النفط الإيراني.. مأزق الملالي والأسد

2019.07.09 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قامت سلطات حكومة جبل طارق التابعة لبريطانيا الأسبوع الماضي باحتجاز ناقلة نفط إيرانية تدعى "غريس-1” وذلك أثناء مرورها في المضيق باتجاه سوريا لتفريغ حمولتها لصالح مصفاة بانياس التابعة لنظام الأسد. أدّت العمليّة إلى توتّر دبلوماسي بين طهران ولندن حيث اعتبرت طهران أنّ العملية بمثابة قرصنة، منكرةً في نفس الوقت أن تكون الشحنة متّجهة الى النظام السوري. في المقابل، أشادت الرئيس الوزراء البريطانية ماي بما أسمته " الإجراء الحازم لتطبيق عقوبات الاتحاد الأوروبي على النظام السوري" مشيرةً الى أنّ هذه العملية تعتبر بمثابة رسالة عن عدم القبول بخرق العقوبات المفروضة على النظام السوري منذ العام 2011. 

وفقاً للمعلومات التي أتاحتها خدمات "تانكر ترايكر" و "كبلر" لتتبّع السفن، فإنّ غريس-1 كانت قد عبّأت حمولتها من النفط الخام في خرج الإيرانية في 17 من أبريل الماضي، لكن بدلاً من أن تتجّه من البحر الأحمر إلى سوريا في مسافة تقدّر بحوالي ٤١٠٠ ميل، قامت بالدوران حول القارة الإفريقية عبر رأس الرجاء الصالح ومن ثم من خلال مضيق جبل طارق باتجاه شرق البحر المتوسط في رحلة يبلغ طولها حوالي ١٤٥٠٠ ميلا.

يرى بعضهم أنّ السبب الرئيسي لهذا الالتفاف هو عدم قدرة ناقلات النفط الإيرانية على المرور بقناة السويس حيث تمّ منع عدد منها سابقا أثناء توجّهها إلى سوريا

أمّا سبب هذا الدوران الذي كانت تسلكه الرحلات البحرية قبل حوالي قرن ونصف من إفتتاح قناة السويس، فيعزوه الخبراء إلى عدّة أسباب. منهم من يقول إنّه يأتي في سياق عملية التهرّب من العقوبات الأميركيّة المشدّدة، حيث تلجأ بعض ناقلات النفط الإيرانية إلى اتّباع مسارات غير تقليدية أو إلى إطفاء جهاز التتبّع الموجود على ناقلاتها كي يصعب معرفة موقع الناقلة أو وجهتها النهائية.

ويرى البعض أنّ السبب الرئيسي لهذا الالتفاف هو عدم قدرة ناقلات النفط الإيرانية على المرور بقناة السويس حيث تمّ منع عدد منها سابقا أثناء توجّهها إلى سوريا، لكن آخرين يعتقدون أنّ عقبات تقنية تحول دون مرورها بقناة السويس بسبب حمولتها، ولأنّها غير قادرة على ضخ جزء من الحمولة في الأنبوب الذي ينقل النفط الخام إلى الضفّة الأخرى من القناة بسبب امتلاك السعودية حصّة فيه، فإنّها تضطر إلى أن تسلك المسار الطويل.

وبغض النظر عن السبب الحقيقي، فإنّ ضبط ناقلة النفط الإيرانية يشير إلى أنّ الغرب عزّز من قدراته على متابعة الخروقات الإيرانية للعقوبات وعمليات التهرّب التي يتّبعها النظام الإيراني. الناقلة غريس-1 لم تكن تخرق العقوبات على إيران وعلى نظام الأسد فقط، إنما كانت تحمل نفطاً إيرانياً مسجّلاً على أنّه نفط عراقي. بمعنى آخر، هناك استغلال وتوظيف لدول أخرى من قبل نظام الملالي لمنافع ذاتية!

