icon
التغطية الحية

بين شرق الفرات وغربه.. هل ستهاجم تركيا هيئة تحرير الشام؟

2019.01.13 | 14:01 دمشق

دبابات الجيش التركي قرب الحدود السورية (إنترنت)
تلفزيون سوريا - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

فرضت الظروف الميدانية المتسارعة في سوريا على أنقرة التعامل مع أعقد الملفات المتعلقة بالشأن السوري والمتمثلة باتفاق سوتشي حول إدلب مع روسيا، وصراعها المستمر منذ سنتين مع الولايات المتحدة الأمريكية بما يتعلق بمنطقة شمال شرق سوريا والتي باتت تعرف بمنطقة "شرق الفرات"، هذان الملفان وضعا أنقرة في لعبة الإبقاء على توازنها قائماً مع الدولتين العظميين، لتحقيق أفضل المكاسب الممكنة.

ورغم تعهّد تركيا ضمن اتفاق سوتشي الموقّع بين الرئيسين أردوغان وبوتين في 17 أيلول الماضي والذي أبعد شبح حرب كانت حشودات حلف النظام وروسيا وإيران جاهزة لبدئها؛ بإنهاء وجود التنظيمات المصنفة إرهابياً وعلى رأسها هيئة تحرير الشام مع نهاية العام المنصرم وفق الجدول الزمني للاتفاق، إلا أن ذلك لم يتم حتى الآن، مع العلم أن موسكو لم تعد تضغط على أنقرة تجاه تطبيقه لعدم خسارة التفاهمات بين البلدين حول سوريا وانهيار مسارَي أستانا وسوتشي اللذين تعوّل عليهما روسيا بدرجة كبيرة لإنهاء ما تسميه "الصراع السوري" برؤية تعمل جاهدة على فرضها.

لا يمكن إعطاء تفسير دقيق للتأخر التركي بإنهاء فصيل صنَّفته في أواخر آب الماضي على لوائح الإرهاب، وطالب كثير من السوريين من ناشطين وسياسيين وعسكريين بوضع حد للانتهاكات التي قامت وتقوم بها تحرير الشام في منطقة إدلب، في حين يمكن أن نعزو ذلك إلى عدم وجود ثقة تركية مطلقة تجاه روسيا بألا تشنَّ الأخيرة هجوماً شاملاً على إدلب، وبذلك ستكون تركيا بحاجة إلى كل الفصائل الموجودة للدفاع عن المنطقة التي أعلنتها امتداداً وعمقاً لأمنها القومي، وهيئة تحرير الشام هي الفصيل الأكبر عدداً والأقوى تسليحاً، أو ربما أن أولوية أنقرة في سوريا هو إيجاد حل لوحدات حماية الشعب شمال شرق سوريا وفق تفاهم واضح مع واشنطن.

 

 

شكّل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المفاجئ بسحب قواته من سوريا في 19 كانون الأول الماضي، تحولاً فارقاً في استراتيجيات الدول اللاعبة في سوريا ووكلائها على الأرض، ورحّبت تركيا فوراً بالقرار الأمريكي كونها المرشح الأبرز لملء الفراغ الكبير، متوجسة في الوقت نفسه من عدم نجاح التفاهم مع واشنطن حول ذلك، ومما قد يترتب عليها من واجبات جديدة في هذه المنطقة الاستراتيجية والتي قد تخلط الأوراق بينها وبين روسيا وإيران الموجودتين على الجانب الآخر من نهر الفرات.

مكان وتوقيت هجوم هيئة تحرير الشام الأخير

لم تكن الضربات التي وجهتها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) لفصائل الجيش الحر وحركة أحرار الشام عبثية من ناحية المكان المستهدف والتوقيت أيضاً، وهو الأمر نفسه بما يتعلق بالضربة الأخيرة والقاضية التي بدأتها ضد حركة نور الدين الزنكي في اليوم الأول من العام الجاري، وأنهتها باتفاقي تهجير لمقاتلي مدينة الأتارب غرب حلب وجبل شحشبو شمال حماة، ومن ثم اتفاق استسلام أحرار الشام وصقور الشام في جنوب إدلب.

