icon
التغطية الحية

النساء في حلب ومرارة الحصار والتهجير

2018.12.22 | 15:12 دمشق

تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

في الساعة الحادية عشرة من ليلة 22 /12/2016 خرجت آخر قافلة تضم ما تبقى من مقاتلي فصائل المعارضة السورية من مدينة حلب، معلنة سقوط عاصمة البلاد الاقتصادية بيد قوات نظام الأسد وميليشياته بعد أشهر من الحصار الخانق والقصف العنيف الذي خلف عشرات المجازر في صفوف المدنيين.

سقوط المدينة وما سبقها من أيام رعب عاشها السوريون وهم يترقبون مصير آلاف المدنيين المحاصرين تحت رحمة القصف الجنوني، واحتمال ارتكاب قوات النظام وميليشياته مجازر مروعة بحق المدنيين المحاصرين بما بقي من أحياء محاصرة، شكل هزة عنيفة ما زالت ارتداداتها تعصف بالثورة السورية إلى اليوم.

هذه الهزة التي كانت بداية لسلسة من الهزات المتتالية والتي خسرت بها الثورة السورية أهم معاقلها في ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي، تلتها الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، ومهد الثورة السورية محافظة درعا بالإضافة لمحافظة القنيطرة جنوب البلاد.

بالعودة لتلك الساعات والأيام القليلة التي سبقت سقوط حلب، لا بد من استحضار تلك الأيام التي سبقت تهجير المدنيين، وما شهدته من حصار ودمار ومجازر طالت جميع الأحياء الشرقية في حلب.

طبعا أيام الرعب تلك طالت معظم المحاصرين لكن كان للنساء النصيب الأكبر من الرعب والمعاناة في تلك الأيام، خاصة أنهن كنّ بمواجهة نظام أثبتت تجارب السوريين الطويلة معه بأنه لا يراعي أي حرمة للنساء، ولا يملك أي رادع أخلاقي أو ديني من ممارسة كافة المحرمات والموبقات بحق أي شريحة من شرائح المجتمع السوري.

شام الحلبي ناشطة إعلامية كانت ضمن آخر قافلة مدنيين خرجت من مدينة حلب، تروي في الذكرى السنوية الثانية لسقوط حلب لتلفزيون سوريا تجربتها مع تلك الأيام والساعات القليلة التي سبقت تهجيرها من المدينة.

تقول شام بأن الحملة بدأت في الشهر الخامس عام 2016 وذلك من خلال قصف بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة وغارات متواصلة من الطيران الحربي والمروحي

أصبح فقدان أعزاء لنا من أهلنا شيء روتيني، في ظل حالة من العجز التام خاصة بنقل المرضى والمصابين بعدما استهدف النظام معظم المشافي والمستوصفات والمراكز الطبية.

للطيران الروسي وطيران النظام، حيث وصل معدل الغارات الجوية في تلك الفترة ما بين 40 – 50 غارة جوية، ولم يمر يوم بدون ارتكاب مجزرة كان جل ضحاياها من الأطفال والنساء وكبار السن، ليبدأ بعد ذلك تضييق الخناق على المدنيين من خلال تقدم قوات النظام باتجاه الأحياء السكنية المكتظة بالمدنيين.

وتضيف شام بأن أوضاع المدنيين بدأت تسوء يوم بعد يوم، وبالنسبة لنا نحن النساء كانت الفترة غاية في الصعوبة وخاصة على حياة من يحيط بنا فمع استمرار القصف العنيف والحصار الخانق أصبح خروج أي شخص من البيت لشراء ربطة خبز مثلاً قد يكون الخروج الأخير له، وأصبح فقدان أعزاء لنا من أهلنا شيء روتيني، في ظل حالة من العجز التام خاصة بنقل المرضى والمصابين بعدما استهدف النظام معظم المشافي والمستوصفات والمراكز الطبية.

ومن المواقف الصعبة التي ترويها شام في تلك الفترة عندما تعرض مبنى الطفل وكفالة اليتيم التي كانت تعمل به للقصف العنيف، والذي كان مكتظاً بالأطفال اليتامى وأمهاتهم الأرامل، وخاصة مع اشتداد القصف وسقوط القذائف فوق المبنى والذي ترافق مع بكاء الأطفال وعويل الأمهات، والعجز التام أمام هذا المشهد.

لكن الأسوأ لم يكن قد بدء على حد وصف شام، والتي تعتبر تقدم النظام وميليشياته في الأحياء الشرقية الأكثر قسوة والأكثر رعباً، وخاصة على النساء مع انتشار ظاهرة انتحار بعض النساء في حي الفردوس خوفاً من أن تقوم قوات النظام وميليشياته بالاعتداء على أعراضهن وشرفهن كما حصل في بعض الأحياء التي دخلها النظام بشكل مفاجئ وقام باغتصاب النساء أمام الأهالي.

هذا الموقف شكل لحظة فارقة بحياة الكثير من النساء، خاصة في مدينة محافظة كمدينة حلب، وفق ما تؤكد شام التي تصف هذا الموقف بأنه الأقسى طوال فترة الحصار والقصف الجنوني.

وتكمل شام روايتها عن تلك الفترة بالحديث عن الفترة التي سقطت بها معظم أحياء المدينة، وتجمع معظم المدنيين في الأحياء الأربعة الأخيرة (جزء من حي سيف الدولة، وحي الزبدية، وجزء من حي صلاح الدين، وحي المشهد) ثم تجمع أغلب المدنيين في حي المشهد والذي كان الأكثر أمنناً كونه يتوسط هذه الأحياء المحاصرة، لكنه أصبح مكتظاً بشكل كبير جداً، ولم تعد المنازل تتسع للمدنيين الذين كان أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن.

وتصف شام شعورها وشعور معظم النساء في تلك الفترة بأنه أقرب للانهيار العصبي ممزوج بحرقة قلب وخوف شديد، وتقول "إننا لم نكن نعرف مصيرنا – هل سنموت؟ هل سنهجر؟ ما المصير المجهول الذي ينتظرنا؟"

وبعد صدور قرار التهجير تواصل شام حديثها عن المعاناة التي تواصلت في تلك الساعات، وتقول "كانت فترة شتاء قارص

كثير من النساء كنّ يخفينَ مسدسات داخل الباصات كي يطلقن النار على أنفسهن في حال حاول أحد حواجز النظام وميليشياته الاعتداء عليهن

والمنطقة التي كنا محاصرين فيها تفتقر لأبسط المقومات فلم يعد هناك طعام ولا ماء بالإضافة للبرد القارص والخوف الذي لم يفارقنا، وبقينا هناك لمدة يومين حتى قدوم الباصات التي توقفت بعد الخلاف الذي حصل بعد التفجير الذي استهدف باصات كفريا والفوعة وأصبحنا عالقين في الباصات، لمدة 33 ساعة أخرى لم نستطع النزول من الباصات، ونحن بدون ماء وبدون طعام في ظل برد شديد، ومرة أخرى لم نعد نعرف مصيرنا".

ومن الأشياء التي تذكرها شام حول تجربة الخروج بالباصات هو أنها بالإضافة لكثير من النساء كنَ يُخفينَ مسدسات داخل الباصات كي يطلقن النار على أنفسهن في حال حاول أحد حواجز النظام وميليشياته الاعتداء عليهن.

 ورغم مرور عامين على سقوط مدينة حلب، ما تزال ذاكرة السوريين الذين عاصروا تلك الفترة، تختزن آلاف القصص والمآسي عن تلك الفترة، بينما غيب ركام المباني المدمرة في المدينة آلاف المآسي الأخرى التي لن تروى أبداً.