بعد التصعيد الأميركي هل يذهب الفلسطينيون لإنهاء الانقسام؟

2018.09.13 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

اتخذت واشنطن الإثنين قرارا بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية لديها ردًا على تحركات الأخيرة في المؤسسات الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يمكن فهمه كخطوة إضافية في سياق سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه الفلسطينيين ومحاولتها إجبارهم على تقديم تنازلات كبيرة تتعلق بالعملية التفاوضية مع تل أبيب، تؤدي بشكل أو بآخر إلى إنهاء جوهر المشروع الوطني الفلسطيني الأمر المرفوض فلسطينيًا حتى الآن.

مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون عبر صراحة أن قرار بلاده الأخير يأتي لحماية إسرائيل من أي ملاحقة قضائية من محكمة الجنايات الدولية، مضيفًا "في حال استهدفت هذه المحكمة إسرائيل أو حلفاء آخرين لنا لن نقف مكتوفي الأيدي”، مشيرًا إلى أن واشنطن ستتخذ سلسلة من الإجراءات ضد المحكمة والعاملين فيها، مشددًا على أن الولايات المتحدة ستقف دومًا إلى جانب إسرائيل، مؤكدًا أن مكتب المنظمة سيبقى مغلقًا طالما يرفض الفلسطينيون الدخول في مفاوضات ذات مغزى مع إسرائيل على حد تعبيره.

قرار إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن جاء بعد سلسة إجراءات أميركية تستهدف بشكل واضح التضييق على الفلسطينيين، بدءًا من إعلان ترمب نقل سفارة بلاده إلى القدس،

الأخطر في نهج الولايات المتحدة تجاه قضية الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي ما يتعلق بملف اللاجئين الفلسطينيين الذي شكل على مدار عقود أحد أبرز عقبات التوصل لاتفاق سلام.

واعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل، مرورًا بالسماح بتمرير قانون يهودية الدولة، وليس انتهاءً بإيقاف الدعم الأميركي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) كمقدمة لإعادة تعريف أو توصيف اللاجئ الفلسطيني وحصر هذه الصفة بمن ولدوا في فلسطين قبل عام 1948 فقط.

لعل الأخطر في نهج الولايات المتحدة تجاه قضية الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي ما يتعلق بملف اللاجئين الفلسطينيين الذي شكل على مدار عقود أحد أبرز عقبات التوصل لاتفاق سلام، الأمر الذي يعطي العديد من المؤشرات على أن الإدارة الأميركية الحالية تنظر إلى عملية السلام في المنطقة بطريقة مغايرة عن كل ما سبقها من إدارات، وتسعى بشكل واضح إلى تحويل طموحات الفلسطينيين المتمثلة بالاستقلال وتقرير المصير إلى مجرد مشاريع حكم ذاتي تتبع إداريًا إلى الدول العربية المحيطة بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

اعتبر تقدير موقف صادر عن (المركز العربي للأبحاث) ونشره موقع (الجزيرة نت) أن قرارات واشنطن المتعاقبة فيما يخص الصراع مع إسرائيل وعلى رأسها وقف دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل، من خلال إنهاء قضايا الحل النهائي (القدس والحدود واللاجئين) التي تُعتبر جوهر الصراع، ما يعطي إطارًا واضحًا لملامح وأهداف صفقة القرن الأميركية المتوافقة إلى حد كبير مع اليمين الإسرائيلي.

وفق (المركز العربي) فإن الخلاصات المتعلقة بتحليل سياسة واشنطن تؤكد بأن ترمب لا يعترف بحل الدولتين، ويؤيد مفاوضات على حدود وهمية ضمن الأراضي الفلسطينية وسلطة إدارية على السكان فيها دون سيادة حقيقية، وهي الرؤية العملية لصفقة القرن المراد إجبار الفلسطينيين على القبول بها، لا سيما بعد تحييد ملف القدس والسعي لشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى جانب السماح باستمرار توسع الاستيطان الإسرائيلي على أراضي الضفة الغربية.

المشروع الأميركي/ الإسرائيلي يواصل أعماله في الشرق الأوسط دون أي ردود فعل عربية باستثناء بيان الجامعة العربية الذي استنكر الإجراءات الأميركية، مشيرًا إلى أنها تأتي في سياق تصفية القضية الفلسطينية، وهو ربما ما يمنح شرعية لوجهات نظر كثيرة ترى بأن الدول العربية –حاليًا- لا تعتبر فلسطين من أولوياتها وتسعى إلى تفاهمات مع واشنطن وتل أبيب بهدف تحجيم وتقييد نفوذ طهران وأنقرة في المنطقة مقابل الضغط على الفلسطينيين للانسجام مع الصفقة الأميركية.