راوغ الجولاني زعيم تحرير الشام فيما يتعلق بوجهة نظره تجاه اتفاق سوتشي والمنطقة المنزوعة السلاح المفترض أن تكون خالية من أي تنظيم مصنف إرهابياً، ما أكسبه 3 أشهر إضافية لترتيب صفوفه لمواجهة القادم، ساعده بذلك عدم وجود تحرك تركي حقيقي للقضاء على فصيله، حيث اقتصرت تركيا على تعزيز نقاط المراقبة الـ 12 والحدود مع إدلب في ولاية هاتاي.

كان قرار ترمب فرصة مثالية لتحرير الشام ببدء تحركها، باعتقادها أن تركيا ستنشغل في ملف يطول التفاهم حوله أشهراً كثيرة، ويعد أولوية لأنقرة، أو أن تركيا قد تسارع في الانتهاء من ملف التنظيمات المتطرفة في إدلب قبل الدخول في تعقيدات التعامل مع الانسحاب الأمريكي، كلا التحليلين قرأهما الجولاني وتحرك على أساسهما لتعزيز مواقعه وإحكام قبضته على إدلب.

كسبت تحرير الشام في هجومها الأخير أمرين اثنين، أولهما إحكام السيطرة على المنطقة الفاصلة بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة الجيش الوطني الوكيل الأكثر اعتماداً من قبل الأتراك، والذي سيكون الأداة الأكثر فاعلية في قتال تحرير الشام في حال قررت تركيا ذلك، والأمر الثاني هو القضاء على أبرز فصائل الجبهة الوطنية للتحرير التي سيكون لها فاعليتها أيضاً في المعركة ضد تحرير الشام، ما يعني استتباب السيطرة على كامل إدلب والسيطرة على قرار السلم والحرب فيها، وحكمها إدارياً عبر ذراعها المدني المتمثل بحكومة الإنقاذ.

 

 

استفادت تحرير الشام بشكل كبير من أخطاء الفصائل القائمة على الحامل المناطقي بشكل كبير، والتي عجزت عن التوحد والاندماج بشكل حقيقي ضمن الجبهة الوطنية للتحرير ووصل مناطق سيطرتها في إدلب ببعضها البعض، وأيضاً استفادت من عدم تحرك فيلق الشام الفصيل الأكثر قرباً من تركيا وأحد أكبر فصائل الجبهة الوطنية في القتال ضد تحرير الشام، الأمر الذي ربما قرأه قادة أحرار الشام وصقور الشام على أنه عدم نية تركيا بالتحرك حالياً، وبالتالي توقيع اتفاق الاستسلام لصالح الهيئة.

بداية حاولت تركيا تدارك السقوط المتسارع لحركة نور الدين الزنكي ودفعت بتعزيزات من الجيش الوطني شمال حلب لمؤازرة الزنكي في معركته ضد تحرير الشام، في محاولة منها لتحقيق نوع من التوازن في هذه المعركة وإفشال هجوم تحرير الشام وتوقيع اتفاق صلح كما كل مرة وعودة الاستقرار إلى إدلب. إلا أن تدخل الجيش الوطني كان غير كافٍ أبداً، ولم يشكل أيّ ضغط على تحرير الشام، وذلك رغم إعلان الجيش الوطني بحسب متحدثه الدخول رسمياً في المعركة إلى جانب الجبهة الوطنية للتحرير وإرسال أرتال إلى المنطقة القريبة من بلدة أطمة الحدودية، والتي لم تقم بأي عمل عسكري ضد تحرير الشام.

 

 

بعد خسارة الوطنية للتحرير أمام تحرير الشام، حاول الثوار في إدلب جاهدين تفسير عدم التدخل التركي في المنطقة والذي عوّلوا عليه أكثر من مرة، عدم النجاح في تفسير النية التركية دفع بعضهم للاعتقاد بأن تركيا قد تتّخذ من تحرير الشام وكيلاً لها في إدلب بعد دمجها مع فيلق الشام وبقايا فصائل الجبهة الوطنية وجيش العزة، واعتماد حكومة الإنقاذ كأداة مدنية لإدارة المنطقة.

في ظل الظروف قبل يومين كان باب الاحتمالات والتوقعات مفتوحاً على مصراعيه، لحين بدأت هناك مؤشرات واضحة عن نية تركيا بضرب تحرير الشام في إدلب.

