بيضة التوازن في الصراع على سورية .. وتنازلات الآخرين

2018.09.07 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أعلن التلفزيون الرسمي التركي ( TRT ) يوم الاثنين: " أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيتوجه إلى إيران في 7 أيلول / سبتمبر الجاري لإجراء محادثات حول سورية، وسيحضر القمة مع روسيا وإيران".

لكن هذه القمة الثلاثية للدول الضامنة لاتفاق " أستانا " تأتي في مرحلة صعبة من التجاذب والتنافر والصراعات السياسية. فالإيرانيون الذين سمعوا بأذنهم التهديدات الأمريكية والإسرائيلية بضرورة خروج قواتهم النظامية والميليشياوية من سورية، صاروا على يقين أن هذه التهديدات ليست مجرد حرب كلامية ضدهم، فالضربات الجوية المستمرة تلتهم قواعدهم ومراكز تواجدهم العسكري على الأراضي السورية.

الإيرانيون مقبلون على حظر أمريكي شديد لتصدير نفطهم في أوائل تشرين الثاني / نوفمبر القادم، وهذا يعني حاجتهم الكبيرة إلى المنفذ التركي اقتصادياً، ولذلك تبدو عملية إدلب بالنسبة لهم عملية غير رابحة استراتيجياً، لأنهم سيخسرون الضامن التركي المتضرر من الهجوم عليها، هذا الضامن رفض الانصياع للضغوط الأمريكية بضرورة الامتناع عن التعاون الاقتصادي مع إيران.

الموقف الروسي هو الآخر بحاجة ماسة وحقيقية للدور التركي في أمور عديدة

الموقف الروسي هو الآخر بحاجة ماسة وحقيقية للدور التركي في أمور عديدة منها المساهمة التركية في ضبط إيقاع عمل الفصائل المسلحة والمعارضة السياسية السورية، فالأتراك تلاقوا مع القرار الدولي الذي صنّف " هيئة تحرير الشام " أي " النصرة " ضمن قوائم القوى الإرهابية، وهذا يترتب عليه تفكيك هذه  "الهيئة " وبالتالي إلغاء حُجة الهجوم على إدلب.

الروس بحاجة إلى تركيا في أمور أخرى منها التبادلات الاقتصادية بين البلدين، وموضوع تزويد روسيا لتركيا بمنظومة الدفاع الجوي S 400 والتي يحاول الأمريكيون والغرب منع تركيا من إتمام صفقتها مع الروس، إضافةً إلى محاولة الروس إنشاء تكتل دولي جديد بينهم وبين الصين وتركيا وإيران ودولٍ أخرى باتجاه تعدد الأقطاب دولياً.

إذاً الحاجة الروسية إلى الدور التركي هي أكبر وأوسع من قيمة عملية إدلب، فالروس ليسوا بهذا الغباء الذي يدفعهم لكسب صغير" إدلب " مقابل خسارة كبرى واستراتيجية ل" تركيا ".

هذه الحال بين الروس والأتراك يدركها الأمريكيون، الذين يتصرفون بصلف حيال حكومة رجب طيب أردوغان. ويبدو أن الادارة الأمريكية بدأت تقترب من فهم أن ضغوطها المتزايدة والمستمرة على تركيا في أكثر من بابٍ لن تأتي لها بثمار تركية صالحة، بل بدأ الأمريكيون يعون أن هذه الضغوط ستدفع بتركيا إلى الاقتراب أكثر فأكثر من أصدقائها الجدد وهم الروس والإيرانيون والصينيون. ولهذا أرسل الأمريكيون مبعوث خارجيتهم الجديد "جيمس جيفري" بزيارة إلى أنقرة للبحث عن تقاطعات أمريكية ذات صدقيةٍ في العلاقات بينهم وبين الأتراك.

الأمريكيون يعرفون جيداً أنهم استثمروا كثيراً في حربهم الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية ضدّ تركيا، ولكنهم في كلّ مرة كانوا يراكمون من عجزهم على إحداث تغييرات نوعية في السياسة التركية التي تبحث عن دور عالمي متقدم لها. العجز الأمريكي يعني ضعفاً سياسياً وعسكرياً لهم في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك هم مضطرون لتقديم تنازلات وضمانات ملموسة، والقيام بخطوات فاعلة للتلاقي في منتصف المسافة مع حليفهم السابق وخصمهم الحالي "تركيا". هذه الضمانات تتكثف في الامتناع عن دعم قوات ال PKK  المعادية للدولة التركية، وحلّ أمر فتح الله غولن، ووقف حرب المضاربة السيئة على الليرة التركية والاقتصاد التركي.

أوربا هي الأخرى بحاجة إلى تركيا سواءً اقتصادياً أم أمنياً

أوربا هي الأخرى بحاجة إلى تركيا سواءً اقتصادياً أم أمنياً، ولهذا فالأوربيون أقرب إلى الموقف التركي منهم إلى الموقف الأمريكي. الأوربيون لا يريدون خسارة استثماراتهم في تركيا لإرضاء المصالح الأمريكية الضيّقة، ولهذا هم مضطرون إلى الدفاع عن هذه المصالح بطريقة أو أخرى.

هذه الصراعات والتجاذبات الدولية في الساحة السورية والشرق أوسطية تحتاج فعلياً ومن مقدمات مختلفة إلى دور تركي فاعل. هذا الدور التركي يلعب الآن دور "بيضة التوازن" في الصراع في المنطقة، ولذلك يخطب جميع اللاعبين في هذا الصراع الودّ التركي، وهو أمر يفهمه النظام الأسدي ويحاول عبر استفزازاته المحدودة توريط الروس والإيرانيين لصالح أجندته الضيقة في إدلب. موقف النظام الأسدي يتعارض مع مصالح حليفيه اللذين دعماه في مواقع كثيرة، ولكنهم لن يُقدموا على دعمه في جزئية إدلب كي يخسروا أهمية الضامن التركي في مسائل صراعية أهم من مصلحة النظام في هذا الحيّز.

من يعتقد أن الإيرانيين سيقامرون لمصلحة النظام الأسدي في إدلب على حساب الدور التركي الذي سيلعب دوراً هاماً وكبيراً في منع التفاف أنشوطة الحصار النفطي والاقتصادي الأمريكي عليهم هو جاهل في معرفة الحسابات الاستراتيجية الإيرانية التي تتسم بالبراغماتية الشديدة.

ويمكن القول هنا أنّ لا أحد يعمل على كسب الجزء " إدلب والنظام " مقابل خسارة الأهم والأبعد " الدور التركي في معادلات الصراع ". فالنظام تنتظره استحقاقات الانتقال السياسي والتي تعني واقعاً جديداً يختلف عما يتخيله من إعادة انتاج نفسه.

الروس لن يقامروا بخسارة تركيا " الصديق الجديد " وبالتالي لا يريدون إحراجها بما ينتج عن هجوم يدعمونه في إدلب. 

يبقى أن نقول إنّ الدور التركي في الصراع على سورية تتم ممارسته بحذر شديد وبرؤية استراتيجية للمصالح العليا للدولة التركية دون خسارة لأي طرف بصورة تراجيدية، وهذا يكشف عن مقدرة عالية في استخدام " شعرة معاوية " التي لم تنقطع بعد بينهم وبين أي طرف آخر.