تعطيل تشكيل لجنة صياغة الدستور...والمستفيد الأكبر

2018.11.23 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ما تزال سلال الوسيط الدولي لمفاوضات السلام في سوريا ستيفان ديمستورا فارغة الوفاض، ولم يُنجَز منها ما يشي بتقدمٍ حقيقيٍ في حلّ الصراع السوري. وتشكّل سلّة " صياغة الدستور " مرتكزاً رئيسياً لحلّ هذا الصراع بإشراف دولي وفق القرار 2254. وقد تمّ الاتفاق على تشكيل اللجنة الخاصة بصياغة الدستور في مؤتمر سوتشي، الذي دعت إليه روسيا تحت مسمى "مؤتمر الحوار السوري – السوري "، والذي قاطعته المعارضة السورية آنذاك. ويعتبر تشكيل لجنة صياغة الدستور من مخرجات هذا المؤتمر.

تتشكل لجنة صياغة الدستور المكونة من ثلاثة وفود متساوية العدد مجموع أعضائها (150) عضواً، ثلثهم يسميهم النظام، وثلث تسميه المعارضة، وثلث تحدده الأمم المتحدة من فعاليات المجتمع المدني المستقلة. النظام الأسدي وبعد لقاءٍ مباشر بين وزير خارجيته وليد المعلم مع الوسيط الدولي ستيفان ديمستورا أعلن على لسان المعلم " أن سوريا وروسيا اتفقتا في الآونة الأخيرة على أن القائمة الثالثة ينبغي أن تقررها سوريا وروسيا وتركيا وإيران أي أطراف " أستانا ".

هذا الموقف دفع ديمستورا إلى القول" إن وليد المعلم لم يقبل بأي دورٍ للأمم المتحدة في تحديد أو اختيار القائمة الثالثة.

هذا التعطيل لعمل الوسيط الدولي، ولتنفيذ تعهداتٍ روسيةٍ للأمم المتحدة بضمان عمل لجنة صياغة الدستور، وفق قاعدة تشكيلها المتفق عليها، هو هروب حقيقي من استحقاق دولي بتنفيذ القرار 2254، وهو تعطيل متقصَد غايته منع الأمم المتحدة من رعاية مفاوضات جنيف بشأن الحل في سورية ومنعها من قيامها بهذا الدور الهام . وهذا يعني محاولة فرض الرؤية الروسية لحلّ الصراع السوري، بما يضمن إعادة تأهيل النظام الأسدي، وتوزيع حصص الكعكة السورية من قبل الروس، الذين يريدون الاحتفاظ بالحصّة الأكبر.

هذا التعطيل دفع الأمين العام للأمم المتحدة " أنطونيو غوتيريس" عبر تصريح خصّ به طلال الحاج مراسل قناة العربية، حيث قال غوتيريس " إن الأمم المتحدة ستُنهي إشرافها على العملية السياسية في سوريا، وتترك الملف برمّته لروسيا، في حال لم تسمح الحكومة السورية لديمستورا بتشكيل المجموعة الثالثة من اللجنة الدستورية ".

تصريح غوتيريس يعني تحميل روسيا مسؤولية تعطيل تشكيل لجنة صياغة الدستور، التي تمّ الاتفاق عليها في مؤتمر سوتشي، فالروس هم أصحاب القرار السياسي في ظروف النظام الأسدي الحالية. أي أن النظام الأسدي لا يملك حق الرفض أو القبول في حضرة وجود النفوذ الروسي العسكري والسياسي والديبلوماسي الكبير، والذي منع سقوط هذا النظام تحت ضربات المعارضة.

الروس هم من قاتل المعارضة ، وفرض ميزان قوى جديد على ساحة الصراع السوري، وهم من اقترح مؤتمر سوتشي للحوار السوري - السوري

الروس هم من قاتل المعارضة ، وفرض ميزان قوى جديد على ساحة الصراع السوري، وهم من اقترح مؤتمر سوتشي للحوار السوري - السوري. وبالتالي ليس مقبولاً لدى الأمم المتحدة أو لدى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة تعطيل مجريات حل الصراع السوري وفق القرار 2254، والذي تأتي سلال ديمستورا الأربع ضمن رؤيته الشاملة.

الموقف الروسي المتهاون وغير الضاغط على النظام الأسدي بشأن مفاوضات جنيف، وتحديداً بشأن السلّة الدستورية، يكشف عن حقيقة هذا الموقف. فالروس حاولوا منذ البداية تعطيل بيان جنيف1، ثم حاولوا إفراغ القرار الدولي 2254 من مضمونه الأساسي، الذي يقوم على ضرورة قيام مرحلة حكم انتقالية، وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بإشراف الأمم المتحدة.

الموقف الروسي المعطّل لحلّ الصراع وفق القرارات الدولية يعني وجود إرادة روسية جادة في منع أي حلٍ سياسيٍ لهذا الصراع لا يكون وفق المقاسات السياسية الروسية.

هذا الموقف تتمّ عملية بنائه وفق نظرة روسية تقول إذا تمت عملية حلّ الصراع السوري بموجب القرار 2254، فهذا يعني الذهاب إلى قيام حكمٍ انتقالي جديد لا يكون للأسد وزمرته فيه أي دورٍ، وبالتالي خسارة نظامٍ مستعدٍ لتقديم كل التنازلات للروس مقابل استمرار حكمه.

هنا يكمن تعطيل تنفيذ تشكيل لجنة صياغة الدستور المكونة من ثلاثة أثلاث متساوية، ثلث للنظام، وثلث للمعارضة، وثلث للأمم المتحدة.

الروس يخافون من الثلث الثالث، الذي تنحصر عملية تشكيله بالأمم المتحدة من شخصيات مستقلة، فهو الثلث المرجّح والحاسم في التوصل إلى صياغةٍ دستوريةٍ تنتقل بموجبها سوريا من وضع نظامها الاستبدادي إلى فضاءٍ سياسيٍ ديمقراطيٍ جديد. هذا التخوف الروسي يحرص الروس أن يظهر وكأنه موقف النظام الأسدي، في وقت تعرف كل الأطراف الإقليمية والدولية أن هذا النظام لا يملك أوراقاً مستقلة، بعد أن بات بحماية النفوذ الروسي والإيراني.

إذاً إن المستفيد الأكبر من تعطيل تشكيل لجنة صياغة الدستور هي روسيا أولاً، لأنها اللاعب الأكبر والأساسي في الوضع السوري، وتأتي استفادتها على أرضية إجبار قوى المعارضة وإقناع القوى الدولية بما تراه حلّاً مناسباً للصراع وفق رؤيتها التي بنيت على أساس إعادة تأهيل النظام الأسدي رغم كل ما فعله بالبلاد والعباد. هذه الرؤية تُبقي سوريا قيد نفوذ سياسي روسي لزمن طويل.

أما المستفيد الأصغر في هذا التعطيل فهو النظام الأسدي، الذي لا يملك أوراقاً حاسمةً على الأرض، لذلك فإن تصريح غوتيريس يعني أن الروس هم من يعطّل القرارات الدولية، وبالتالي عليهم أن ينزعوا أشواك الصراع من أيديهم بأيديهم.

والسؤال : هل يستطيع الروس حمل الملف السوري لوحدهم ، أم أن الأمر سيكون مزيداً من الغرق الروسي في رمال الصراع السوري ؟.