icon
التغطية الحية

بعد ثماني سنوات..هل أصبحت الثورة جزءاً من تاريخ سوريا؟

2019.03.18 | 16:03 دمشق

غرافيتي على أحد جدران مدينة حلب(الذاكرة الإبداعية للثورة السورية)
تلفزيون سوريا - سامر قطريب
+A
حجم الخط
-A

لا تتعدى مقولة "التاريخ يكتبه المنتصرون" كونها جزءا من عملية تسويقية لها سياقها التاريخي الذي أفرزها لتبدو وكأنها حتمية تاريخية، في حين يبدو معقولا أكثر القول إن التاريخ يكتبه من يمتلك المال و وسائل الإعلام.

"البلد الذي مزقته الحرب"، "الحرب الأهلية في سوريا" و"محاربة الإرهاب"، عناوين أصبحت الأكثر تداولا في وكالات الأنباء العالمية وفي سائل الإعلام الغربية، الجميع يريد سماع أخبار المعارك ودحر الإرهاب في سوريا باعتباره الحدث، متناسين ثورة اندلعت منتصف آذار عام 2011 ضد نظام بشار الأسد.

روايات عدة حول توصيف الحدث السوري تتصارع اليوم لتزيح الثورة من تاريخ سوريا؛ رواية النظام السوري عن مكافحة الإرهاب والعنف الطائفي، ورواية الحرب الأهلية ومحاربة التنظيمات المتطرفة مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة، يضاف إليها مأساة اللجوء وخوف الغرب من موجات جديدة إلى أراضيه، لتتصدر بعد ثمانية أعوام على اندلاع الثورة ثنائية "اللاجئين وداعش" في توصيف أهم مرحلة تاريخية تمر بها سوريا. 

 

الحرب تمحو ما قبلها

وثق السوريون منذ بداية المظاهرات حراكهم السلمي، وعبروا عنه لاحقا بأشكال مختلفة على الصعيد الثقافي والفني و الفكري والجمالي، وسط محاولات النظام لمحو آثار الحراك السلمي وطمس معالمه من خلال سيطرته على وسائل الإعلام وتحريك أجهزته الأمنية.

لذلك برزت الحاجة ملحة أمام توثيق وأرشفة الثورة السورية باعتبارها الحدث، وحول ذلك تقول سنا يازجي مديرة مشروع الذاكرة الإبداعية للثورة السورية لموقع تلفزيون سوريا؛ " الذاكرة الإبداعية للثورة السورية تحول لأرشيف وثائق للمحافظة على ذاكرة حدث تم محاولة محوه من البداية، عندما كنا في بداية الثورة، وأنا جزء منها لاحظنا كيف بدأ النظام محو صور الغرافيتي عن الجداران على سبيل المثال، كل ذلك خلق لدينا خوفا من ضياع قصة السوريين".

وتضيف"باعتباري خريجة كلية فنون جميلة باختصاص غرافيك ديزاين، كان لدي أدوات معرفية حولت المشروع من مستوى المشاعر والوعي والهم السياسي إلى شيء ملموس، خوفا من ضياع الواقع والقصة التي سعى النظام لمحيها ونشر روايته الوحيدة، إذ كان ممنوعا على أي إعلام مستقل أن يدخل إلى سوريا وينقل صوت الناس".
ترى يازجي أننا عندما نتحدث عن "ثورة" لا نمحو ماكان قبلها أو ما حدث بعدها، لا نلغي النظام و ثقافته أما عندما نقول "الحرب" فالمراد هنا محو الثورة التي كانت سابقة عليها، مشيرة إلى أن الحضور  الإعلامي الكثيف للنظام والنصرة وداعش، كان ممنهجا لمواجهة الثورة السورية وتشويه مسارها ونتائجها.