تحرك تركي على الحدود مع إدلب

هبطت صباح أمس السبت طائرة رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي اصطحب معه رئيس الأركان يشار غولر وقائد القوات البرية أوميت دوندار، في ولاية هاتاي المقابلة لمحافظة إدلب، والتقى المسؤولان المتحكمان في مقاليد الملف السوري أمنياً وعسكرياً بقادة الجيش التركي قرب الحدود مع سوريا، وتناول الاجتماع التطورات شمال سوريا، وجهود الحفاظ على وقف إطلاق النار بمحافظة إدلب في ضوء اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا.

مع وصول أكار وفيدان إلى الحدود السورية في اليوم نفسه، أطلق الجيش التركي تدريباً عسكرياً في قضاء يايلاداغي من ولاية هاتاي، على الحدود السورية التركية، كما استطلعت وحدات الجيش المشاركة في التدريبات الوضع في المنطقة الحدودية من القضاء.

 

 

تزامناً مع تدريبات الجيش التركي نفّذت طائرات الاستطلاع التركية طلعات جوية عدة، أجرت فيها مسحاً لمناطق متفرقة من جنوب وجنوب غرب محافظة إدلب، تتواجد فيها أبرز معاقل هيئة تحرير الشام، وذلك بحسب موقع " Flightradar24" المتخصص بمراقبة حركة الطيران.

دفع الجيش التركي مساء أمس أيضاً بتعزيزات جديدة من القوات الخاصة المعززة بناقلات جند ومدرعات أخرى إلى قضاء يايلاداغي الحدودي المقابل لمنطقة جسر الشغور في إدلب، وقضاء ألطنوز المقابل لمنطقتي سلقين وحارم، سبق هذه التعزيزات عشرات الأرتال من الجيش التركي لتعزيز النقاط الحدودية مع إدلب منذ توقيع اتفاق سوتشي، فضلاً عن تعزيز نقاط المراقبة الـ 12 في الداخل السوري بمئات الجنود وعشرات الدبابات.

 

 

صباح اليوم الأحد ذكرت وكالة الأناضول أن فرق مكافحة الإرهاب التركية شنّت بالتعاون مع الشرطة الخاصة عملية أمنية في ولايات أضنة وإسطنبول وأنقرة للقبض على 16 شخصاً للاشتباه بانتمائهم لـ "هيئة تحرير الشام" المصنفة على لوائح الإرهاب في تركيا في 31 من آب من العام المنصرم، بمرسوم صادر عن الرئاسة التركية.

تستند تركيا في تفاهماتها مع واشنطن حول شرق الفرات على أن الأخيرة تدعم تنظيماً إرهابياً معادياً لتركيا، وبالتالي فإن عدم قضاء تركيا على التنظيمات المتطرفة في إدلب سيفقدها هذا الخطاب ضد الإرهاب، وقد يدفع عدم قضاء تركيا على هذه التنظيمات روسيا لابتزاز تركيا في هذا الوقت الحرج وإنهاء اتفاق سوتشي بحجة عدم التزام أنقرة ببنود الاتفاق، الأمر الذي لا تريده تركيا، فهي بحاجة موسكو بقدر حاجة موسكو لها.

التحركات التركية الميدانية قرب الحدود مع إدلب، والظروف الجديدة التي نتجت بعد قرار ترمب تعطي مؤشراً أكبر تجاه تحرك تركي لإنهاء ملف التنظيمات المتطرفة في إدلب والتفرغ للملف الأكثر تعقيداً وهو شمال شرق سوريا المتنازع عليه، وسيعطي التدخل التركي المباشر بقوات برية إلى جانب الفصائل المعتمدة جديّة كبيرة قد تدفع آلاف العناصر من تحرير الشام لاعتزال القتال، كما أن نقاط المراقبة المعززة والمحصنة بشكل كبير لن تكون في خطر محدق خاصة إذا حصلت على تغطية الطيران التركي لتأمين محيطها.

ولا يخفي الثوار تخوفهم من السيناريو الأسوأ المتمثل باكتفاء تركيا بالسيطرة على عمق محدد من إدلب على الشريط الحدودي، في حين تبقى باقي المناطق من سهل الغاب شمال غرب حماة وحتى جنوب حلب مروراً بجنوب وجنوب شرق إدلب، عرضة لهجوم واسع من قبل النظام وروسيا وإيران.