جديد واشنطن في سوريا

2018.12.08 | 23:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يعكس كل هذا الحشد وهذه التعبئة السياسية والعسكرية الإقليمية والدولية في سوريا وبعد 8 سنوات من عمر الثورة، حقيقة أهمية وموقع البلاد في لعبة التوازنات في المنطقة والعالم.

سوريا نقطة تقاطع جغرافي لا يمكن تجاهل موقعها ودورها كمحور ربط وفصل بأكثر من اتجاه مع دول الجوار التركي والعراقي واللبناني والأردني والأطماع الإسرائيلية في الجنوب .

وسوريا أيضا لها مركزها وثقلها في قلب السياسة الأميركية العربية والإقليمية. خط مواجهة / التقاء مهم مع إيران وتركيا وروسيا وهو ربما ما حرك الإصرار الأميركي على البقاء في قلب المشهد السوري بكامل تفرعاته، إلى جانب أهميتها كنقطة اختبار او احتكاك إقليمي يتفاعل في التعامل مع الكثير من الملفات، قد يكون الملف الكردي بشقه السوري والإقليمي الأبرز فيها اليوم .

سوريا نقطة تقاطع جغرافي لا يمكن تجاهل موقعها ودورها كمحور ربط وفصل بأكثر من اتجاه مع دول الجوار التركي والعراقي واللبناني والأردني والأطماع الإسرائيلية في الجنوب

الإجماع على ضعف الموقف الأميركي في سوريا مع إدارة أوباما هو الذي دفع ترامب ساكن البيت الأبيض في الأشهر الأخيرة لتبني سياسة سورية جديدة تقطع الطريق على تفرد موسكو وطهران وأنقرة بالجلوس أمام طاولة التسويات الكبرى في سوريا .

واشنطن تحركت مؤخرا على أكثر من جبهة وبأكثر من اتجاه ومع العديد من الحلفاء والشركاء في الداخل والخارج يتقدمهم اللاعب الكردي المحلي والإسرائيلي الإقليمي .

لخص وزير الخارجية الأميركي الأسبق ريكس تليرسون العام المنصرم أسس سياسة الإدارة الأميركية الجديدة في سوريا بأنها ستقوم على :

القطيعة الكاملة مع سياسة الإدارة السابقة في البيت الأبيض المتناقضة والغامضة وفيها الكثير من الفوضى.

طرح الهدف الأول الجديد القائم على وجود أميركي في شرق سوريا إلى أجل غير مسمى لمواجهة النفوذ الإيراني ومنعه من إقامة ممره البري الذي يربط بين إيران ولبنان.

منع عودة ظهور تنظيمات متطرفة مثل الدولة الإسلامية والقاعدة، والوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية تنهي حكم عائلة الأسد.

وجود دبلوماسي وسياسي  لمساعدة أبناء المناطق التي تم طرد عناصر داعش منها، وتوفير الخدمات الأساسية فيها بالتعاون مع الدول الأعضاء في التحالف الدولي .

باختصار المشروع الأميركي الذي يتقدم في سوريا هو البقاء عسكريا وسياسيا وأمنيا هناك ريثما تحصل واشنطن على ما تريده من ناحية ولإثبات أنها لن تكون الطرف الضعيف في سوريا كما كانت حتى الأمس من ناحية ثانية ، ثم لطمأنة حلفائها المحليين أنها لن تتخلى عنهم وربما هي النقطة الثالثة الأكثر أهمية. وأميركا تقول إنها تعلمت الدرس من العراق وهي لن تسحب قواتها من سوريا قبل أن تستقر الأوضاع الأمنية والسياسية تماما .

أوراق واشنطن في سوريا كثيرة اليوم وهو ما يعرفه الجميع :

هناك سيطرة القوات الأميركية عبر حليفها الكردي على ربع مساحة سوريا وهي المناطق التي تتحكم بثروات الطاقة والأراضي الزراعية الخصبة .

وواشنطن قادرة على إشعال حالة من القلق والفوضى  وإحداث أزمات سياسية اقتصادية اجتماعية مرتبطة بملف اللجوء والهجرة الذي قد يكون بمقدورها  لعبه ضد الأوروبيين ودول الجوار السوري مثل لبنان والأردن وتركيا عند الضرورة .

واشنطن تكرر بين الحين والآخر أن التواجد العسكري الأميركي في سوريا من أهدافه إنشاء حلف قوي ضد النظام  لمنعه من استخدام الأسلحة الكيماوية . لكن المؤكد هو أن ما تسعى إليه قبل كل شيء هو إضعاف وتفكيك اللاعبين المحليين والإقليميين و إطالة أمد الصراع ؛ بانتظار أن تنضج "الطبخة" .

واشنطن وكما يبدو استطاعت في الآونة الأخيرة :

إضعاف أوراق أستانا وسوتشي التركية الروسية الإيرانية في سوريا .

