بريق في ظلمة الليل

2018.09.20 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

التظاهرات، التي خرجت خلال يومي الجمعة الفائتتين، 8 و15 من أيلول، في معظم المناطق المحررة التي تمتد من ريف حماة الشمالي إلى كامل محافظة إدلب والريف الشمالي والشرقي لمحافظة حلب، والتي رفعت في الجمعة الأولى شعار: المقاومة خيارنا، وفي الجمعة الثانية: لا بديل عن إسقاط الأسد، أعادت البريق الذي فقدته الثورة السورية بعدما غاب عنها أعواماً، نتيجة تعقيدات الوضع في سورية والصراعات التي تخوضها مختلف الدول الإقليمية والدولية على تقاسم النفوذ من جهة، والأكثر أهمية هول الفظائع بحق السوريين التي ترتكبها قوات النظام ومخابراته المدعومة من القوات الروسية والإيرانية.

الأمر الآخر الذي كشفته تلك التظاهرات هو تعلّق السوريين بهدفهم الذي خرجوا من أجله، الهدف الذي لا يموت بالتقادم، وما زالت أهميته راهنة، رغم تغيّر الأحوال وتعقد الظروف، رغم أنه يبدو للوهلة الأولى رومانسياً من حيث إمكانية تحقيقه. كما أظهرت مواقف السوريين في تلك المناطق التي تدحض بشدة أنهم "إرهابيون"، وأكدت أنهم يستحقون ما ناضلوا من أجله، ويستحقون الدعم الدولي الذي افتقدوه مؤخراً بحجة وجود "الإرهابيين". وهو الأمر الذي نجحت فيه آلة الدعاية الروسية ومن لفّ لفها من حركات اليسار واليمين الأوروبي، ومسوخه من العرب الذين صوّروا الثورة السورية ونضالات السوريين وتضحياتهم كمباراة كرة قدم بين فريقين، وقدموها لجمهورهم وللعالم "المتحضر"، كصراع بين الأسد والقاعدة.

الأمر الثالث الذي أكدته التظاهرات، وكانت عاملاً داعماً في تحقيقه، هو تأجيل الهجوم الذي يحضر له النظام بدعم من الروس والإيرانيين،

أصبحت قضية الخلاص من تنظيم "هيئة تحرير الشام"، المصنف إرهابياً من قبل الأمم المتحدة، والذي صنفته تركيا أيضاً في الفترة الأخيرة، قضيةً شعبيةً.

إن لم نقل إلغاءه، تماشياً مع الخيار الذي تقدّمه تركيا، وهي إحدى الدول الضامنة لمناطق خفض التصعيد التي أقامتها اتفاقات أستانا، بين الدول الثلاث الراعية لها (روسيا وإيران وتركيا)، وفرضت على الروس والإيرانيين إعادة التفكير بالتعامل مع تلك المنطقة، رغم العجرفة الروسية التي تظلّ تلوح بقضية مكافحة الإرهاب.

أصبحت قضية الخلاص من تنظيم "هيئة تحرير الشام"، المصنف إرهابياً من قبل الأمم المتحدة، والذي صنفته تركيا أيضاً في الفترة الأخيرة، قضيةً شعبيةً، فالسوريون في تلك المناطق أصبحوا مدركين تماماً لما يشكلّه هذا التنظيم عليهم وعلى حياتهم من تهديد وإعاقة لتطورهم وابتكار أشكال جديدة في إدارتهم. وموقف الهيئة في تظاهرات الجمعة الأولى (8 أيلول) الذي استخدمت فيه الذخيرة الحيّة ضد المتظاهرين الذين رفعوا شعار: "الجولاني لبرا"، خير شاهد على تضادها مع إرادة الناس وتطلعاتهم.

كانت مشاركة المرأة في التظاهرات أمراً واضحاً، وهو مؤشر على دخولها عالم السياسة الفعلي من باب الأحقية في صنع القرار، وتعبير عن الوضع الحقيقي للمرأة في إدلب وجوارها، التي تشارك في الكثير من المواقع الخدمية والتعليمية، من مدارس ودفاع مدني ومشافي ومراكز تأهيل ودعم للأطفال والنساء وورشات وحرف يدوية، وغيره من النشاطات الداعمة.

تفتح تلك التظاهرات، رغم صغر البقعة الجغرافية التي تشغلها، والمشاركة الواسعة للسكان فيها الذين يمثلون نموذجاً غير كامل لسوريا، الطريق نحو فضاءات داعمة للثورة السورية، في السعي نحو تحقيق قضايا راهنة ومهمة بغاية أن تصبح نموذجاً جاذباً، وأهمها الضغط المستمر لتوحيد الفصائل العسكرية وضبط مهامها في الدفاع عن الناس، وإبعادها عن الحياة اليومية للناس، والسعي لتأسيس جهاز أمني موحد يحمي الناس من الاعتداءات وعمليات الخطف والتعذيب، ويسعى للتقليل مع عمليات التفجير التي تحدث بين الحين والآخر، إضافة إلى تأسيس جهاز قضائي يسعى لتحقيق العدالة، واعتماد نهج تربوي وتعليمي وطني موحد.

الأمر الأكثر أهمية هو الدعوة إلى إجراء انتخابات محلية في موعد موحد، في كل المناطق المحررة،

نجحت التظاهرات إلى حد بعيد، إضافة إلى بعض التغيرات في المواقف الأوروبية والأميركية، في تحقيق أولى مهامها وهو الاتفاق الروسي التركي حول إدلب.

وفق قواعد تلتزم الحيادية والنزاهة وحق الجميع في المشاركة، من الرجال والنساء، لتشكيل مجالس إدارة محلية من جهة، ومجلس تمثيلي يشغل مهمة تمثيل السوريين في المفاوضات، إضافة إلى الهيئات المشكّلة في الخارج التي ما زالت تحظى باعتراف دولي وإقليمي، مما يوحد عمل المعارضة ويكسبها زخماً جديدًا وقوة تمثيلية شعبية لا يمكن تجاوزها.

لقد نجحت التظاهرات إلى حد بعيد، إضافة إلى بعض التغيرات في المواقف الأوروبية والأميركية، في تحقيق أولى مهامها وهو الاتفاق الروسي التركي حول إدلب، وهو اتفاق قد تحاول إيران أن تفسده وتسعى لإفشاله وخلط الأوراق من جديد، بقصد الحصول على مكتسباتٍ ما نتيجة لتشددها، خاصة بعد العقوبات والضغوط الاقتصادية عليها، الأمر الذي يدعو للحذر والتعامل الجدي مع كل استفزازاتها.

إن راية الثورة السورية، التي أضاءت بريقاً في ظلمة الليل، والتي تنفرد للمرة الأولى بكونها راية الثوار الوحيدة في التظاهرات، لا بد أن تكون حافزاً لنا جميعاً، في الداخل والخارج، للتفكير والعمل معاً من أجل ما يخدم أهداف الثورة، وتحقيق حدودها الدنيا: السعي الجدي للبدء في عملية انتقال سياسي جدي، يصل في نهاية المطاف إلى تحقيق نظام ديمقراطي بعيداً عن سيطرة العائلة الأسدية، ولتكن إدلب والشمال نموذجاً له.