icon
التغطية الحية

"المقاومة الشعبية" في درعا.. فقاعة إعلامية أم كيان منظم؟

2019.02.25 | 16:02 دمشق

تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

قبل ثلاثة أشهر، وفي الثامن عشر من تشرين الثاني تحديداً، انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي إعلان تأسيس "المقاومة الشعبية" في درعا، لتليها عمليات خاطفة استهدفت حواجز أمنية في المحافظة تزامنت مع كتابات مناهضة للنظام على الجدران، وسط ترحيب وتفاعل ملحوظ من الناشطين آنذاك، معتبرين أن ما يحدث هو إعادة إحياء الثورة في المحافظة الجنوبية الخارجة حديثًا عن سيطرة المعارضة، في حين رأى آخرون أن الكيان الجديد هو "فقاعة إعلامية" في الوقت بدل الضائع.

من أسس "المقاومة الشعبية" ومن يقف وراءها؟ وهل هي بالفعل كيان عسكري معارض أم أنها مصطلح فضفاض لا وجود له على الأرض فعلياً ؟ يحاول تلفزيون سوريا تقصّي الحقائق من خلال مصادر مطّلعة في الجنوب السوري، أجمعت على أن "المقاومة" كيان وهمي ابتدعه ناشطون، واختلفت هذه المصادر في تأويل مجريات ما أسند لهذا الكيان من عمليات.

يقول أحد المصادر، وهو قيادي سابق في الجيش الحر، ما زال موجوداً في درعا ورفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية إن "المقاومة الشعبية" لا تعكس فصيلاً أو جماعة معينة، وهو مصطلح عام مشابه على سبيل المثال لمسمى "الجيش الحر"، مشيراً إلى أن جميع العمليات التي حدثت خلال الأشهر الثلاثة الفائتة قُيّدت ضد مجهول ونسبت بشكل فوري لـ "المقاومة الشعبية" من قبل ناشطي المحافظة.

واعتبر القيادي أن العمليات الخاطفة التي رصدت هي "أمر رائج ومتوقع"، باعتبار أن "اتفاقية التسوية التي تمت فرضت بقاء آلاف المقاتلين من الجيش الحر في درعا ومعهم أسلحتهم، وما تزال هناك مناطق لم تدخلها قوات النظام حتى اليوم، بالتالي ليس مستبعداً أن نرى عمليات فردية من قبل عناصر نقموا على الاتفاقية، أو تصفية حسابات بين عناصر سابقين في الجيش الحر وباتوا ضمن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام والروس بشكل مباشر".

ويضع القيادي في هذا السياق جملة استفسارات وتشكيك ببعض العمليات التي نُسبت لـ "المقاومة"، كعملية تفجير حاجز

المقاومة الشعبية عبارة عن موجة تحاول أن تركبها كثير من الأطراف في المنطقة، بمن فيهم هؤلاء العناصر الصادقين ممن يحاولون مقاومة النظام بشكل فردي

الحارة الخاضع لسيطرة أمن الدولة، في الخامس من شباط الجاري "كيف وضعت العبوة الناسفة داخل الحاجز، وكيف تم تصويرها بكاميرا موضوعة على حامل، وبدقة وزاوية تصوير جيدة.. هذا الأمر لم يحدث عندما كانت المعارضة تسيطر على معظم المحافظة!!".

ويرى "م.ط" وهو ناشط وحقوقي ما زال في درعا، أن الركيزة الأساسية في هذه المسألة أن "المقاومة الشعبية عبارة عن موجة تحاول أن تركبها كثير من الأطراف في المنطقة، بمن فيهم هؤلاء العناصر الصادقين ممن يحاولون مقاومة النظام بشكل فردي، على اعتبار أن التدخلات الإقليمية في المحافظة باتت صفراً، كون دول الجوار أصبحت ميالة للتهدئة مع النظام، وحديثنا هنا عن الأردن والإمارات كأبرز دولتين داعمتين لفصائل الجنوب سابقاً..".

ويشير الناشط إلى ضرورة تناول أحداث درعا بـ "براغماتية مطلقة"، والابتعاد عن "العاطفة والانفعال الثوري"، بحسب تعبيره، ويتابع "إن أي دولة تريد أن تدعم على الأرض عليها إحياء الفصائل وتشكيلها مجدداً كما كان في العامين 2012 و2013، لكن هذا الأمر مستبعد ولم يعد له أي حاضنة شعبية، كون الحاضنة فقدت ثقتها بالمعارضة وشعرت بالغدر من الفصائل خلال الأشهر الماضية، ولا سيما أن بعض قادتها أصبحوا ضمن الميليشيات التابعة للنظام، عدا عمن فر إلى الخارج".

