بين أستانا ونور سلطان لجنة الدستور في الميزان

2019.04.26 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أبدتْ الأطراف المعنيّة بمسار (أستانا) حفاوة بالغة، لم تكن مألوفة من قبل، في التحضير للقاء أطراف التفاوض في 25 – 26 من شهر نيسان الجاري، في العاصمة الكازاخستانية (نور سلطان) وهو الاسم الجديد ل(أستانا)، وذلك بهدف التوصل إلى استكمال تشكيل اللجنة الدستورية، وفقاً لما رسمه المبعوث الدولي السابق ستيفان دي مستورا.

أولى معالم هذه الحفاوة قد بدأها الجانب الروسي، من خلال الزيارة التي قام بها وفد رفيع المستوى، على رأسه المبعوث الخاص للرئيس بوتين إلى سوريا الكسندر لافرنتييف، ومعاون وزير الخارجية سيرغي فيرتشينين، اللذين التقيا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 19 – من نيسان الجاري، كما تضمنت هذه الزيارة لقاء آخر بهيئة التفاوض السورية في مقر السفارة الروسية في السعودية. ولعل اللافت للانتباه أن لقاء الروس بهيئة التفاوض كان مبعث ارتياح واضح انعكس على تصريحات رئيس هيئة التفاوض السيد نصر الحريري، الذي أبدى تفاؤلاً – شاركه فيه زملاء آخرون له – بخصوص اللقاء المرتقب، الذي سيكون لقاء حاسماً حول حتمية تشكيل اللجنة الدستورية، ثم ما لبثت أن أصبح تفاؤل هيئة التفاوض أكثر وضوحاً، حين تكشفت دواعيه المتمثلة بالضمانات الروسية التي تؤكد لهيئة التفاوض بأنها لم تعد تتيح لنظام بشار الأسد بوضع العراقيل المعيقة لتشكيل اللجنة الدستورية، وبأنها ستكون أكثر صرامة بجعْل الأسد

الحراك السياسي الروسي المتمثل بزيارة السعودية، واللقاء بأطراف المعارضة السورية، يوحي باستعجال روسي نحو استكمال تشكيل اللجنة الدستورية

ملتزماً بقواعد تشكيل اللجنة، إضافة إلى ضمانة روسية أخرى، على غاية من الأهمية – وفقاً لنصر الحريري – وهي أن تشكيل اللجنة الدستورية سيكون تحت إشراف أممي، وبحضور مباشر من السيد غيربدرسون، المبعوث الدولي الجديد إلى سوريا. وبعيداً عن التوقعات فيما سيسفر عنه لقاء أستانا الحالي، يمكن الوقوف – بإيجاز شديد – عند نقاط ثلاث:

1 – الحراك السياسي الروسي المتمثل بزيارة السعودية، واللقاء بأطراف المعارضة السورية، يوحي باستعجال روسي نحو استكمال تشكيل اللجنة الدستورية، كما يوحي برغبة روسية ملحّة نحو إعادة لفت أنظار المجتمع الدولي نحو مسار أستانا، بعد فترة من الجمود، وتتعزّز هذه الرغبة الروسية ب (تثقيل) لقاء أستانا، من خلال دعوة السيد غيربدرسون لحضور اللقاء، حرصاً على توفير غطاء أممي قد يراه الروس ضرورياً، على الأقل في الظرف الراهن. ما يمكن تأكيده أن هذا الاستعجال الروسي جاء متزامناً مع الاندفاعة الأمريكية الرامية إلى إطباق الخناق على إيران، من خلال حزمة الإجراءات الاقتصادية والعسكرية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية، ولعل أبرزها حرمان نظام الأسد من الموارد النفطية، سواء من إيران، أو من المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، وعلى الصعيد العسكري يمكن الإشارة إلى الاستعدادات العسكرية التي تقوم بها إدارة ترامب، بالتنسيق مع حلفائها المحليين لاستهداف الميليشيات الإيرانية وقوات النظام بآن معاً في منطقة شرق الفرات، بهدف قطع كافة الجسور بين إيران ونظام الأسد.

ما يدركه الروس قبل سواهم، أن تداعيات الضغط الأمريكي على إيران لن ينجو منها نظام الأسد، وذلك بحكم العلاقة العضوية بين الطرفين، ولم تكن أزمة الوقود التي أحدثت شللاً هائلاً في مناطق سيطرة الأسد إلا نتيجة أولى ومباشرة لحزمة الإجراءات الأمريكية، وما يدركه الروس – أيضاً – هو أن أي استهداف عسكري أمريكي لقوات نظام الأسد شرقي الفرات، مصحوباً بالضغط الاقتصادي، قد يكون له تداعيات خطيرة على المنظومة العسكرية للنظام، قد لا تؤدي هذه التداعيات بالضرورة إلى انهيار النظام، ولكنها – بالتأكيد – ستطيح بجزء كبير من الترتيبات الروسية التي خطط لها الروس منذ العام 2015 ، داخل المنظومة العسكرية لقوات الأسد، فضلاً عن معرفة لا تخفى على بوتين، بتنوّع وتعدّد الولاءات ومراكز الاستقطاب لدى ضباط جيش النظام. ما يريده بوتين هو أن تبقى البوصلة السورية – سياسياً وعسكرياً – بيده، وما يخشاه هو التداعيات المُحتملة أو المباغتة، والتي لا يكن التكهن بنتائجها على تركيبة نظام الأسد، إن استمرّ الضغط الأمريكي بهذا الزخم.