دفع الأمور ليس نحو إعطائها ما تريده بل أن تأخذ هي ما تطمح إليه سياسيا وميدانيا هناك. 

الإعلان عن استعادتها لموقعها ودورها في سوريا. 

إفشال خطط التحالف الثلاثي باتجاه محاصرتها وتضييق الخناق عليها في سوريا. 

فرض جلوسها أمام طاولة نقاش مستقبل سوريا السياسي والدستوري والعرقي والصفقات الكبرى التي ستتم مع روسيا. 

وإبلاغ الكرملين أن الاستعجال في الملف السوري بدونها تحول إلى تسرع وأنه لا يمكن لأحد أن ينسى أو يتناسى أن أميركا ما زالت الدولة الأولى والأقوى في العالم .

واشنطن تحركت مؤخرا على أكثر من جبهة وبأكثر من اتجاه ومع العديد من الحلفاء والشركاء في الداخل والخارج يتقدمهم اللاعب الكردي المحلي والإسرائيلي الإقليمي

ومع ذلك فإدارة ترامب نفسها هي التي تعلن باستمرار تمسكها  باستئصال " داعش " من سوريا وعدم التفريط بعلاقتها مع المعارضة السورية المعتدلة لأنها ستحتاجها عند نقاش المرحلة السياسية والدستورية الانتقالية في البلاد .

إذا ما سألت الإيرانيين والأتراك والروس تحديدا فهم سيقولون لك أن سياسة واشنطن في سوريا فشلت وهي تتحمل المسؤولية الكبرى عن إيصال الأمور الأمنية والسياسية إلى ما هي عليه اليوم من انسداد وتوتر . لكن إذا ما سألت الرئيس ترامب فهو سيقول لك أنه لا يريد أن يمنح البعض الترويج للمثل  القائل " الصوت العالي من الطبل الأجوف " بل أن يطبق مقولته هو حول " سياسة الصوت العالي والعصا الكبيرة " . ما فعلته واشنطن كان تحريك القوات في شمال وشرق سوريا تحت ذريعة الحرب على الإرهاب حيث نجحت في تبرير أسباب نقلها كل هذا السلاح والعتاد والتدريبات لقوات سوريا الديمقراطية ، فقلبت الأمور لصالحها بعدما كان الجميع يردد أن من يملك السلاح في سوريا هو الذي سيحسم الأمور وأن واشنطن خسرت هذه الفرصة ولم يعد لها أي خيارات تجعلها مؤثرة هناك .

تعرف واشنطن جيدا استحالة إقناع أنقرة الالتحاق بمشروعها السوري عبر توحيد مناطق نفوذها هي ومناطق سيطرة القوات التركية لتصل النسبة إلى حوالي 40 بالمئة من مجمل الأراضي السورية لأن كلفة أي تفاهم ثنائي تركي أميركي من هذا النوع سيكون له ارتداداته السلبية الكبيرة على العلاقات التركية الروسية والتركية الإيرانية. 

السياسة الأميركية تتقدم في سوريا وهي تدرك إذن أن حسابات الربح والخسارة بين أنقرة وواشنطن متضاربة في شمال سوريا . فتركيا قلقة من مخطط الكيان الكردي على حدودها الجنوبية ، بينما تريد الولايات المتحدة من حليفها التركي تجميد التنسيق مع روسيا وإنهاء التقارب مع إيران .

المشكلة الأكثر خطورة والتي تحذر منها واشنطن بين الحين والآخر كخطر يهدد سوريا والسوريين  ويفجر صراعات داخلية أكبر لكننا لا نعرف آخر ما عند الإدارة الأميركية حوله ، هي استهداف  النسيج الاجتماعي والديني والفكري  بين مكونات الشعب السوري . ثم تدمير ما تبقى من البنية الاقتصادية ووسائل الإنتاج وإذابة روح حماية الدولة المركزية وانتماءاتها العربية والإسلامية .

بقي أن نشير إلى احتمال " هامشي ثانوي " ربما ، لكن لا بد من التوقف عنده وهو أن تكون إسرائيل أولا وآخرا في مركز السياسة الأميركية السورية الجديدة لذلك نرى واشنطن منشغلة بمواضيع لا علاقة لها بالمرحلة الانتقالية وتغيير النظام في سوريا لأن ذلك لن يكون في مصلحة تل أبيب في هذه الآونة . وأن البديل بالنسبة للبيت الأبيض هو مشروع التقسيم تحت ذريعة أن الجهود المبذولة وصلت إلى طريق مسدود في سوريا .

الجغرافيا السياسية كانت المُحرك الأول والأساسي وما تزال في خطط واشنطن السورية قبلَ الدخول في أي نقاش  دستوري أو أخلاقي أو ديمقراطي .