توطين نفوذ إيران داخل جيش الأسد

2018.09.04 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

النفوذ الإيراني في سوريا ليس جديداً كما هو معلوم، لكنّه تسارع بشكل غير مسبوق في التاريخ السوري في عهد الأسد الابن. إبان الثورة السورية، قامت طهران بدعم نظام الأسد حفاظاً على مصالحا وحماية لأمنها القومي، خوفاً من أن يؤدي انهيار النظام إلى دومينو يصل مداه إلى إيران نفسها. ولهذا السبب بالتحديد، كثّف نظام الملالي من دعمه العسكري والسياسي والمالي، لكن سرعان ما تخطّى هذا الدعم قدرات بشار الأسد نفسه على تسديده، مما دفع النظام الإيراني إلى الاستحواذ بنفسه على المزيد من الموارد السورية.

عشرات المليارات من الدولارات دفعتها طهران خلال السنوات السبع الماضية، لكنّها استولت في المقابل على قرار النظام السوري وعلى أجهزة الدولة، وبنت لها جيوشا رديفة من الميليشيات الطائفية هناك، ووضعت يدها على قطاعات اقتصادية حيوية من خلال اتفاقيات فرضتها على نظام الأسد، وعلى أراضي ومناطق ومنازل السوريين.

فضلاً عن ذلك، عمدت طهران إلى عملية تغيير ديمغرافي لمناطق جغرافية ذات طبيعية حيوية واستراتيجية بالنسبة لها، وعززت من بعض مستوطناتها المتواجدة على مساحة سوريا باستقدام المزيد من الميليشيات الشيعية من بلدان مختلفة للاستيطان مع منحهم وثائق سورية على مدى السنوات القليلة الماضية.

مؤخراً، أخذ النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا يشكّل عبئاً سياسياً على الأسد ونظامه لاسيما في وقت أصبح يبحث فيه عن تجديد شرعية إقليمية ودولية له

مؤخراً، أخذ النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا يشكّل عبئاً سياسياً على الأسد ونظامه لاسيما في وقت أصبح يبحث فيه عن تجديد شرعية إقليمية ودولية له بعد سيطرته على المزيد من الأراضي داخل البلاد. معظم هذه الدول المشار إليها تريد خروج إيران من سوريا، ولا ينطبق ذلك الضرورة على دول مثل إسرائيل وأمريكا فقط، وإنما على دول أخرى ترى في النفوذ الإيراني المتزايد هناك منافساً خطيراً لها.

ومع تحوّل شكل الصراع في العامين الماضيين داخل سوريا وعليها، أخذت اهتمامات اللاعبين تتنوّع وتركّز على الطابع المستقبلي للصراع في محاولة للحفاظ قدر المستطاع على النفوذ ومحاولة التأثير على توجهات سوريا وربما نظامها السياسي مستقبلاً. في هذا السياق، لطالما تحدثت العديد من التقارير مؤخراً عن اهتمام موسكو بالجيش السوري كركيزة للنفوذ الروسي مستقبلاً، مشيرة إلى نيّتها إعادة بنائه بما يخدم هذا الهدف.

في المقابل، ظل اهتمام إيران بالميليشيات الشيعية غير النظامية -المحليّة وغير السورية على حد سواء- أولوية لها فيما يتعلق بنفوذها العسكري المستقبلي في البلاد. لكن ونظراً لتزايد الاعتراضات الإقليمية والدولية مؤخراً على دور ومناطق انتشار هذه الميليشيات داخل سوريا، يحاول النظام الإيراني الاستثمار كذلك في جيش الأسد على ما يبدو.

وتعدّ زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى سوريا الشهر الماضي إحدى أهم المؤشرات على هذا التوجه. خلال هذه الزيارة، عقد وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، محادثات مع الرئيس بشار الأسد ومسؤولين عسكريين كبار، وشدد على أهمية لعب إيران دوراً أكبر في عملية إعادة الإعمار، وقام بالتوقيع مع نظيره السوري على اتفاقية تعاون عسكري "اتفاقية دفاعية وتقنية".

تضمّن الاتفاق عدّة نقاط مثيرة للاهتمام، لعل أهمّها وفقاً للمعلومات التي أدلى بها الملحق العسكري الإيراني في سوريا أبو القاسم علي نجاد، هي: استمرار المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا، وتقديم إيران المساعدة لسوريا في مجال إعادة بناء مصانع وزارة الدفاع السورية التي تضررت خلال الحرب. اللافت للانتباه ايضاً، أنّ الاتفاق دخل حيّز التنفيذ مباشرة فور توقيعه وفقاً لكلام الملحق العسكري الإيراني.

ستتيح مثل هذه الخطوة إعطاء الشرعية القانونية المطلوبة لبقاء الإيرانيين في سوريا لأمد غير معلوم وبشكل يمكنها من مقاومة مطالبة الدول الأخرى بخروجها من سوريا

هذه الجزئية بالتحديد -أي دخول الاتفاقية حيز النفاذ دون مرورها على أي من مؤسسات وأجهزة البلدين-، تعكس الحاجة الملّحة والضرورية للجانب الإيراني في الإسراع من عملية توطين نفوذها داخل الجيش السوري في المرحلة القادمة. ستتيح مثل هذه الخطوة إعطاء الشرعية القانونية المطلوبة لبقاء الإيرانيين في سوريا لأمد غير معلوم وبشكل يمكنها من مقاومة مطالبة الدول الأخرى بخروجها من سوريا.

ثمة ما يشير كذلك إلى إمكانية أن تستخدم إيران جيش الأسد بشكل أوسع لإدماج ميليشياتها تكتيكيا حيثما تطلّب الأمر ذلك. في حقيقة الأمر، لقد قامت إيران بذلك مؤخراً عندما تسربت معلومات تؤكّد أنّ عناصر من ميليشيات حزب الله التابعة لإيران انخرطت في عمليات عسكرية وهي ترتدي زي الجيش السوري تجنّبا لإمكانية استهدافها.

لا يساعد مثل هذا الأمر طهران في زيادة نفوذها داخل جيش الأسد فقط، وإنما يقطع الطريق أمام روسيا لكي لا تتفرد وحدها في رسم دور الجيش السوري مستقبلاً، وتتيح لها أيضاً اللعب على توازنات مختلفة بين التابعين لها داخل المنظومة الأوسع التي تنشئها في سوريا سياسيا واقتصاديا وعسكريا. يسمح ذلك لنظام الملالي التحكّم بشكل أفضل بهؤلاء التابعين من جهة، ويضمن أيضا عدم قيام الأسد باستخدام إيران لتحقيق توازنات إقليمية ودولية لا سيما مع محاولة الأسد استمالة روسيا وإسرائيل مؤخراً.