المكتبة السرية والجنرال..ارتباط حكم النظام بالأساطير والخرافات

2019.02.03 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في عام 2011 عندما اندلعت الثورة السورية بدأ الحديث بخوف وهمس بين العلويين عما يسمى "نهاية الدور" وهو يعني نهاية حكم آل الأسد لسوريا، وهو حسب الجفر 40 سنة، من هذه الجزئية تبدأ فصول رواية "المكتبة السرية والجنرال" للروائي خيري الذهبي، التي صدرت عن دار الأهلية في عمان عام 2018.

فالكتاب كان يتحدث عن انتهاء حُكْم "طاغية يفوق الفرعون، ويفوق النمرود، ويتفوّق ابنُه حتى على تيمور، والنبوءة تقول إن لهذا الطاغية دورًا سينتهي مع مرور أربعين سنة من الحكم، هذا الدور الذي سينقضي لتحلّ محله دولة الأمن والعدل. بينما الطاغية يؤمن "بعودة العدل إلى أنصار الشهيد ابن الشهيد"، لذا لا بد من إتلاف النسخة الأصلية من هذا الكتاب.

 

إخفاء النسخ الأصلية

في هذه الرواية تتداخل الخرافة والعلم والواقع والخيال، أوليس واقعنا أغرب من الخيال! يعلم الجنرال الذي أسماه الكاتب مسعود بنهاية حكمه ونهاية حكم طائفته، حسبما يقول كتابهم المقدس، الجفر، الممنوع أساساً من التداول بين الناس، ولكن النظام يريد أن ينتهي من هذا الموضوع الذي كثر الحديث عنه في السر، فيصدر نسخة من الجفر، ولكنها مزورة بحيث لا تتكلم عن نهاية الدور، ويتم توزيع هذه النسخ بشكل كبير في الأسواق والمكتبات. ويتم إخفاء أغلب النسخ الحقيقية للجفر، إلا نسخة واحدة موجودة في مكتبة عائلة عريقة في العلم والترجمة وتتوارثها كابراً عن كابر عبر مئات السنين، تسمى عائلة الترجمان اليازجي. 

هنا يتدخل الجنرال -الذي أسمته الرواية مسعود- بكل قواه وكل أساليبه كي يحصل على النسخة الحقيقية للجفر، وكل أحداث الرواية تدور في هذا السياق البوليسي، فيحاول عبر كل السبل الوصول إلى هذه المكتبة السرية، وهو كان قد قرأ عن هذه المكتبة من خلال مذكرات بريطانية تدعى ليدي مالرو، كانت قد تنكرت بدور جارية في بيت الشيخ محي الدين كي تكتشف هذه المكتبة وتكتب عنها.

الشيخ محيي الدين اليازجي الخبير بالخطوط واللغات والخطيب والإمام في مسجد العائلة ينتزع منه عنوة، لأنه لم يدن بالولاء للطاغية، والأغرب من هذا أنه يرسب في فحص وزارة الأوقاف، فيمضي بقية عمره معتكفاً داخل مكتبته الذاخرة، وبعد أن توفيت زوجته وله منها ولد واحد يسمى صلاح تزوج بامرأة صغيرة السن، وبعد عدة محاولات حمل فاشلة تنجب له ولداً يسمى نوري.

كيفية الاستيلاء الأبدي 

يغيّر الابنان اسم عائلتهما إلى الكفربطني، صلاح يتم اعتقاله من قبل الأمن كي يترجم لهم كتاباً مكتوباً بالخط الكوفي بعنوان "اقتحام الديجور في الوصول إلى القصور"، وهو خط شديد التعقيد لا يجيد قراءته إلا هذه العائلة، وأثناء الاعتقال كان كل هم الضابط المسؤول عنه هو كيف استطاعت جارية بريطانية الوصول إلى المكتبة وكتبها، وهم يجهلون ذلك، وأثناء الاعتقال يطالبونه بأمرين: النسخة الأصلية من الجفر، وترجمة كتاب لمولاي قطلو خان وعنوانه "كيفية الاستيلاء الأبدي على دمشق". يستطيع صلاح الفرار من السجن أثناء اقتيادهم له ليدلهم على المكان السري للمكتبة، ولكنه يتلقى ضربة من أحد الضباط على خصيتيه كي لا يستطيع الإنجاب، من بعد الآن "يستطيع الجنرال النوم مطمئنًا، فسُلالتكم السافلة قد انقطعت"، وهنا يهرب صلاح، ولكنه يمضي في رحلة نجاح جديدة إلى أمريكا الجنوبية، حيث يقضي نحبه في نهاية غامضة.