 

الرواية القاتلة

اعتمد النظام السوري في الترويج لروايته على الإعلام المحلي التابع له وقنوات إعلامية لبنانية تتبع لإيران وميليشيا حزب الله اللبناني، إضافة إلى الإعلام الروسي بمختلف نسخه العربية والأجنبية، دون نسيان الاعتماد على الصحفيين والإعلاميين المعادين للإمبريالية العالمية.

ومع نهاية العام 2012 بدأت وسائل إعلام عديدة تستخدم مصطلحات "الحرب الأهلية" وتركز على تنامي التنظيمات الإسلامية المتطرفة والمقاتلين الأجانب، متجاهلة الميليشيات الأجنبية التي تقاتل إلى جانب الأسد.

هنا تشير "يازجي" إلى أن حصر القصة السورية بمحاربة الإرهاب هو الرواية القاتلة التي يستخدمها النظام كسلاح، وكأنه لا خيار بين "الإرهاب" و"الحرب الأهلية"، وتؤكد "هنا تأتي الثورة  كحدث غير وجه سوريا، سواء ربحت على الأرض كفعل سلمي حقوقي يطالب بالعدالة، وله مطالب اقتصادية للسوريين بمختلف انتماءاتهم، تشمل أيضا من اضطروا لحمل السلاح ،كل هؤلاء نحن نلغيهم عندما نقول كلمة "حرب"، أما بالوثائق نقول للجميع هكذا خرج السوريون..ولن يلغى ذلك سواء تحقق التغيير أو لم يتحقق".

 

ما أنتجته الثورة لا يشبه ما أنتجته الحرب

يضم موقع "الذاكرة الإبداعية للثورة السورية" أكثر من 27 ألف مادة باللغة العربية والإنكليزية والفرنسية، توثق الإنتاج الثقافي والفني والأدبي منذ بداية الثورة، مثل صورة الغرافيتي والأفلام والوثائقية والصور، وحتى الأعمال المسرحية والنصوص الأدبية، لتسهيل عملية البحث عنها والوصول إليها.

وتتضمن كل وثيقة معلومات دقيقة عن العمل الفني، كـ مكان الإنتاج وتاريخه وملكيّته، إضافة للسياق الذي أنتج ضمنه العمل.

وأوضحت يازجي أن الثورة ألهمت مواهب السوريين، وتم توثيق أعمالهم حسب مراحل الثورة بداية بسلميتها وصولا لمرحلة العسكرة، لافتة إلى أن إنتاج الثورة الثقافي والفني والفكري يختلف عن إنتاجات الحرب الكارثية التي أشعلها النظام وأسفرت عن قتل ونزوح ولجوء ودمار.

وتتابع"يوجد ثورة وإنتاج فكري ثقافي فني هائل شعبي ونخبوي عبر عن اللحظة التاريخية من تغير الواقع وعلاقة الإنسان بالمكان، جمعنا مئات ألوف الأعمال وهي أثر تركه السوريون بأماكن وجودهم، وأرشفنا وكتبنا وهكذا أصبح لدينا وثائق لا يمكن تكذيبها نحن كـ سوريين انتصرنا لأن روايتنا موجودة حتى لو لم يبق سوى الأسد وداعش، لقد تم التعبير عن مرحلة الحرب كــ واقع يومي معاش من خلال العسكرة ونتائجها واللجوء والحصار والشتات".

وتضيف يازجي أن الإنتاج الثقافي والروايات والسينما والفن تشهد على الثورة السورية كحدث تاريخي مفصلي، وأن تقاطع الروايات عن الثورة والحرب سيكون لصالح السوريين على المدى الطويل، لأن الذاكرة والوثيقة لا تمحيهم القوة ولا "النصر العسكري".

يانيس بيراكيس مصور وكالة رويترز العالمية الذي توفي مؤخرا قال سابقا بعد معايشته لمأساة اللاجئين إلى أوروبا "مهمتي هي أن أروي لكم القصة ثم تقررون ما تريدون... مهمتي هي التأكد من أنه لا يوجد شخص يمكنه أن يقول لم أكن أعلم".