تركيا تلوّح بورقة العملية العسكرية مجدداً في سوريا

2019.07.23 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في تصريح له أمس الإثنين، أكّد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أنّ تركيا قد تطلق عملية عسكرية في منطقة شرق نهر الفرات في حال لم يتم التوصّل مع الجانب الأمريكي إلى اتفاق بشأن إنشاء المنطقة الآمنة في شمال سوريا على الحدود مع بلاده. وأشار الوزير التركي في معرض حديثه عن العلاقة مع الولايات المتّحدة الى أنّ واشنطن لم تلتزم بالاتفاق الذي تمّ مسبقاً بشأن خارطة طريق منبج، ولم تقم باتخاذ أي خطوات ملموسة في هذا الاتجاه.

تأتي هذه التصريحات في سياق عودة الخلافات مجدداً إلى العلاقات الأمريكية- التركية على خلفية حصول أنقرة على نظام الدفاع الصاروخي إس-400 وقيام الولايات المتّحدة بإخراج أنقرة من برنامج إنتاج المقاتلة (إف-35) المتعددة المهام مع التلويح بإمكانية فرض عقوبات إضافية لاحقاً ما لم تتخل عن المنظومة الروسية. وبالرغم من محاولة الرئيس الأمريكية دونالد ترامب احتواء الموقف وعدم التصعيد من خلال الإفراج عن المصرفي السابق محمد هاكان أتيلا، والتصريح بأنّه لن يبحث الآن عقوبات إضافية على أنقرة، إلاّ انّه من الصعب جداً تصوّر عدم تدهور الوضع ليطال ملفات ثنائية أخرى بين البلدين -على رأسها الملف السوري- خاصّة إذا لم تغيّر واشنطن من سياساتها المناقضة لمصالح أنقرة.

وفي هذا الإطار بالتحديد، يأتي التهديد بإمكانية إطلاق تركيا عملية عسكرية شرق الفرات مع التذكير بأنّ واشنطن لا تحترم التزاماتها ولا تنفّذ الاتفاقات التي يتم التوصل إليها. ومع أنّ وزير الخارجية التركي كان قد عبّر عن أمله في أن يتم التوصل إلى حل بشأن المنطقة الآمنة بالتزامن مع الزيارة التي يقوم بها إلى تركيا مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، إلاّ أنّ تذكيره بمصير اتفاق منبج لا يعكس تفاؤلاً بشأن ما قد يتم التوصل إليه لاحقاً. وفي هذا السياق يمكن فهم تهديدات الجانب التركي بإمكانية إطلاق عملية عسكرية شرق الفرات في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن إقامة المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها على الحدود مع تركيا.

يمكن فهم تهديدات الجانب التركي بإمكانية إطلاق عملية عسكرية شرق الفرات في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن إقامة المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها على الحدود مع تركيا

وتقوم تركيا منذ فترة بحشد قواتها العسكرية قبالة تلك المنطقة مع سوريا، ويهدف هذا التحشيد إلى تحقيق عدّة أهداف، فهو يضغط باتجاه ضرورة أن تفك واشنطن ارتباطها مع الميليشيات الكردية، وأن تقيم المنطقة الآمنة قبالة الحدود التركية، فإذا فشلت الولايات المتّحدة في القيام بذلك فإنّ رسالة أنقرة هي أنّ قواتها العسكرية جاهزة للقيام بهذه المهمّة. أمّا الهدف الآخر، فهو محاولة ثني إدارة ترامب والكونغرس عن فرض عقوبات على أنقرة بناءً على قانون مكافحة خصوم الولايات المتّحدة وذلك على خلفية حصولها على نظام إس-400 الروسي. وتهدف تركيا من خلال التهديد بإمكانية شن عملية عسكرية شرق الفرات إلى التذكير بأنّ بإمكانها خلط أوراق الولايات المتّحدة في عدّة ملفات إذا ما قررت فرض عقوبات عليها.

بهذا المعنى، تحاول أنقرة أيضاً احتواء الموقف وعدم التصعيد، وبين رغبة ترامب ورغبة أردوغان في التلاقي وحسم الأمور الخلافية ربما في قمّة منتظرة قريبا بينهما في تركيا، قد تكون هناك كلمة أخرى لأطراف مختلفة لا تريد أن يتم الاتفاق مع تركيا، فالكونغرس على سبيل المثال يضغط حالياً باتجاه فرض عقوبات، وإذا ما حصل ذلك، فقد يقطع الطريق على أي تفاهم محتمل بين الجانبين إلاّ اذا قررت واشنطن تقديم تنازلات في الملف السوري أو ملفات أخرى لتحقيق توازن بين الضغط على تركيا من جهة وعدم قطع شعرة معاوية من جهة أخرى.

فرنسا وبريطانيا قامتا بالفعل وفق بعض التقارير بإرسال بضع مئات من الجنود. مصدر القلق التركي هو أنّ بعض الدول الغربية كفرنسا على سبيل المثال داعمة قويّة للميليشيات الكردية التابعة لحزب العمّال الكردستاني

علاوةً على ذلك، فإنّ مشروع إقامة قوات متعددة الجنسيات على الحدود مع تركيا لا يزال يسبب قلقاً للجانب التركي. إذ على الرغم من أنّ ألمانيا لم تستجب للدعوة الامريكية لإرسال قوات الى شمال سوريا، إلاّ أنّ فرنسا وبريطانيا قامتا بالفعل وفق بعض التقارير بإرسال بضع مئات من الجنود. مصدر القلق التركي هو أنّ بعض الدول الغربية كفرنسا على سبيل المثال داعمة قويّة للميليشيات الكردية التابعة لحزب العمّال الكردستاني، ولذلك فإنّ هذه الخطوة قد يُنظر إليها على أنّها محاولة لتقديم درع حماية للميليشيات الكردية ضد أي تدخّل تركي محتمل.

مثل هذا التقييم إن صح، قد يفرض على اللاعب التركي سرعة التحرك لقطع الطريق على مثل هذه الخطوة خشية جعلها أمراً واقعاً فيما بعد. لكن في المقابل، فإنّ إطلاق أي عملية عسكرية دون مراعاة الحسابات الأخرى، قد يقطع الطريق كذلك على أي تسويات محتملة مع الجانب الأمريكي. ولذلك، فالأرجح أن يتريّث الجانب التركي في تحويل هذا التهديد بإطلاق عملية عسكرية الى واقع فعلي بانتظار الحسابات المتعلقة بالملفات الأخرى المرتبطة بالعلاقة مع الولايات المتّحدة.