تهديداتُ دمشق لأكراد سوريا.. حربٌ بدون سلاح

2018.07.27 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

باتت مساحة الاقتتال في الدّاخل السّوري الذي يقودهُ النظام ضد مُسلّحي المعارضة تتقلّص رويداً رويداً، مقابل احتمال إشعال حربٍ أخرى في مناطق شمال وشمال شرقي البلاد لطالما تحاشى الأسد إشغال جيشهِ بها على حسابِ معاركٍ يعتبرها الأهم للحفاظ على هيبة السّلطة.

بعد نجاح النّظام السّوري بدعمٍ مُباشر من روسيا- الحليف الأبرز له- في القضاء على آخرِ تواجدٍ لكتائب المعارضة ومسلحي تنظيم داعش في دمشق وضواحيها، بما فيها مناطق الجنوب السوري،

رغبة دمشق في بسطِ نفوذها على كامل الجغرافية السّوريّة، باتت واضحةً بعد التهديدات الأخيرة لرئيس النظام بإخراج مقاتلي (قسد) من مناطق شرقي الفرات.

باتت الأبواب مُشْرَعة أمام الأسد لاستعادة باقي المناطق الخارجة عن سيطرته منذ 2011 الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية والتي يعتبرها البعض أنها مناطق مُنِحت للكُرد برسم الأمانة وحان موعد استردادها.

رغبة دمشق في بسطِ نفوذها على كامل الجغرافية السّوريّة، باتت واضحةً بعد التهديدات الأخيرة لرئيس النظام بإخراج مقاتلي (قسد) من مناطق شرقي الفرات، تلك التهديدات وإن كانت بطلبٍ روسي، تحمل رسائل تحذيرية مزدوجة إلى واشنطن وبعض دول الخليج وعلى رأسها السعودية التي يبدو أنها ترغب بدعم قوّاتٍ كرديّة عربيّة مشتركة في مثلَّث الحدود السوريّة العراقيّة التركيّة بإيعازٍ مباشر من أميركا التي تُخطّط لإقامة كيانات كردية وعربية عشائرية في تلك المناطق تكون خارجة عن سلطة الأسد.

لكن تهديدات النظام المنتشي بانتصاراته على المعارضة وداعش في كامل العاصمة، لم تكن هذه المرة بأقسى وأشد صرامة عما سبقتها في خريف 2017 ومثلها في 2016، بعدما وَصَفَ مقاتلي (قسد) المدعومة من واشنطن بـ «الإرهابيين» متوعّداً إياها وقتذاك بحربٍ لن تنتهي إلا بوضع تلك المناطق التي تضم 90% من إنتاج النفط، و45% من إنتاج الغاز السوري تحت سيادة الدولة السّوريّة.

الولايات المتحدة أيضاً لم تلتزم الصمت، فهدّدت- وإن كان بشكلٍ ضبابي- باستخدام القوة المناسبة للدفاع عن القوات الأميركية والقوات الشريكة لها في حربها ضد داعش، حال تعرّضها لأي هجومٍ من جانب أية جهة، وهو ما حصل مؤخّراً في ريف البوكمال عندما لقي أكثر من /30/ جندياً وضابطاً للنظام مصرعهم في قصفٍ للتحالف عند محاولتهم العبور إلى مناطق (قسد) في الضفة الشرقية لنهر الفرات.

رغم ذلك، تبقى تلك التهديدات حرباً إعلاميّة ليس أكثر، لا يُستبعد وقوع صِدامٍ بين الطرفين نهاية المطاف، صِدامٌ مرهونٌ بمدى توافق أو اختلاف الرؤى السياسية والاستراتيجية بين حليفيهما (أميركا وروسيا) الأول بدعم القوات الديمقراطية لضمان استقرار مناطق شرقي الفرات وبالتالي تحقيق وجودٍ آمنٍ له في العراق، والثاني يستميت في دعم الأسد بغية استعادة السيطرة على المنطقة الشرقية من البلاد، وبالتالي يضمن الحليفان وجودهما في المنطقة، ما سيزيد من قوتهما سياسياً وعسكرياً على الساحة الدولية.

