icon
التغطية الحية

بعد حزمة إجراءات وسياسات.. هل استقرت الليرة التركية؟

2018.08.23 | 19:08 دمشق

فئات من العملة التركية والأميركية (إنترنت)
مناف قومان - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

لا تزال الليرة التركية تحت الضغط عند مستويات فوق 6 ليرات للدولار؛ فالتحرك عند هذا السعر يشير إلى الحفاظ على المستوى الصاعد لزوج العملة (الليرة - دولار) من الناحية التقنية، بينما لم تصمد مستويات الدعم التي انخفض السعر إليها عند 5.7 بعد حزمة من الإجراءات والسياسات هدأت من روع الأسواق لعل أبرزها الاستثمارات القطرية المباشرة التي وعد بها أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني قُدِرت بـ15 مليار دولار، والتي بدأت أولى خطواتها عبر اتفاق مبادلة بالعملة الوطنية تصل قيمته إلى 3 مليارات دولار كمرحلة أولى من تنفيذ الحزمة الاستثمارية بين البنكين المركزيين التركي والقطري.

 

حزمة إجراءات وسياسات  
لا يختلف أحد أن هذا الشهر كان مضنياً على الحكومة والشعب التركي، ولكن هل انتهت هذه الموجة بتأثير الإجراءات المتخذة أم أن هناك موجات ارتفاع أخرى للسعر في الأيام المقبلة؟.

بجانب حزمة قطر الاستثمارية لم تهدأ وزارة الخزانة والمالية بإدارة "براءات ألبيرق" عن اتخاذ كل ما يمكنه أن يُطمئن المستثمرين ويخفف من وطأة الأزمة مع الولايات المتحدة والعقوبات المفروضة من طرفها، حيث اتفق الوزير يوم الإثنين مع نظيره الفرنسي عبر اتصال هاتفي على تعزيز وتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، وفي يوم الخميس الماضي صدر بيان عن وزارة المالية والخزانة جاء فيه أن تركيا لن تتهاون في التزامها بالانضباط المالي وخاطب "ألبيرق" نحو 6 آلاف مستثمر أجنبي وذكر أنه سيتم توفير التمويل من العملات الأجنبية من الأسواق الدولية،.

وكرر "ألبيرق" أن الهدف تخفيض التضخم وجعله دون 10%، وفي ندوة بعنوان "نمو الاقتصاد التركي في عهد العدالة والتنمية" في مركز سيتا صرّح ألبيرق أن بلاده ستبقى ملتزمة بقواعد السوق الحرة لتفعيل جميع الآليات اللازمة لمواجهة سعر الصرف ومن ثم كان هناك الموديل الاقتصادي الجديد وإجراءات البنك المركزي التركي في 13 أغسطس الذي ضخ عملة صعبة في الأسواق وخفض نسب متطلبات احتياطي الليرة بمقدار 250 نقطة أساس وتخفيض نسب الاحتياطي لمتطلبات الفوركس بمقدار 400 نقطة أساس، إضافة إلى استمرار الحملات الشعبية باستبدال الدولار بالليرة لدعم الاقتصاد الوطني كما دعا لذلك الرئيس أردوغان في خطاباته. ولكن تقرير للبنك المركزي يوم الخميس الماضي كشف عن زيادة حيازة العملة الأجنبية من قبل المستثمرين المحليين في تركيا لترتفع إلى 159.9 مليار دولار من 158.6 مليار دولار خلال أسبوع.

من ناحية المشاريع والإنتاج؛ صرّح الرئيس التركي في مؤتمر حزب "العدالة والتنمية" أن بلاده ستبدأ بحفر قناة إسطنبول بطول 43 كيلومترا والتي ستكون بديلا عن مضيق البوسفور وأهم مشروع استراتيجي للبلاد، كما أعلن وزير الصناعة والتكولوجيا التركي الشروع في خطة لتعزيز الإنتاج المحلي لمجموعة من السلع التي تستوردها تركيا بما يعادل 30 مليار دولار، وأعلن عن حزمة جديدة للصناعيين من الشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال.

تشهد البلاد في هذه الآونة عطلة لـ تسعة أيام من المتوقع خلالها أن تشهد الليرة استقراراً نسبياً. مع ذلك فكلا الأسواق العالمية والحكومة التركية تعملان طوال هذه الفترة لذا فالليرة تحت الأضواء حتى مع قضاء المواطنين لإجازاتهم.

