحين قائلة: أنتم ستكونون أعضاء في مجلس الشعب، وستوافقون على ما يطلبه منكم أولو أمركم دون تردد أو تذمر أو مناقشة، وستعملون ما في وسعكم لإلحاق أكبر ضرر ممكن بالشعب، ولكن، نحن الخراف، شو ذنبنا حتى تذبحونا على الطالعة والنازلة؟

لا يقتصر ذبح الخراف، خلال المهرجانات الانتخابية، على المرشحين الذين ينجحون، فالذبح يبدأ مع بداية المنافسة، ولحوم الخراف الطرية المشوية اللذيذة يجب أن تُقَدَّمَ للناخبين تشجيعاً لهم على ترجيحهم انتخابَ فلان، "ذَبَّاحِ الخراف"، على غيره من المرشحين البخلاء المقصرين في واجبات الضيافة والقِرى. ولعل من أطرف ما رأيتُ في هذا المجال كاريكاتير لفناننا المبدع "علي فرزات"، وفيه مرشح يسحب ناخباً وراءه باتجاه الصندوق الانتخابي، والناخب يقول: ماااااع. 

الانتخابات السورية هي أم الأعاجيب ليس على مستوى المنطقة وحسب، بل على مستوى العالم

الانتخابات السورية هي أم الأعاجيب ليس على مستوى المنطقة وحسب، بل على مستوى العالم. فَمَنْ يريد أن يصبح عضواً في مجلس الشعب (أو نائباً أو سيناتوراً)، سيجد أمامه طريقين للنجاح لا ثالث لهما، الأول أن يكون بعثياً أو عضواً في أحد أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وفي هذه الحالة يجب أن يذهب إلى دمشق ويقدم الرِشا والولاءات لأعضاء القيادة القطرية وضباط المخابرات والمقربين من العائلة الحاكمة والسماسرة الذين يوصلون الصوتَ إلى أصحاب القرار لقاء مبلغ معين، ويعمل على تثبيت اسمه في "قائمة الجبهة"، بوصفها القائمة الوحيدة في العالم التي ينتخبها الأحياءُ والأموات والمراهقون والأطفال والخُدَّج والمقيمون في البلاد والمغتربون وحتى المعتقلون السياسيون الذين اعتقلوا بسبب رفضهم هذا النوعَ من العمل الانتخابي.. فإذا تمكنَ صاحبُنا من "دَحْش" اسمه في هذه القائمة السحرية يصبح في مقدوره أن يعود إلى بلده، وينشر البشائر، إن هَلْهَلتي هلهلنا لك، ويفتح أبواب مضافته على مصاريعها، ويأمر رجاله بتنفيذ المرحلة الثانية من ذبح الخراف وإطعام لحومها للناس عرفاناً منه للقيادة الحكيمة بفضلها عليه وعلى الشعب كله، ويأتي بالطبل والزمر ويعقد الدبيكة المناديل، ويجري استقبال المهنئين بنجاحه المبكر في الانتخابات التشريعية التي ستجري (بعد أيام) من تلقيه هذا الخبر المبهج! 

وأما الطريق الثاني لعضوية المجلس فهو أكثر وعورة وجهداً وتكلفة، ويتطلب من المرشح النجاح خارج قائمة الجبهة، حيث سيتنافس عددٌ كبير من التجار والصناعيين ومُلَّاك الأراضي وتجار السلاح وتجار المخدرات وبعثيون قدامى شغلوا مناصب كبيرة في الدولة ثم (حَلَقَتْ لهم القيادةُ على الزيرو) وأصبح لزاماً عليهم أن يقلعوا أشواكهم بأيديهم. 

يصعد المرشح لمقابلة أحد المتنفذين الكبار في العاصمة ويحصل منه على "ضوء أخضر"

في هذه الحالة، يجب أن يصعد المرشح لمقابلة أحد المتنفذين الكبار في العاصمة ويحصل منه على "ضوء أخضر"، بعد أن يدفع له المبلغ "المعلوم"، ثم يذهب لزيارة المسؤولين المتنفذين ضمن نطاق محافظته، ويبلغهم بحصوله على الضوء الأخضر من "المعلم فلان"، ويدفع لهم حصصهم دونما تقتير، وبعدها يهيئ له أتباعُه منصة خطابية وسط حشد من الجماهير الكادحة، ليخطب فيهم متحدثاً عن ضرورة التصدي للمسؤولية التاريخية في هذه المرحلة العصيبة من حياة أمتنا العربية، سيما وأن الجماهير الكادحة في هذا البلد المعطاء تحتاج مَنْ يمثلها ويدافع عن حقوقها في وجه الطبقات الطفيلة المرتبطة بالدوائر الصهيونية التي تعمل ليلَ نهار في مص دم الشعب.. وبعد هذا كله، عندما يختلي بحاشيته يفتح لهم خزانة نقوده، ويُطلق يدهم في الصرف والبذخ، ويعلمهم بأنه يريد أن يشتري الأخضر واليابس من الأصوات التي تكفي لإيصاله لعضوية مجلس الشعب وتزيد، فإذا سأله أحدُ خاصته عن سبب هذا الجنون المتمثل في الصرف والتبذير و"البعزقة"، يرد عليه قائلاً: 

- اسكت، اسكت، أنت لا تفهم، ولا تعرف ماذا يعني أن يكون المرء عضواً في مجلس الشعب لمدة أربع سنوات متواصلة.

يقول الرجل: معليشي معلم، خدني على قد عقلي، وقل لي، أيش يعني؟

فيقول إنه إذا كان الإنسان شاطراً ماهراً فهلوياً فإن أربع سنوات كافية لجمع ثروة تكفيه لما تبقى له في هذه الحياة، ولأولاده، ولأحفاده.. وإذا كان نبيهاً (زيادة) فإنه يرفع مبلغاً من المال يستخدمه في تمديد بقائه في المجلس أربع سنوات أخرى.. وكله، يا معلم، في حبك يهون!