التصعيد الروسي بلسانٍ سوري ضد حلفاء واشنطن في مناطق يعتبرها الأخير من حصّته، جاء تزامناً مع تطوراتٍ مُهمّة في الجبهة الجنوبية من البلاد توِّجَت بالسيطرة على مناطق المعارضة في درعا التي كانت تخضع لاتفاق تهدئة خاص، تم التوصل إليه بعد تفاهم أميركي- روسي يوليو/تموز عام 2017.

بتلك الانتصارات التي حققتها (روسيا ودمشق) على المعارضة، يبدو أن التّخوّفات من مُخططٍ أميركي وشيك بإقامة ثلاثة كيانات ضمن الجغرافية السّوريّة، باتت تتلاشى، بخاصة بعد أن أدارت الولايات المتحدة ظهرها لمسلحي المعارضة في الجنوب السوري وتركتهم فريسةً سهلة المنال أمام هجوم جيش النظام والميليشيات المساندة لها.  

في نهاية الأمر، ستكون قوات سوريا الديمقراطية- الذي يُشكّل الكُرد النسبة الأكبر- أمام امتحانٍ هو الأصعب على الإطلاق لمواجهة تهديدات النظام الذي يهدف إلى وأد مشروع الكُرد في تأسيس نوعٍ من الاستقلال والحكم المحلي للمناطق ذات الغالبية الكردية، إلى جانب وجود احتمالٍ بفقدان (قسد) نفوذها في الرقة، إذ تدل كل المؤشرات أن وجهة النظام السوري المُقبلة هي هذه المدينة التي نجح في الآونة الأخيرة في تأليب أبنائها ضد الوجود الكُردي المُتمثّل بوحدات حماية الشعب العمود الفقري للقوات الديمقراطية.

أمام كل الاحتمالات المفتوحة، ربما سيكون الخاسر الأكبر فيها هم الكُرد، استناداً لأمرين اثنين، الأول وجود توافقٍ إقليمي على عدم السماح لهم بإقامة دولة أو إقليم فيدرالي على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا، والآخر هو موقف حليفهم الأميركي الذي يستمر في استخدامهم (أي الكُرد) كأداة لتحقيق مصالحه،

يبدو أن الحل العسكري الذي يلوّح به النظام لإخراج الكُرد من المعادلة السياسية، سيتسبّب بخلق مزيدٍ من التعقيدات في المشهد السّوري، في حين يبقى أمام الكُرد إدراك اللعبة السياسية ومصالح داعميهم، لاختيار الحل الأنسب لهم.

ومنها تحجيم إيران في مناطق شرقي سوريا، والذي ربما سيصمت تماماً عندما يرى توافقاً إقليمياً ضدهم، كما حدث في تجربة الكرد في العراق، فسياسة أميركا تتغيّر حسب المعطيات، ودائماً ما تريد تقوية وجودها في أية منطقة تتعرّض لحرب، أما مسألة انسحابها أو بقائها في سوريا،  فما زالت مُبهمة.

في المجمل، يبدو أن الحل العسكري الذي يلوّح به النظام لإخراج الكُرد من المعادلة السياسية، سيتسبّب بخلق مزيدٍ من التعقيدات في المشهد السّوري، في حين يبقى أمام الكُرد إدراك اللعبة السياسية ومصالح داعميهم، لاختيار الحل الأنسب لهم، وهو إما الحصول على ضماناتٍ حقيقية من حليفهم الأميركي، وهو مُستبعد بخاصة بعد الاستغناء عنهم إبّان خسارتهم عفرين، وفيما بعد الاتفاق مع تركيا على انسحاب مقاتليهم من منبج ومناطق أخرى في المستقبل، أو التفاوض بشكلٍ صريح مع دمشق دون مواربة أو تهرّب، لأن مواجهة النظام بغياب حليفٍ قوي، ستكلّفهم أثماناً باهظة سَبق ودفعه الجزء الأكبر من الشعب السّوري قبل الكُرد على مدى الأعوام السبعة الماضية.