تفاهم إسرائيلي روسي محدث في سوريا

2019.03.01 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قال هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق والمفكر السياسي البارز ذات مرة أن إسرائيل لا تملك سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط. هذا صحيح طبعاً، فيما يتعلق بالسياسة الإسرائيلية بشكل عام، ورأينا دليلاً عليه في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو اللافتة لروسيا الأربعاء الماضي.

الزيارة كانت مقررة قبل عشرة أيام أي في 21 من شباط فبراير الماضي، وتم تأجيلها لانشغال نتنياهو بالتحضير للانتخابات العامة المبكرة، وبلورة التحالفات ورصّ صفوف اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يقوده لضمان الفوز بها، ومع التأجيل أو بدونه فقد كانت الزيارة إلى روسيا جزء من جولات خارجية لنتنياهو شملت عمان والهند، ويتم الحديث عن  زيارة دولة عربية أخرى خلال مارس الجاري لاستثمارها في الانتخابات، وتقديم نفسه كمن يحقق إنجازات سياسية ودبلوماسية لافتة ولا يأخذ الدولة العبرية للعزلة والقطيعة كما كانت تتهمه المعارضة، خلال السنوات الماضية، إضافة طبعاً إلى استغلالها في مواجهة التحقيقات ضده، بتهم الفساد، واستغلال السلطة، والزعم أنه لا يكل ولا يمل من أجل مصلحة الدولة العبرية، بينما تقوم النياية والشرطة – والإعلام - بحياكة الملفات والتهم ضده.

بشكل عام تندرج زيارة روسيا ضمن هذا السياق، أي تحقيق فوائد حزبية وانتخابية لنتنياهو، على أعتاب الانتخابات، إلا أنها تتضمن كذلك بعدا ثنائيا آخر يتعلق بتفاهمات الاحتلالين الروسي والإسرائيلي في سوريا، والتطورات والمستجدات الأخيرة بعد إسقاط الطائرة الروسية في أيلول/ سبتمبر الماضي، والقرار الأمريكي بالانسحاب في كانون أول/ ديسمبر، ثم مؤتمر وارسو للسلام والأمن في المنطقة الذي عقد كانون الثاني يناير الماضي وقاطعته روسيا باعتباره موجة ضدها، إلى هذا الحدّ أو ذاك، وهي استضافت في نفس الوقت مؤتمرا للفصائل الفلسطينية للردّ على طريقتها دون تحقيق نتائج جدية، الأمر الذي لم تبحث عنه أصلاً - مع استبعاد ملف المصالحة المصيري والمركزي - وهي اكتفت بحصولها على الصورة بترتيب مع محمود عباس، الذي بحث أيضاً عن الصورة ذاتها حتى بثمن انفضاض المؤتمر دون نتيجة.

إذن على هذه القاعدة سافر نتنياهو إلى موسكو للقاء بوتين، حيث جرى التأكيد على التفاهمات السابقة في سوريا، مع تحديث لافت ومهم جداً يتعلق بالعمل سوية، وحتى تشكيل فريق مشترك للتنسيق من أجل العمل على إخراج القوات الأجنبية منها.

زيارة موسكو أدرجت على الأجندة في شهر الانتخابات، كما أسلفنا وبعد مؤتمر وارسو مباشرة في رسالة من نتنياهو للقول أنه ضد إيران وليس روسيا، وأنه ليس بوارد الاصطفاف ضدها تماماً كما فعل في أوكرانيا أما الموقف من الأزمة الفنزويلية فمختلف، وجاء مراعاة للضغوط الأمريكية دون نية إسرائيلية للانخراط الجدّي فيها.

الزيارة تم ترتيبها كذلك بعد جولة من الاتصالات شملت حضور مسؤولين روس كبار سياسيين وعسكريين إلى تل أبيب، حيث جرى التأكيد في لقاءاتهم مع نظرائهم الإسرائيليين على ثوابت العلاقة وأهميتها، كما قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجى ريابكوف الذى اعتبر أمن إسرائيل أولوية لدى بلاده، التي لا تتحالف مع إيران في سوريا.

إذن على هذه القاعدة سافر نتنياهو إلى موسكو للقاء بوتين، حيث جرى التأكيد على التفاهمات السابقة في سوريا، مع تحديث لافت ومهم جداً يتعلق بالعمل سوية، وحتى تشكيل فريق مشترك للتنسيق من أجل العمل على إخراج القوات الأجنبية منها.

للتذكير، فإن التفاهمات السابقة التي تم التأكيد عليها مرة أخرى تتحدث عن عدم تدخل إسرائيل في مجريات الأحداث في سوريا، والموافقة على بقاء نظام بشار الأسد وعدم التشويش على السياسة التي تضعها روسيا بصفتها القوة القائمة بالاحتلال أو ربّ البيت، كما يقال في الإعلام الإسرائيلي، مع قبولها - أي روسيا - بحرية عمل الاحتلال الإسرائيلي ضد ما يوصف بتموضع الاحتلال الإيراني في سوريا، والتموضع مقصود به الوجود الدائم بالمعنى العسكري والأمني، وليس الاقتصادي أو المذهبي والثقافي. -الأمر المتروك لموسكو وإرادتها - وفي هذا الصدد أدلى مسؤول إسرائيلي رفيع بإحاطة لوسائل الإعلام الإسرائيلية الأربعاء أشار فيها إلى تفهم روسيا للحاجات الأمنية للدولة العبرية، وأن لا قيود روسية على العمليات الإسرائيلية في سوريا، كما تحدث عن تجاوز قصة سقوط الطائرة التي باتت خلفنا حسب تعبيره، وعن فتح الروس للملف ولكن بغرض إقفاله بينما لم يتم أبداً طرح مطلب التعويض لذوي القتلى الروس.