 

هل نجحت الإجراءات المتخذة في تصحيح مسار الليرة؟
للإجابة عن السؤال الرئيسي للمقال فإن المستثمر مؤسسة كان أو شخصاً لا يكترث كثيراً بالإجراءات الآنية التي من شأنها أن تعطي حُقن مخدر للسعر وسط استمرار المسألة الأساسية التي أدت لانخفاض الليرة وعلى رأسها أزمة القس الأمريكي برونسون مع الولايات المتحدة يضاف إليها ملفات أخرى على الطاولة لا تزال غير محسومة بين البلدين، ومن ثم الوضع المالي غير المستقر للبنوك والشركات العامة والخاصة في البلاد إضافة إلى قضية استقلالية البنك المركزي عن إملاءات الحكومة وعدم جعل رفع معدل الفائدة على أجندة اجتماعاته الدورية، وأخيراً هناك معدل التضخم الذي لم تنجح الحكومة بالسيطرة عليه والبالغ عند 15.85% وهو الأعلى على الإطلاق.

اقتراباً إلى الوضع المالي للشركات والحكومة فهو مؤشر أكثر واقعية عن الاقتصاد التركي بعيداً عن المضاربة على سعر الصرف، فالشركات العاملة في مجال البناء والعقارات والطاقة تكافح للتحوط من انخفاض قيمة الليرة، وانكشفت البنوك التركية الممولة لتلك الشركات وباتت في دائرة المساءلة عن قروض مهددة بالجدولة والتعثر، وانزاح أثر انخفاض العملة على الشركات الصغيرة وتجار التجزئة أيضاً بفعل ارتفاع الأسعار.

انخفاض قيمة الليرة بحدود 40% سيصعّب على الشركات خدمة الديون بالعملة الأجنبية

أوردت تحليلات أن عجز الصرف الأجنبي للشركات غير المالية بلغ 217 مليار دولار في مايو/أيار الماضي مرتفعاً عن 74 مليار دولار في العام 2010 وهذه الزيادة ناجمة عن الاقتراض بشكل كبير بعد العام 2013. وحسب بيانات البنك المركزي فإن معظم الشركات المثقلة بالديون والعجز المالي هي الشركات المشاركة في مشاريع بين القطاع الخاص والعام في مجالات البنية التحتية والطاقة والنقل كما هو حاصل مع شركة "ليماك القابضة" التي تتصدر ذلك النوع من المشاريع حيث تقدر قيمة استثماراتها بـ43 مليار دولار يليها "جنكيز هولدنغ" و"كولين" بمبلغ 40 مليار دولار و MNG بقيمة 18 مليار دولار. وتحتل أيضاً مجموعة "آي سي" التي ساهمت في بناء الجسر الثالث في إسطنبول مكاناً بارزاً باستثمارات تقدر قيمتها بـ16 مليار دولار. وتشير تقارير إلى أن نحو 66 مليار دولار هي ديون المؤسسات غير المالية مستحقة الدفع خلال 12 شهراً القادمة ويتعين على البنوك سداد ما يقارب من 76 مليار دولار في نفس الفترة، ولا شك أن انخفاض قيمة الليرة بحدود 40% سيصعّب على الشركات خدمة الديون بالعملة الأجنبية وهذا سيرفع من نسبة القروض المتعثرة ويضغط على الملاءة المالية للشركات والمصارف وقدرتها على السداد.

وعلى صعيد آخر فقد خفّضت وكالتا "موديز" و"ستاندر آند بورز" التصنيف الائتماني السيادي لتركيا وتم تخفيض التصنيف الائتماني طويل الأمد للعملة المحلية. وهو مؤشر سيئ سيكون له تبعات على سعر الصرف لأنه يقلل من ثقة المستثمرين بالاقتصاد ويساهم في خروج الأموال الساخنة من الاقتصاد. كما أن قرارات ترمب بإضافة عقوبات جديدة لا تزال على المحك وهذا بدوره سيفرض ضغطا أكبر على الليرة، والكل في انتظار نتائج التضخم عن شهر أغسطس/آب الحالي وآلية البنك المركزي في علاج الارتفاع المستمر في المعدل العام للأسعار.

في المحصلة أنتهي بما بدأت به لا تزال الليرة تحت الضغط ومن المبكر الحديث عن أنها تجاوزت مناخ الأزمة، ولا يزال السعر فوق ست ليرات للدولار من الناحية التقنية في إطار الاتجاه الصاعد وهذا يعني أن الأسواق لم تقرأ الإجراءات المتخذة بالشكل الذي تريده الحكومة بعودة السعر إلى مستويات دون خمس ليرات، ومع ذلك مستوى 6 ليرات أفضل من 7 ليرات للدولار ويعطي مساحة جيدة لاتخاذ إجراءات وإرسال مزيد من التطمينات للمستثمرين.