من جانبها اعتبرت "القيادة الفلسطينية" أن قرار واشنطن الأخير بمثابة إعلان حرب، وأكدت على لسان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات أن "إجراءات الولايات المتحدة تمثل هجمة تصعيدية مدروسة سيكون لها عواقب سياسية وخيمة في تخريب النظام الدولي برمته من أجل حماية منظومة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه"، مشددًا على أن هذه القرارات لن تثني الفلسطينيين عن سعيهم للعمل مع المنظمات الدولية لمحاصرة دولة الاحتلال.

 السؤال المطروح في ظل الظروف الموضوعية والذاتية المحيطة بالقضية الفلسطينية هل تكفي مثل هذه المواقف المعلنة لإدارة معركة بهذا الحجم مع الأميركيين والإسرائيليين؟ خاصةً بعد الأخذ بعين الاعتبار مدى العجز الرسمي العربي، واستمرار حالة الانقسام الفلسطيني واستفحال الصراع بين السلطة وحماس على سراب حكم ذاتي من مخلفات اتفاق أوسلو الذي انتهى منذ اندلاع الانتفاضة عام 2000،

أدت حالة الصراع الداخلي المتواصل منذ العام 2007 إلى اختزال فعل وتأثير حركة فتح لتغطية مشروع السلطة الأمر الذي أدى فيما أدى إليه إلى تآكل شرعية منظمة التحرير الضعيفة أساساً.

ويعيش حاليًا في غرف الإنعاش القسري بفعل إصرار الرئيس الفلسطيني على اعتباره الأداة الوحيدة للفعل الفلسطيني في سياق البحث عن الاستقلال وإعلان الدولة، في حين تحتاجه حماس كغطاء لمشروعها في حكم غزة.

يحيط بالمشهد الفلسطيني سوداوية غير مسبوقة فقد أدت حالة الصراع الداخلي المتواصل منذ العام 2007 إلى اختزال فعل وتأثير حركة فتح لتغطية مشروع السلطة الأمر الذي أدى فيما أدى إليه إلى تآكل شرعية منظمة التحرير الضعيفة أساسًا، وسمح إلى حد كبير بانزياح قيمي طال معظم الثوابت وأفضى إلى ممارسات سياسية لم تكن مألوفة على صعيد العلاقات الفلسطينية كأن تتبنى السلطة علنًا فرض عقوبات على قطاع غزة المحاصر ويصرح أكثر من مسؤول فيها بمن فيهم الرئيس أن العقوبات لن ترفع إلا في حال تنازلت حماس عن حكم القطاع للسلطة الفلسطينية.

تعقيدات المشهد الفلسطيني داخليًا كثيرة ويزيدها سوءا اصطفاف كل من الجبهتين الشعبية والديمقراطية إلى جانب حماس بذريعة ضرورة إصلاح النظام السياسي وتفعيل أجهزة المنظمة، إلا أن كثيرا من الفلسطينيين اعتبر هذا الموقف من "اليسار الفلسطيني" انتهازية سياسية تهدف إلى زيادة حصصهم في التسويات المزمعة (داخليًا)، ومن جهةٍ أخرى ضمان الفصيلين لموقع متقدم في أي مستقبل قد يحمل نجاحًا لمشروع حماس -القديم الجديد- المتمثل بإنشاء إطار بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية مزهوة بالدعم الإيراني/ التركي/ القطري.

بعيدًا عن كل الشعارات المعلبة والتجارب التراكمية للنضال الفلسطيني في حال استمرار هذا الاقتتال على أوهام أوسلو وتكريس حالة الانفصال الجغرافي والسياسي ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة بكل ما أفرزه من ضربات قاسية للهوية الوطنية الفلسطينية الهشة أساسًا، فإن الواقع الفلسطيني مقبل على عقود من التيه عنوانها القتال من أجل استعادة مكتسبات هي أساسًا بمتناول اليد وعلى رأسها التخلص مجددا من وصاية النظم العربية، وهو ما حققته الحركة الوطنية الفلسطينية منذ ستينات القرن الماضي.