ما يبحث عنه الروس أكثر من أي وقت مضى، هو إيجاد موقف عربي داعم لمسار أستانا، ليس رغبة في إيجاد حل سياسي ينسجم مع القرارات الأممية، بل لقطع الطريق أمام تدخل أمريكي مُحتمل، قد يكون أكثر مباشرة من ذي قبل، وربما كان هذا الهاجس الروسي هو محور زيارة الوفد الروسي إلى السعودية.

2 – التفاؤل الذي تبديه بعض أطراف المعارضة السورية إزاء احتمال إتمام تشكيل اللجنة الدستورية، قد يوهم البعض بأن مجرّد تشكيل لجنة لكتابة الدستور (وأي دستور؟)، ستكون هي الانفراجة الكبرى لحالة الاستعصاء التي كانت تحول دون إيجاد حل سياسي للقضية السورية، لكن مما لا شك فيه، أن القسم الأكبر من السوريين، والذين هم أدرى بكثير من سواهم بطبيعة نظام الأسد، يدركون

مسار جنيف منذ العام 2012، وحتى الوقت الراهن كان تحت إشراف أممي، فماذا فعلت الأمم المتحدة حيال امتناع نظام الأسد عن التفاعل الجدّي مع قراراتها مع وجود الفيتو الروسي؟

جيداً، أن دستوراً جديداً – حتى لو وُجد – لن يكون رادعاً لآلة القتل الأسدية، ولن يكون مقوّضاً لمنظومة الرعب المتوحشة، التي هي وليس سواها، يحكمهم طيلة عقود من الزمن، كما يعلم أكثر السوريين، أن الماراتون الزمني الذي تستغرقه كتابة الدستور، لن يكون إلّا وقتاً إضافياً يستثمره نظام الأسد، لالتقاط أنفاسه، وإعادة ترميم سطوته الأمنية التي لا يستطيع البقاء في السلطة بدونها.

3 – اغتباط هيئة التفاوض بالحضور الأممي المتمثل ب (غيربيدرسون )، والذي يستخدمه الروس ك (أداة تثقيل) لا أكثر، لا يمكن التعويل عليه إلّا لدى من يبشّر بالأوهام، وبخاصة إذا علمنا بأن مسار جنيف منذ العام 2012، وحتى الوقت الراهن كان تحت إشراف أممي، فماذا فعلت الأمم المتحدة حيال امتناع نظام الأسد عن التفاعل الجدّي مع قراراتها مع وجود الفيتو الروسي؟.

يبقى القول: إن تجاوز وفود المعارضة السورية لمبدأ (الانتقال السياسي)، واستبداله بما يسمى ب (البيئة الآمنة)، والتي ستؤدي إلى تقويض المنظومة الأمنية لنظام الأسد، والتي ستتيح للمواطن السوري – بفضل الإشراف الأممي على عملية الانتخابات المفترضة – أن يكون حراً في اختياره، مصانة حقوقه، ومحصّناً من أي ضغط أو تهديد أمني - وفقاً لبعض أطراف هيئة التفاوض – إنْ هو – في أفضل الحالات – إلّا حلمٌ مُتَخيَّل، يتمنى السوريون أن يكون صحيحاً أو واقعياً، لأنه لو كان قابلاً للتحقق الفعلي، لما استمرّ الأسد في قتل السوريين طيلة ثماني سنوات ونيّف، بهذه الأذرع الأمنية الإجرامية ذاتها، التي يراهن البعض على تقويضها.

هل الوقوف أمام المخاطر التي تقوّض آمال السوريين وتلتفّ على تطلعاتهم وحقوقهم هو سلوك غايته التشويش أو الإعاقة أو التقليل من شأن العملية السياسية؟، وهل التمحيص بين الوهم والحقيقة هو ضرب من التشاؤم المجاني؟ ربما ترى هيئة التفاوض ذلك، ولكن ما يمكن الجهر به أيضاً، أن ما يسميه البعض تشاؤماً، أو رفضاً عدمياً، يستبطن تفاؤلاً كبيراً، ولكن ليس بما يفرّط به المفرطون، وليس بما يعتاش عليه أصحاب المصالح الضيّقة، بل بعطاءات هائلة لثورة السوريين العظيمة، لا يتيح حيّز هذه المقالة الحديث عنها.