اليوم العالمي للمرأة السورية

2019.03.07 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

هل يمكن تحديد معنى وجود يوم عالمي للمرأة في لحظتنا هذه خارج مشهد المرأة السورية، وما تبثه من معاني تستوجب التوقف والتأمل وإعادة إنتاج الأفكار والقيم؟ في كل لحظة من لحظات عيشها تنتج المرأة السورية عالما عصيا على التعريف، يتعالى على السياسة وعلى الظروف، ويصر على الوجود والانبعاث من رماد الخراب والتدمير والاغتصاب.

كشفت لنا مسيرة الثورة السورية مدى ارتباط المرأة بفكرة الحرية فالأطفال الذين خطوا على الحيطان عبارات إسقاط النظام كانوا في مرحلة الالتصاق بأمهاتهم، ولم تجرفهم بعد مخاوف النضوج ومفاهيم الحسابات والاعتبارات.

الحرية التي زرعت فيهم كانت مساحة اللعب والحلم والأمل، وكل

المرأة تنتج الجغرافيا ومفهوم الثبات في المكان، وهي حارسة الأمكنة وذاكرتها وصانعة فكرة المنزل ومنتجتها في جسدها وفي حياتها اليومية

هذه العناوين كانت عناوين نسائية قبل كل شيء، وهذا ما يفسر أن أعتى آليات حرب النظام الأسدي على الثورة كانت من خلال الاغتصاب المنهجي للنساء.

يعرف النظام خطر المرأة على وجوده وربما لا يجيد تحديده ولكنه يحسه ويحياه، فالمرأة تنتج الجغرافيا ومفهوم الثبات في المكان، وهي حارسة الأمكنة وذاكرتها وصانعة فكرة المنزل ومنتجتها في جسدها وفي حياتها اليومية.

قد يكون ممكنا إعادة إعمار المدن المدمرة والتخلص من آثار الحرب ولكن فعل الاغتصاب يجعل هذا الأمر منفصلا عن معنى عودة الحياة في حال نجاحه.

المغزى العميق للاغتصاب هو زرع خراب المكان وخراب الروح داخل الجسد حتى يستبطنه ويعيد إنتاجه، متيحا بذلك المجال لاستمرار الزمان الأسدي وما يمثله من قيم.

يسعى الاغتصاب إلى تفخيخ أجساد النساء بعالم الحرب المضاد للأنوثة وتحويلهن إلى معامل تفريخ لهذا العالم.

كانت القصة التي روتها إحدى الناجيات من مسالخ الاغتصاب الأسدية لافتة في دلالتها على هذا البعد، إذ روت تلك الشاهدة أن جنود النظام كانوا يقولون للنساء الليلة سنغتصبكن كي تنجبن أجيالا تحب الرئيس.

المقاربة بين حب الرئيس وبين فعل الاغتصاب بما فيه من عنف مفتوح ومطلق باهرة في دلالاتها لأنها توضح أن حب الرئيس ليس سوى منتج اغتصابي، وأن المرأة السورية في طبيعتها وفي عمقها لا يمكن إلا أن تنجب أجيالا تحتقر الرئيس.

يخشى النظام المرأة السورية وكذلك يفعل العالم كله لأسباب عديدة تحتاج دراستها إلى جهود بحثية جدية ومعمقة، ولكن ما يمكن تسجيله في هذا الصدد يرتبط بفكرة التصاق صورة الهوية السورية بالمرأة في كل مكان أو موقع أو ظرف تكون موجودة فيه، فهي لم تصبح منفية ولا لاجئة ولا ضحية، بل بقيت في كل الأحوال المرأة السورية.

ما يدل على ذلك أن أقوى أصوات الإدانة التي وجهت إلى آلة القتل كانت صوتا نسائيا خرج إلى النور حين قررت نساء سوريات تعرضن للاغتصاب الخروج إلى العلن والكشف عن هذه الجرائم. شكل هذا الخروج غير المسبوق لضحايا اغتصاب إلى العلن نوعا من استمرار مفتوح للثورة ضد الأسد ومن يماثله في المنطقة، في اللحظة التي بدا فيها للجميع أنه ربح المعركة وأن كل شيء قد بات جاهزا لإعادة إنتاج زمنه وأخلاقه.

أهداف الاغتصاب تتمثل في إحلال الصمت والوجوم والقضاء على الكلام والتعبير، ولكن مواقف النساء السوريات اللواتي وثقن ما تعرضن له أخرجت الاغتصاب من عالمه، وحرمته من أن يكون سلاح دمار شامل، وحولت فظاظته المفتوحة ونزعاته الإبادية إلى فعل سياسي بامتياز في اللحظة التي أقفلت فيها أبواب السياسة.

تتفق كل التيارات الأصولية والعسكرية على  قمع صوت المرأة لأنه صوت ينمو ويزدهر في السلم والأمان وينطوي على نزعة عامة نحو العقلنة. ليس من قبيل الصدفة تزامن أبشع وأضخم عملية اغتصاب منهجي للنساء في سوريا مع نشاط لافت تبذله التيارات الأصولية في سبيل إخفاء صوت المرأة، فعلى سبيل المثال أعلن حزب الله اللبناني منذ فترة عن إيقاف تشغيل النساء

المرأة السورية تقدم في سيرتها وفي حضورها اليومي وفي تفاصيل العيش التي تصر على صناعتها في كل مكان

في مؤسساته الحزبية، وأطلق حملات دعائية عامة ومبرمجة ضد مشاركة المرأة في المجال العام ودعوات لحصر دورها في الشأن المنزلي وحسب.

 يشهد منسوب العنف الموجة ضد النساء ارتفاعا قياسيا  كاشفا عن إجماع خفي بين كل الأنظمة على طمس معالم حضور المرأة في كل الميادين، ولكن المرأة السورية تقدم في سيرتها وفي حضورها اليومي وفي تفاصيل العيش التي تصر على صناعتها في كل مكان، سواء في مخيمات البؤس أو في المحافل الدولية خطاب نجاة محكم ومتماسك. يقول هذا الخطاب في كل لحظة إن كل ما تعرضت له من قتل وتنكيل واغتصاب وإن كل البؤس الذي تغرق فيه حاليا ليس سوى لحظة عابرة لن يتاح لها التحول إلى زمن كامل الأركان كما تشاء له المنظومة الأسدية وأشباهها في المنطقة.

فعل النجاة الذي تصنعه المرأة السورية في كل لحظة يسمح للمستقبل بأن يكون حيا وممكنا، ولعل في هذا البعد تحديدا يكمن ما يستحق أن يكون عالميا وأن يتم الاحتفال به على الدوام وليس في يوم واحد.