ولكن محاولات الجنرال للوصول إلى المكتبة السرية لا تتوقف، مرة عبر صحفية حسناء تسمى ياسمين، ومرة أخرى عبر بعض بائعي الكتب، وتستمر المحاولات من صلاح إلى أخيه نوري، الذي سار على خُطا أخيه رغم أنه ولد بعد هروبه من سوريا.

 

احتلال إيراني وهمجية روسية

تختتم الرواية فصولها بمشهد الطائرات الروسية الهمجية التي تأتي على المكتبة فتجعل عاليها سافلها، في إشارة إلى القصف الروسي الوحشي الذي تعرضت له المدن والبلدات السورية، والمنهجية العسكرية الروسية القائمة على سياسة الأرض المحروقة.

وتشير الرواية إلى الاحتلال الإيراني لسوريا، حيث كان نوري يتجول في إحدى حارات الشام عندما داهمته دورية من النساء والرجال الإيرانيين، وسألوه بلغة ركيكة ماذا تفعل هنا؟!

يصف السرد معالم المكتبة، فهي فضلاً عن المخطوطات النادرة التي تحويها تضم كذلك تماثيل ولوحات تشكيلية تشبه اللوحات الموجودة في المتاحف العالمية.

 

ما هو الجفر؟

رغم أن الجفر هو المحور الرئيسي للرواية إلا أنها لم تزل شيئاً من الغموض عنه. الجفر الذي هو جزء من العقيدة الشيعية الباطنية، وهو في الحقيقة ولد الماعز، ثم اصطلح على تسميته بالجفر كونهم كانوا يكتبون العلوم على جلد ولد الماعز، وقد تباينت الأقوال في طبيعة الجفر، فمنهم من ينسب الكلام الذي في الجفر للنبي الكريم، ويقولون إنه أملاه على ابن عمه علي بن أبي طالب، ومنهم من ينسبه لعلي بن أبي طالب، وأنه هو كاتبه وواضع كل الأقسام المذكورة فيه، وأن معلوماته عبارة عن نبوءات وأحداث ستحدث في المستقبل، وفيه علوم الأولين وما سوف يكون إلى يوم الدين، وقد كشف الله لعلي الغطاء عنها بأمر منه وبمشيئته، وجاء في أدبيات أصحاب المذهب العشري أن أئمة الشيعة الاثني عشر يتوارثونه فيما بينهم ولا يُطلعون على محتوياته أحداً سواهم، لأنه وحسب معتقدهم أن هذا الكتاب لم يطّلع عليه ولن يطّلع إلّا من كان نبياً أو وصياً لنبي.

بل يقال إن هناك جفرين أولهما يسمى كتاب الجفر الأبيض وهو التوراة الصحيحة التي نزلت على النبي موسى، والثاني هو كتاب الجفر الأحمر أو ما يسمى بمصحف فاطمة والذي يحتوي حسب زعمهم تبياناً وذكراً لجميع الحوادث والأحداث التي ستحدث وستكون ومن سيولدون حتى يوم قيام الساعة ومن بعدها القيامة، وفيه يقولون إن مهدي الشيعة عندما ينزل سيعمل السيف في العرب حتى يبيدهم عن بكرة أبيهم! 

بقي أن نشير إلى المؤلف خيري الذهبي الروائي والموسوعي السوري الذي في رصيده ثلاث عشرة رواية، وكتب عشرات المسلسلات الدرامية والإذاعية، وساهم في إعداد عشرات الكتب والمطبوعات الثقافية.