من المنتظر أن تؤدي ملاحقة الخروقات الإيرانية إلى تشديد الخناق على النظام الإيراني مع الانخفاض الهائل في صادراته من النفط، فباستثناء بعض الشحنات المتواضعة التي لا تزال تذهب الى الصين وبعض الدول، هناك مشكلة اقتصادية حقيقية لطهران إذا ما استمر الأمر على حاله، لا بل إنّ الأمر مرشّح للتدهور مع سعي إدارة ترمب لفرض المزيد من العقوبات من خلال سياسة "الضغط الأقصى" لتصفير صادرات إيران من النفط.

في المقابل، من المنتظر أن ينعكس تدهور الوضع الإيراني إلى زيادة الضغوط على نظام الأسد أيضاً. تدعم إيران منذ عدّة سنوات نظام الأسد بكميات من النفط وذلك كجزء من الدعم الأوسع السياسي والمالي والعسكري الذي تقدّمه طهران لحليفها منذ اندلاع الثورة السورية. وتشير الإحصائيات إلى أنّه ومنذ العام 2017 يتلقى النظام ما معدّله حوالي 50 ألف برميل من النفط يومياً على الأقل، أي ما يبلغ معدّله من ناحية القيمة حوالي مليار دولار سنوياً. وبعد سيطرة الميليشيات الكردية على حقول النفط الرئيسية في شرق البلاد، أصبح اعتماد نظام الأسد على إيران في هذا المجال أكثر أهمّية بالنسبة له.

لا تقدّم طهران دعماً مجانياً بطبيعة الحال، وبما أنّ نظام الأسد لا يمتلك ما يسدد به قيمة مثل هذا الدعم، فقد حصلت إيران في المقابل على امتيازات تجارية واقتصادية

لا تقدّم طهران دعماً مجانياً بطبيعة الحال، وبما أنّ نظام الأسد لا يمتلك ما يسدد به قيمة مثل هذا الدعم، فقد حصلت إيران في المقابل على امتيازات تجارية واقتصادية غير مسبوقة في البلاد بما في ذلك السيطرة على قطاعات اقتصادية متعدّدة. في نهاية العام الماضي، ونتيجة للعقوبات الأميركية على نظام الملالي، لم تستطع إيران إرسال الشحنات النفطية إلى نظام الأسد، الأمر الذي انعكس على شكل أزمة إقتصادية خانقة للنظام والمناطق التي يسيطر عليها لدرجة أنّها دفعت شرائح واسعة من أنصاره وداعميه الى الاعتراض علناً على الوضع المزري.  

وخلال ستة أشهر من نوفمبر الماضي 2018 وحتى مايو 2019، تمّ تسجيل وصول شحنة نفط واحدة من إيران للأسد بحمولة حوالي مليون برميل نفط. وبالرغم من أنّ بعض المعلومات تشير إلى أنّ شحنة أخرى كانت ترسو قبالة الساحل السوري نظراً لعدم تمكنها من تفريغ حمولتها إثر انفجار الأنبوب البحري التابع للنظام والخاص بنقل النفط، إلا أنّه مع مصادرة الناقلة "غريس-1"، من المتوقع أن يعاني نظام الأسد مجدداً. فالآبار في شرق البلاد لا تزال تحت سيطرة الميليشيات الكردية، كما أنّ شاحنات تهريب النفط الإيراني التي تصل إلى سوريا عبر العراق لا تستطيع سد الفراغ وتلبية المتطلبات.

يبقى للنظام خيار روسيا على اعتبار أنّها واحدة من كبار منتجي ومصدري النفط في العالم، لكن لم يُعرف عن موسكو هي الأخرى تقديم دعم مجاني، لذلك إن قررت التدخل لصالح نظام الأسد فسيكون ذلك على حساب الجانب الإيراني أولا، وعلى حساب سوريا كذلك، إذ كما كان الحال مع طهران، ستسعى موسكو إلى استقطاع ثمن هذا الدعم من خلال الاستيلاء على المزيد من مقدّرات الدولة السورية لسنوات طويلة قادمة.