icon
التغطية الحية

ثمن باهظ يدفعه ذوو المعتقلين في سجون الأسد

2019.07.17 | 19:07 دمشق

ابتدع النظام ورقة الاستعلام عن مفقود تقدم إلى وزارة العدل أو وزارة المصالحة الوطنية (إنترنت)
تلفزيون سوريا - نور سعيد - دمشق
+A
حجم الخط
-A

سؤال واحد يتردد على مسامعك؛ من باب محكمة قضايا الإرهاب ووزارة العدل إلى وزارة المصالحة الوطنية، الشرطة العسكرية في القابون، القضاء العسكري، مكاتب المحامين، وأبواب الشيوخ والوجهاء، وعلى كل باب يبقى السؤال معلقاً (بعدو عايش؟ طلع من البيت وما رجع) (يا أمي: الله يخليك لأهلك بس أعرف وينو) وعلى الأبواب تروى القصص، يتبادل أهالي المعتقلين الهموم، رجالا ونساءً من جميع المدن السورية مختلفون بكل شيء ربما، ولكن وحدهم البحث عن (مصير ذويهم).

وكثيراً ما تقودهم الأبواب الموصدة إلى البحث عن مفاتيح لها مهما كان الثمن، فرغم التعديلات القانونية التي أدخلها النظام على المادة 17 من قانون أصول المحاكمات الجزائية مع بداية الثورة السورية بالمرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2011 والتي حددت مدة التحفظ على "الموقوفين" لدى الضابطة العدلية بـ 7 أيام قابلة للتجديد بإذن النائب العام على ألا تتجاوز الستين يوماً، إلا أن ذلك كان حبرا على ورق. 

 

محامون محتالون

الواقع العملي أثبت أن التعديل بقي حبراً على ورق، وقد ابتدع النظام لاحقاً ورقة الاستعلام عن مفقود يتم تقديمها إلى وزارة العدل أو وزارة المصالحة الوطنية، وهي طلب خطي يقدم من أحد ذوي المفقود إلى إحدى الوزارتين للاستعلام عن مصيره، على أن تتم الإجابة عن الطلب خلال 60 يوماً، وقد تقدمت أم نائل بطلب استعلام عن مصير ابنها أحمد في عام 2012 وانتظرت جواب العدل على طلبها وكان الأمل يقودها لمراجعة الوزارة كل 15 يوماً إلى أن جاءها الجواب بعد ثلاثة أشهر( غير موجود) وتقول لـ موقع تلفزيون سوريا "كنت بتمنى يقولي محبوس عنا، هيك بعرف أنو بعدو طيب، صرخ بوجهي الموظف وأنا عم أبكي وقلي ابنك عند الإرهابيين لو عنا كان بيَّن، غصيت وما حكيت شي خفت ضرو، ابني بأول 2012  كان نازل مع ابن عمو بالباص عالشام وعلى حاجز بحرستا أخذوه، وقالوا تشابه أسماء ساعة وبيطلع، ومن يومها ما خلينا باب وما دقينا.....".

ولأن قلب الأم لا يعرف الملل عادت وطرقت باب المحامين وطلب منها أحدهم مبلغ 200 ألف ليرة سورية ما يعادل 1000 دولار يومها دفعة أولى للسؤال عنه في الأفرع الأمنية ودراسة ملفه وتقدير كلفة إطلاق سراحه، وقامت بتأمين المبلغ له، وبعد عشرة أيام أخبرها المحامي بأن ابنها موقوف لدى فرع المنطقة (الفرع 227 أمن عسكري) وأن ملفه معقد وعليها دفع مليون ليرة سورية لأجل إطلاق سراحه، لتبدأ أم نائل مسيرة تأمين المبلغ المطلوب، باع نائل سيارة السوزوكي التي كان يعمل عليها، وجمعت من معارفها وأقاربها باقي المبلغ، ودفعته للمحامي الذي أبلغها بعد 10 أيام أنه وبسبب تأخرها في تأمين المبلغ قد أحيل ابنها إلى المحكمة الميدانية وأنه بحاجة إلى وقت إضافي لكي يتمكن من إطلاق سراحه، وبقيت الأيام تمضي وكل يوم خبر جديد وانتظار آخر، وبعد أشهر عندما أخبرها المحامي أن قضية ابنها قد تعقدت وأنه لا يستطيع إطلاق سراحه، بدأت معاناة جديدة في محاولة استعادة المبلغ الذي كان قد قبضه سلفاً، ورفض إعادة أكثر من ثلاثمئة ألف بحجة أنه قد دفع المبلغ في التقصي والسؤال، وبعدها اختفى المحامي وعلمت بعد فترة أنه قد سافر بعد أن جمع مبالغ طائلة من ذوي المعتقلين، ليقفل هذا لباب وتبدأ البحث عن باب آخر وتبدأ قضايا ابتزاز جديدة.