أما الجديد كما أسلفنا فتمثّل بالتوافق على إخراج القوات الأجنبية، وتشكيل فريق مشترك لهذا الغرض بمشاركة أطراف أخرى دون الإشارة إليها أو تحديد هويتها، علماً أن المسؤول الإسرائيلي الرفيع أشار تحديداً في إحاطته إلى التعاون والتنسيق لإخراج القوات الإيرانية من سوريا.

أعتقد أن الأطراف الأخرى ربما تتمثل بأمريكا –التى ستدعم الفكرة فى كل الأحوال- وبعض حلفائها العرب الأردن على أغلب الظن كونه المتضرر من وجود إيران وميليشاتها على حدوده. من هنا يمكن تفسير الاندفاعة وحتى الحميمية الروسية الأخيرة تجاه تل أبيب بالرغبة في الحفاظ على جسر، أو وسيط مع واشنطن تجاه الملف السوري بشكل خاص، والملفات الخلافية الأخرى بشكل عام، حيث أن موسكو المستنزفة المتورطة المنهكة اقتصادياً على عكس ما يقول الحشد الشعبي الإعلامي الروسي وأبواق نظام الأسد؛ تتبنى أيضاً كما الأنظمة العربية الفاشلة قاعدة أن الطريق إلى واشنطن تمر بتل أبيب.

أعتقد أن الأطراف الأخرى ربما تتمثل بأمريكا –التى ستدعم الفكرة فى كل الأحوال- وبعض حلفائها العرب الأردن على أغلب الظن كونه المتضرر من وجود إيران وميليشاتها على حدوده. من هنا يمكن تفسير الاندفاعة وحتى الحميمية الروسية الأخيرة تجاه تل أبيب

في السياق الروسي الإيراني ثمة توترات غير خافية عن العين، وعلى سبيل المثال لا الحصر تكمن الإشارة إلى الاشتباكات بين أجهزة النظام التابعين للاحتلالين في ريف حماة، كما تسريب روسيا الصورة المهينة للأسد في قاعدة حميميم للرد على تطاوله على الرئيس التركي ومحاولته دقّ إسفين بينهما، كما للإيحاء باستعداد موسكو للتخلص منه بعدما تحوّل إلى عبء على الاحتلال والمصالح الروسية، وعقبة أمام التقدم نحو حل سياسي يخرجها من الوحول السورية.

من هنا لا يبدو غريباً أن تستعين موسكو بتل أبيب، وتغض طرفها وطرف منظوماتها الصاروخية عن الغارات والهجمات الإسرائيلية ضد التموضع الإيراني، مع رفع مستوى التفاهم والتنسيق حول كيفية إخراج إيران من سوريا، تحت لافتة أو ستار إخراج القوات الأجنبية كلها.

ربما تسعى روسيا إلى إغراء أمريكا واستدراجها للتعاون والتنسيق معها، فيما يتعلق بانسحابها هي من شرق الفرات، واعتباره جزءا أو مقدمة لانسحاب القوات الأجنبية بما فيها الإيرانية، وربما تسعى لتهديد طهران واستخدام الورقة الإسرائيلية لتخويفها ودفعها للانصياع، وعدم الخروج عن الخطوط والمحددات المرسومة روسياً، غير أن الخطوة تحمل في طياتها بعدا سياسيا واضحا، وهنا مكمن الخطر فيها الذي سيتيح حضور تل أبيب في الحوارات والنقاشات السياسية حول الواقع الحالي فى سوريا وكيفية الخروج منه، بعدما اقتصر حضورها على البعد الأمني المتعلق بمواجهة التموضع الإيراني بإطاره الاستراتيجي.

ربما تسعى روسيا إلى إغراء أمريكا واستدراجها للتعاون والتنسيق معها، فيما يتعلق بانسحابها هي من شرق الفرات، واعتباره جزءا أو مقدمة لانسحاب القوات الأجنبية بما فيها الإيرانية

عموماً واضح أن الزيارة طوت حادثة الطائرة الروسية، وأعادت التأكيد على التفاهمات الإسرائيلة الروسية السابقة مع تحديثها باتجاه العمل والتنسيق من أجل إخراج القوات الأجنبية، وهنا لابد من التأكيد طبعاً على أن إسرائيل هي قوة احتلال، ولا أفضلية أخلاقية أو سياسية لاحتلال على آخر فى سوريا، والحل كان وما زال متمثلاً برفع موسكو يدها عن النظام والتنسيق الأمين والنزيه مع الصديق الوحيد للشعب السورى ممثلاً بالجار الشقيق تركيا، من أجل العودة إلى عملية جنيف نصاً وروحاً، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وتمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بنفسه، ما يعني حكماً خروج القوات الأجنبية المحتلة التي جلبها النظام غير الشرعي، لتشويه وقمع الثورة كما خلط الأوراق ومنع أو تأخير سقوطه "الحتمي" لأطول مدى زمني ممكن.