تزوّجها طارق!

2019.02.21 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ينتهي فيلم (فبراير الأسود) بمشهد يشبه حالنا تماماً، مشهد ما زال عالقاً في حلق التاريخ، لا يُبلع ولا يُرتجع.

وبانتظار نهاية المرحلة الانتقالية، تجلس ديما (مصر) لائبة مترقبة لترتبط بواحد من ثلاثة يحكمون مصيرها: (ضابط، مستشار، عالم)، وهو ما يعادل: الحكم الأمني العسكري، حكم القانون، سيادة العلم.

وكما لم يكن متوقعاً أو مأمولاً على الأقل، عادت الجهات السيادية لفرض معادلتها، وانكفأ القانون وعاد أجيراً عندها، وازدُري العلم والعلماء أكثر وأكثر.. حتى دخلت مصر عصر "عبد العاطي كفتة"!.

شعوب بأسرها في العالم العربي تعيش منذ سنوات مرحلة انتقالية، مرحلة كفاح ومحاولات وتجريب وبحث عن مخارج، فيما يحاول "المواطنون المستقرون" والعصابات الدولية قلب التاريخ واستعادة الدكتاتوريات بصورهم وشخوصهم إن أمكن، وإن تعذّر فبقناع آخر، وها هي مصر بعد المرحلة الانتقالية التي مرت سريعاً بأطوار الحلم والعلم والقانون، يتزوجها طارق (ممثل الجهات السيادية في الفيلم).

شعوب بأسرها في العالم العربي تعيش منذ سنوات مرحلة انتقالية، مرحلة كفاح ومحاولات وتجريب وبحث عن مخارج

وحتى في الخليج العربي الذي كان مرهوناً بالاستقرار بإرادات داخلية ودولية، يبدو المشهد أكثر تعقيداً وضبابية من أي وقت مضى، فالمرحلة الانتقالية التي تمر بها معظم دول الخليج والمتمثلة بانتقال السلطة من جيل الآباء إلى جيل الأبناء، حملت ما لا يُراد ولا يُشتهى، ولعل الأزمة الخليجية الراهنة ليست سوى مقدمة لأزمات تعصف بالكيان الخليجي (مجلس التعاون الخليجي) وتهدد بتمزيقه، وهو ما لا يصب في مصلحة المنطقة ولا العالم العربي الذي يفتقر إلى اتحادات إقليمية أو تحالفات متوازنة واضحة الأهداف ربما تشكل صمام أمان يلجم التدخلات الخارجية أو يكون جزءاً من الحل في الحد الأدنى، بدل أن تكون الحلول مفروضة ومستوردة بالكامل مما وراء المحيط والخليج.

ومن نكد الدنيا أن الكارثة التي أحاطنا بها داعمو نظام الأسد من العصابات الدولية استغرقت تاريخ المرحلة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، فهم يرونه شرعياً فيما مضى، وصالحاً لإدارة المرحلة الانتقالية، وجاهزاً وكفؤاً لتسلم زمام البلد في انتخابات ما بعد المرحلة الانتقالية!.. فهم لا يريدون منحنا فرصة تونس؛ ولا مصر حتى!.. فالأمر هنا لا يتعلق بتغيير دكتاتور فقط، بل بإدارة صراع عرقي طائفي وهو ما يجعل الأمور تنحصر في شخص لا في جماعة أو فئة، شخص قادر على تحمل تبعات الدم واستمراء انتهاك الآخر حدّ الإبادة.

ولعلّ الكارثة الاقتصادية والمعاشية لا تقل فداحة عن نظيرتيها السياسية والاجتماعية في الفترات الانتقالية من عمر الدول، فكل شيء في سوريا "الأسد" الذي يدّعي الانتصار قد أصبح حلماً، المأكل والمشرب والملبس وضرورات الحياة البسيطة، كلها صارت ضرباً من الوهم، ولعلّ مشهداً انتشر مؤخراً على وسائل التواصل للفنانين (نزار أبو حجر ومحمد حداقي وباسم ياخور) يختصر الحكاية، حكاية "البطاقة الذكية" التي بموجبها يحصل المواطن على حصته المقنّنة من "الكوسا والخيار والطماطم والخبز والغاز... وحتى الهواء)!.

وما التردي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني إلا نتيجة الزواج من طارق، ذلك الخيار الذي ما زال المواطن المستقر والعصابات الدولية يرون فيه الحل

وإن قال قائل إن سوريا ما زالت تعيش حالة حرب، فنحيله إلى الوضع المعاشي في مصر وتونس، حيث إضرابات العمال والموظفين تشل حياة تونس احتجاجاً على تدني المعيشة، والجوع بكل وحشيته يلتف على أعناق المصريين المنهكين، مع الإشارة والإشادة بتوجه تونس الديمقراطي الذي وضعها على السكة الصحيحة سياسياً وهو ما يعطي شعوراً بالطمأنينة على المدى الأبعد حين تنضج التجربة ويحين جني الثمار.

وليست دولا نراها غنية بمنأى عن الخوف والجوع، تلك التي تعيش حالات انتقالية غير مرئية أو غير معلنة، فالوضع الاقتصادي لدول الخليج ليس على ما يرام، ووضع المواطنين والوافدين ليس كما كان، هذا ما تقوله الوقائع والأرقام لا الرغبة أو التكهنات.

وما التردي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني إلا نتيجة الزواج من طارق، ذلك الخيار الذي ما زال المواطن المستقر والعصابات الدولية يرون فيه الحل، الحل الذي يضمن لنا العيش، ولكن ليس الحياة بكل تأكيد.. وكم هو قاتل العيش بلا حياة!.