icon
التغطية الحية

تداعيات أزمة الوقود على مستقبل نظام الأسد

2019.04.19 | 15:04 دمشق

سيارات في طابور عند محطة بنزين في حلب (رويترز)
وجيه حداد - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

مشهد لا يمكن أن تراه إلا في أفلام نهاية العالم، حيث يدفع المواطنون سياراتهم بيديهم لخلوها من البنزين، وهم يحاولون التقدم باتجاه محطة الوقود خلف طابور طويل من السيارات يمتد لعدة كيلو مترات، هذا هو حال المواطن السوري الباحث عن ليتر بنزين لسيارته الخالية تماما في ظل أزمة خانقة لا مثيل لها.

وفي خلفية المشهد يعيش الاقتصاد السوري بين حالة من الصدمة والارتباك في واحدة من أعنف أزماته المستمرة التي تتعدى البنزين، فما زالت أزمة المازوت حاضرة بشدة في حياة السوريين، بكل مفاعيلها وتأثيراتها المباشرة على المواصلات النقل والصناعة، وارتداداتها المباشرة على الأسعار، وما زال سائقو السرافيس ينتظرون نصف يوم كامل للحصول على مخصصاتهم بموجب "البطاقة الذكية".

السرعة العالية التي انخفضت فيها كميات تقنين البنزين وفق "البطاقة الذكية" من 20 ليتر تعبئة في اليوم الواحد إلى 20 ليتر تعبئة كل يومين، ثم إلى 20 ليترا كل 5 أيام، كشفت عمق الأزمة، وأدت لظهور الطوابير غير المسبوقة، ودل ارتفاع ساعات الانتظار قرب محطات الوقود على المنحى التصاعدي في الأزمة، كما دل على الفشل الذريع الذي لاقته إجراءات النظام للحد منها.

وكان النظام في حركة التفافية منه، وفي محاولة لضبط الأزمة من جهة، ولتحرير أسعار المحروقات من جهة ثانية، قد شرّع استيراد البنزين 95 اوكتان لطرحه في الأسواق بالأسعار العالمية ،على حد وصفه، لكنه طرح سعر البنزين بزيادة 150ل.س عن سعر لبنان البالغ 450 ل.س. مدعيا أنها تكاليف الشحن، ومع هذا لم تستطع تلك الكميات أن تعدل من واقع الأزمة، على العكس تماما تفاقمت الأزمة وازدادت معدلات الانتظار في ظل اختفاء لمادة البنزين وارتفاع أسعاره بشكل جنوني في بعض المحافظات ليتجاوز سعر الليتر الواحد أكثر من  1000ليرة سورية.

تداعيات سياسية

حطمت الأزمات المتتالية صورة النظام القوي التي حاول تسويقها عن نفسه بعد انتصاراته العسكرية المدعومة روسيا وإيرانيا، ويوجه هذا التحطيم ضربة قاصمة لمحاولات شرعنته وتعويمه، ويعزز احتمال وضعه على طاولة المفاوضات من جديد، إن لم يكن من باب الشرعية، فمن باب قدرته على الاستمرار الاقتصادي هذه المرة، فالنظام لم يعد قادرا على تأمين أبسط الاحتياجات المعيشية الضرورية للحياة.

أما على الصعيد الداخلي والحاضنة الشعبية فقد نزعت الأزمة الحالية آخر الأوهام عند الموالاة حول قدرة النظام على الوقوف خارج الدعم اليومي المباشر، باعتبار الأزمات تظهيرا مباشرا لتوقف الخط الائتماني الإيراني، ولا تشير المعطيات إلى عودة هذا الخط لأسباب متعددة تتعلق باقتصاد إيران المنهك، كما تتعلق بمفاعيل العقوبات على النظامين، ويؤكد ذلك تصريح جواد ظريف في زيارته الأخيرة لدمشق في معرض إشارته لتناول المباحثات "سبل تحسين معيشة الشعبين"، وهو تصريح لافت من جهة وضعه معاناة الشعب السوري في موازاة معاناة الشعب الإيراني، ما يعني توقف المساعدات الإيرانية للنظام، أو أقله لن تكون كما في السابق.

تداعيات اقتصادية اجتماعية

لغلاء حوامل الطاقة مفاعيلها الكارثية على مجمل الاقتصاد السوري، حتى لو توفرت، بسبب ضعف المداخيل السورية التي لا تتناسب مع الأسعار العالمية، ولن يفيد تذاكي النظام في وضع سعرين، سعر مدعوم وسعر حر، لأن السوق يتجه بصورة تلقائية إلى التعامل مع السعر الأعلى، أما في حال استمرار الأزمة فإن الشلل الكامل سيصيب معظم القطاعات الحيوية في سوريا، وكانت قد بدأت تداعياته السريعة تظهر على أسعار صرف الليرة التي انخفضت مقابل الدولار في الأيام الماضية لتلمس حاجز 570 ل.س،  مع تحذيرات من انهيار كامل للعملة السورية، علما أنها فقدت أكثر من 30% من قيمتها خلال الأشهر الماضية.

وفيما يتحمل المواطن السوري الفاتورة الأكبر التي تفوق قدرات تحمله، وتهدد بانفجار يخرج عن السيطرة، فإن خيارات النظام محدودة جدا وتتمثل في استمرار الأزمة وإدارتها، أو استيراد المشتقات النفطية، وهو أمر يعجز عن تغطيته بالعملة الصعبة، وفي حال حصوله ستمضي الأمور إلى مزيد من التضخم وانهيار سعر الصرف إلى حدود لا يمكن ضبطها، وبالأخص في حال صدور قانون "سيزر" المرتقب.

الحل بالتهريج والتحذير

معرفة النظام بعمق أزمته الراهنة وعجزه عن حلها، استدعى منه استنفار كافة الوسائل للتغطية عليها وتحميل أسبابها للخارج، غير أن إدراكه أن تلك المعزوفة لم تعد تطرب الموالين المتضررين بشكل مباشر دفعه إلى ابتكار طرائق تهريج رخيصة؛ منها الدعوة إلى ركوب الدراجات الهوائية كما فعل وزير التجارة الداخلية عاطف النداف، والغناء والرقص أمام بعض محطات الوقود، وتوزيع المجلات والورود على طوابير الانتظار تحت شعار تشجيع القراءة، أو تسيير بعض العربات القديمة التي تجرها البغال والأحصنة في مشاهد تبدو طريفة.

وبالتوازي مع هذه الحركات استنفر النظام نظرية المؤامرة فصدرت عنه تحذيرات شديدة تبنتها الصفحات الموالية تدعو للتنبه وعدم الانسياق وراء الإشاعات المغرضة التي تسوق لوجود أزمات حالية أو حتى لاحقة، وكان ادعى سابقا أن أزمة البنزين ناشئة عن خبر في أحد المواقع الموالية، وتم اعتقال صاحبه لمدة يومين.

من الصحيح أن مشاهد نهاية العالم" الهوليودية" تكررت كثيرا في سوريا، ولكنها المرة الأولى التي تضرب عصب وجود النظام، وتعصف بحاضنته الشعبية وتجعله عالقا في أزمة وجودية، سيتفرع عنها كثير من الأزمات اللاحقة، هو عاجز عن حلها، وعاجز، أيضا، عن تحمل أكلاف استمرارها، ما يجعل من مشاهد نهاية العالم، هذه المرة، مشهدا ختاميا لنهاية النظام.

كلمات مفتاحية