وتواصل تلفزيون سوريا مع أحمد الحوراني، وهو اسم حركي لقائد ميداني سابق في "الجبهة الجنوبية" خرج من درعا مع من رفض التسوية باتجاه الشمال السوري، لتكون إجابته مشابهة إلى حد ما لما قاله المصدران السابقان، ويقول "المقاومة الشعبية مسمى وهمي ولا يرتبط بتنظيم قائم على الأرض، هي حالة أقرب إلى ردود أفعال أو تصفية حسابات بين عناصر من أبناء المحافظة باتوا يعملون ضمن ميليشيات تابعة لروسيا من جهة كالأمن العسكري والفيلق الخامس، وميليشيات تابعة لإيران من جهة أخرى كالفرقة الرابعة وأمن الدولة..".

حديث الحوراني عن تصفية الحسابات بين الميليشيات المسيطرة على درعا، قادنا إلى معلومات حصل عليها تلفزيون سوريا من مصادر مطلعة في المحافظة، أشارت إلى أن عملية تفجير حاجز الحارة نفذه قيادي سابق في الجيش الحر ويعمل حاليا لصالح فرع الأمن العسكري المهيمن عليه من قبل الروس، بينما الحاجز المستهدف يتبع لفرع أمن الدولة المحسوب على الإيرانيين، وكان سابقاً نقطة حراسة للميليشيات الإيرانية الموجودة في منطقة تل أحمر القريبة من الحارة.

وأكدت المصادر أنه وفي اليوم ذاته الذي فجّر فيه حاجز الحارة، نفذت عملية خاطفة ضد حاجز للأمن العسكري في مدينة الصنمين كرد على العملية السابقة، إلا أن كلا العمليتين أسندتا لـ "المقاومة الشعبية".

ولفتت المصادر إلى أن النزاع بين الروس والإيرانيين بات واضحاً في درعا خلال الآونة الأخيرة، إذ يسعى الروس لتجنيد قادة الجيش الحر المعروفين بنفوذهم على الأرض في درعا، لضمان الهيمنة على المحافظة، وهذا ما جرى حين جندوا أحمد العودة (قائد فرقة شباب السنة) في الريف الشرقي لدرعا، وأصبح قيادياً تابعاً بشكل مباشر لهم، كذلك الأمر القيادي السابق في الجيش الحر محمود البردان، في حين انضوى آخرون ضمن ملاك الفرقة الرابعة التابعة بشكل أو بآخر إلى إيران.

ولم تكتفِ روسيا بتجنيد القياديين ذائعي الصيت في الجنوب، بل عملت على إعادة القيادي البارز عماد أبو زريق

المواجهة الناعمة بين الروس والإيرانيين تأتي في سياق تفاهمات روسية - إسرائيلية مسبقة على حتمية خروج الميليشيات الإيرانية من الجنوب السوري

من الأردن إلى درعا قبل أيام، وعينته قيادياً في "الفيلق الخامس" الذي استحدثته، والذي بدوره يسعى منذ قدومه إلى استمالة الشبان الذين انضوَوا في الفرقة الرابعة عقب التسوية، وقال في أحد اجتماعاته "اتركوا الإيرانيين وأنا مسؤول عن حمايتكم"، ورجّحت المصادر تصاعد الخلاف بين الميليشيات الروسية والإيرانية في المستقبل القريب.

أبو زريق ليس العائد الأخير إلى درعا، إذ عاد قيادي آخر من تركيا قبل أيام قليلة بمعيّة الروس، وفق مصادر تلفزيون سوريا، مؤكدة أن المواجهة الناعمة بين الروس والإيرانيين تأتي في سياق تفاهمات روسية - إسرائيلية مسبقة على حتمية خروج الميليشيات الإيرانية من الجنوب السوري، وتسليمه فعلياً لروسيا التي خلُصت إلى ضرورة الاعتماد على قياديي الجيش الحر النافذين في المحافظة، لضمان استقرارها أمنياً وعدم جعلها خاصرة رخوة على المنظور البعيد.

إذاً، ووفقاً لما سبق، تتفق العديد من المصادر على أن "المقاومة الشعبية" مسمىً فضفاض وغيرِ مؤطرٍ بكيان حقيقي على الأرض، رغم الترحيب "الثوري" والأمل الذي عقد مجدداً بعد خيبات التسوية والتسليم في درعا وحمص والغوطة الشرقية وغيرها من المناطق التي باتت فعلياً تحت سيطرة نظام الأسد بدعم وإشراف روسي.