واليوم وبعد مرور سبع سنوات على اختفاء ابنها، تكتفي أم نائل بالانتظار والدعاء بعد أن استنزفت كل ما تملك من نقود ومن قدرة على الاحتمال، وحده الأمل الذي ترفض التنازل عنه يبقيها على قيد الحياة.

 

محكمة الإرهاب

في حين بقي مصير أحمد مجهولاً، إلا أن برهان الذي اعتقل في إحدى مظاهرات جامعة حلب في عام 2012 أحيل بعد ثمانية أشهر من الاعتقال إلى محكمة قضايا الإرهاب والتي أحدثها النظام بالقانون رقم 22 لعام 2012 وهي محكمة استثنائية، ولا تخضع للإجراءات والأصول المقررة في القوانين النافذة في جميع أدوار الملاحقة والمحاكمة باستثناء حق الدفاع بحسب نص المادة 7 من قانون إحداثها.

وقد أطلق سراحه بعد أن اعتقل خمس سنوات بجرم تمويل الأعمال الإرهابية، ويقول برهان لـ موقع تلفزيون سوريا، "بعد خمس سنين طلعت ما لقيت حدا يقول الحمد الله ع السلامة، اليوم بعزي حالي وبقول راح يجي يوم أحسن وتضحياتنا ما بتروح هيك، أنا راح من عمري خمس سنين، وخسرت دراستي، وأنا اللي طلعت من القامشلي ع حلب لحقق حلمي وصير دكتور بالاقتصاد، ما بعرف إذا مليح أني صمدت ثماني شهور تحت التعذيب، ولو كنت أعرف أهلي كيف كانوا عايشين بعد ما توقفت كنت أكيد متت تحت التعذيب، بالفرع كنا ناطرين بكرا، كل ما توقف حدا جديد معنا كنا نسألوا شو صار مطول ليسقط النظام؟ باللحظات اللي كان يخف فيها وجع التعذيب، كنت فكر بأمي، وبأخي، وبخواتي، وكنت قول مستحيل يضعفوا لازم يرفعوا راسهم لأني موقوف وبكرا بطلع، وكنت أنا خاف عليهم من البطش والقتل".

ويتابع"وما تخيلت أن الحياة تغيرت بعد ما اعتقلت، ولا تخيلت أمي المريضة عم تنام بالعتبة وتنطرني لأني بردان بالحبس، كنت شوف تجار مخدرات وسراقين وتجار سلاح عم يطلعوا من الفرع وأنا بعدني موقوف، ما كنت متخيل أختي تتزوج من شيخ أكبر منها ب30 سنة لأن وعدها يطلعني إذا بتتزوجه، ولا توقعت تموت أمي من البرد وهي ناطرتني عباب البيت، بأول زيارة بعد سنة من توقيفي كان أخي عم يبكي، قلي عم يبكي لأنهم كانوا مفكرين أن متت، وما صدق يشوفني، سألته عن أمي وعن خواتي، كان بعدو عم يبكي وقلي أنهم بخير بس الطريق صعب وزادت الدموع بعينه،  كان بدي أمل وصدقت أن الكل بخير، بس كنت عم أبكي قهر، وما عرفت أنه أخي صار مديون بس ليدفع للسماسرة والمحامين ثمن خبر عني، وثمن حريتي، اتشردت عيلتي وضعنا، وأنا ابن الفقر اتهموني تمويل إرهاب".

بعد ثماني سنوات، تقدّر أعداد المعتقلين الموقوفين لصالح محكمة قضايا الإرهاب وحدها بنحو عشرات الآلاف، بالإضافة إلى عشرات آلاف المختفين قسرياً، الذين لا يعرف مصيرهم، وإذا كانت الظروف التي يتعرض لها المعتقلون في السجون والأفرع الأمنية بالغة الخطورة، إلا أن معاناة أهاليهم لا تقل قسوة عنها.

 

كلمات مفتاحية