انقلاب ظريف على الأسد.. والمعركة التي تلوح في الأفق

2019.02.27 | 23:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

حتى وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، لم يستطع تحمّل التجاوزات مع بشّار الأسد. قدّم ظريف استقالة في لحظة مفصلية من التطورات التي تعصف بالمنطقة. وقد اختار لحظة لافتة للإقدام على تلك الخطوة، وهي الزيارة التي يجريها رئيس النظام السوري بشار الأسد وحيداً إلى إيران.

بدا الأسد وكأنه قد تمّ استدعاؤه، بزيارة على عجل، لا تمثّل زيارة رئيس دولة. وهذا ما عبّر عنه ظريف بطريقة أو بأخرى حين اعتبر أنه يستقيل لأنه لم يتم التنسيق معه في هذه الزيارة ولم يحضر اللقاء الذي عقده الأسد مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، ومرشد الجمهورية علي خامنئي، بينما اللافت كان هو حضور قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ومعروف مدى الصراع بين الحرس الثوري والديبلوماسية الإيرانية.

وليس تفصيلاً أن يستقيل ظريف بسبب الأسد، واندلاع تحركات احتجاجية في السودان بعد زيارة عمر البشير إلى دمشق ولقائه الأسد أيضاً. بشار الأسد تحوّل إلى عبء على كل الدول والقوى الداعمة له. استقالة ظريف، تؤشر إلى انتصار القوة المتشددة في طهران، لكن الإشارة اللافتة والتي مرّت مرور الكرام، في استقالة ظريف، هو كلامه بأن زيارة الأسد أفقدته مصداقيته مع المجتمع الدولي، وهشّمت صورته. قد يضع ظريف هذا التصريح في خانة تهميش دوره كوزير للخارجية، لكن بلا شك أن الزيارة لها أبعاد أخرى، تتعلّق بعمل ظريف الحثيث مع المجتمع الدولي للوصول إلى تفاهم مع إيران. وكأن في كلامه تعبير عن العبء الذي يشكّله الأسد على طهران في أي جولة مفاوضات قد تدخل فيها مع القوى الغربية. بمعنى أن طهران لم تعد قادرة على تحمّل الأسد إلا في سوريا وعلى أشلاء الشعب السوري.

ليس تفصيلاً أن يستقيل ظريف بسبب الأسد، واندلاع تحركات إحتجاجية في السودان بعد زيارة عمر البشير إلى دمشق ولقائه الأسد أيضاً. بشار الأسد تحوّل إلى عبء على كل الدول والقوى الداعمة له

كانت زيارة الأسد عبارة عن مطلب إيراني ملّح، أجبر الروس على القبول به، ليس بالضرورة أن يعتبروا الأسد قد خرج من يدهم. هناك حالة معقدة من التوازن بين الطرفين، وحاجاتهما لبعضهما البعض. لا تريد إيران استفزاز الحسابات الروسية، ولكن أيضاً الروس يسمحون بالزيارة لأنهم بحاجة لإيران على أرض الواقع. والأسد يريد إيران كما يريد روسيا. لكن بلا شك أن المشهد، يشير إلى أن لعبة الأوراق ما تزال غير مكشوفة، وقد تستثمر روسيا زيارة الأسد إلى إيران في لعبة الإبتزاز وتحسين الشروط مع الأميركي وغير الأميركي، وليس التعمّد من قبل المسؤولين الإيرانيين بالإشارة إلى رفض المنطقة الآمنة واعتبارها مؤامرة، إلا رسائل موجهة إلى تركيا أيضاً التي تريد إنشاء المنطقة الآمنة. وبالتالي قد يسمح الروس بتلك الزيارة لإبتزاز الأتراك أكثر. وهذا يعني أن الروس يقدّمون انفسهم كحاجة إلى الجميع.

تأتي زيارة الأسد كحاجة معنوية قصوى لإيران، التي لم يزرها طوال السنوات السابقة، ولتوجيه الشكر لطهران على جهودها. أما على المستوى الإستراتيجي فلا يمكن الإعتداد بالزيارة لاعتبارها ستكون فاتحة توقيع على اتفاقيات استراتيجية بين الطرفين، خاصة أن الأسد وحده. وهو ليس لديه طموح أكبر من اللعب في المكان الآمن وليس الخطر، فلا الإيراني يريد خسارة روسيا، ولا موسكو تهدف إلى خسارة طهران، وما يزال من المبكر الحديث حول الصراع على الجهة التي ستكون مسيطرة على المشهد السوري بكامله، والتي يمكن الرهان عليها في حصول خلاف روسي إيراني.

من يعرف الإيرانيين، يعلم أنه عندما تعمل إيران على استخدام اللعبة الإعلامية ونشر الصور والإدعاءات يكون ذلك تعبيراً عن عجز إستراتيجي،

ذهاب الأسد إلى إيران وحيداً، له دلالات كثيرة، ويشير بإرسال رسائل استرضاء للروس، بمعنى أن الأسد في طهران والدولة في سوريا، وبالتالي روسيا تشير إلى أنها هي الممسكة بكل المفاصل السورية، وهذا ما استجابت له إيران من حيث الشكل في الزيارة، التي كان فيها الأسد وحيداً، ولم يتم رفع العلم السوري في اللقاءات التي عقدها. وهي تشبه إلى حدّ بعيد الزيارة التي أجريت للأسد إلى سوتشي بحيث أيضاً أخذ وحيداً، فلا يمكن أن تستقبله إيران على رأس وفد.  

حرصت إيران على إستخدام العامل الدعائي للإضاءة على زيارة الأسد، ومن يعرف الإيرانيين، يعلم أنه عندما تعمل إيران على استخدام اللعبة الإعلامية ونشر الصور والإدعاءات يكون ذلك تعبيراً عن عجز إستراتيجي، بينما في حالة الإنجاز الجدّي يعمل الإيرانيون سرّاً وتظهر النتائج الإستراتيجية في مرحلة لاحقة. وعلى رأس قائمة هذه الرسائل التي تريد طهران توجيهها، هي الرسالة الموجهة إلى بعض دول الخليج، التي أعلنت عن إعادة العلاقات مع الأسد، لأجل إخراجه من الحضن الإيراني، فتأتي الزيارة لتمثّل ذوبانا أكثرً من قبل الأسد في الحضن الإيراني.

ما بين زيارة الأسد إلى إيران، واستقالة ظريف، وقبلهما من تصنيف بريطاني جديد لحزب الله بشقيه السياسي والعسكري على قائمة المنظمات الإرهابية، فإن كل تلك المؤشرات تفيد بأن المنطقة مقبلة على تطورات خطيرة، تستند إلى التصعيد الذي يتنامى، وبلا شك يسبق أي جولات تفاوضية جديدة للوصول إلى تسويات، تلك التسويات لن ترسم إلّا بعد معارك سياسية وقد تتطور إلى معارك عسكرية، ليس بشكل مباشر مع إيران بل مع حلفائها في المنطقة، ولذلك لا بد من انتظار التطورات في الأشهر القليلة المقبلة، وربما ما بعد الانتخابات الإسرائيلية.