المغيبون بين داعش وقسد

2019.03.03 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

توالت خطابات النصر على داعش مجدداً، من وارسو وميونيخ، دون أن تشير إلى شيء محدد من علائم القضاء عليها، سوى أنها تلاشت، لم تعد موجودة في الباغوز آخر قلاعه، ومع ذلك تمرر وكالات الأنباء أخبار متواترة بشأن استسلام مئات الدواعش، ومقتل العشرات منهم، وأن مدنيين محتجزون لديها كرهائن، ثمة من يشير إلى أنهم من ميليشيا قسد! وخلف هذا التواتر الإخباري الذي يحمل نقيضه أحياناً، تغيب أخبار أخرى، عن المفاوضات التي تجري بين داعش وقسد من أجل تمرير الإرهابيين إلى الصحراء جنوب الفرات مجدداً، أو إلى أي مكان آخر، مقابل 3 آلاف دولار لكل مقاتل، وخبر آخر عن قيام داعش بتسليم عشرة معتقلين لديها، إلى الأميركيين، مع ثلاثين طناً من الذهب، نقلتها ثلاث حوامات إلى قاعدة الشدادي الأميركية!

في هذا الوقت الضيق، المتبقي من حملة قسد – ترمب، الأخيرة ربما، لتفتيت بقايا داعش، التي انتهت مهمتها مؤقتاً في سوريا، دون أن تتلاشى أذيالها، تتصاعد المطالبات في الغرب، بشأن إعادة عناصر داعش الغربيين، ويتحدثون عن مصائر عرائسهم، وعن أبنائهم الذين ولدوا في ظل حكم الإرهاب الداعشي، الموجودين في ظروف إنسانية صعبة في مخيمات خاصة. ثمة حملة يتم الإعداد لها، لن تلبث أن تنطلق من أجل إعادتهم إلى بلدانهم في أوروبا وكندا وغيرها، دون أن يتطرق أحدٌ إلى وجوب محاكمتهم!

دفعتنا الأخبار التي تواترت مؤخراً، مع بدء العملية العسكرية في الباغوز، بشأن الأب باولو، لإحياء بعض أمل حذرٍ بشأن المغيبين لدى داعش وأخواتها

دفعتنا الأخبار التي تواترت مؤخراً، مع بدء العملية العسكرية في الباغوز، بشأن الأب باولو، لإحياء بعض أمل حذرٍ بشأن المغيبين لدى داعش وأخواتها، ووحدات حماية الشعب إحداها. الأب دالّوليو المختطف لدى داعش منذ تموز 2013، إبان زيارته الرقة، وذهابه إلى مقر التنظيم الإرهابي، كوسيط كما هو معروف، ساعياً إلى لقاء أمير النصرة حينها، وفي قلبه يحيا أمل كبير بشأن المختطفين الذين ألحقه الإرهابيون بهم، الذين لايعرف أحدٌ عنهم شيئاً حتى اليوم.

مكانة الراهب باولو في الثورة السورية، بلا شك ترقى إلى مستوى فاعلية نشاطه الكبير، بما كان يقوم به، ومن التقدير والاحترام الذي يحظى به كمناضل مدافع من أجل الحرية. وهي قيمة لا تقلّ عنها مكانة النشطاء، الذين رأت التنظيمات الظلامية في حراكهم من أجل الحرية، خطراً يتهدد وجودها، وهم في حقيقة الأمر، من طليعة المناضلين الذين انتفضوا ضد الديكتاتورية الأسدية، وتعرضوا للاعتقال والملاحقة والإبعاد، ومن ثم كان عليهم مواجهة الاستبداد الظلامي الذي مثلته ثلاثية " أحرار الشام – النصرة – داعش " في المناطق الشمالية السورية، انطلاقاً من الرقة، أولى مدن الثورة المحررة.

وإن أحداً – في حقيقة الأمر – لم يكن معنياً بأحوال المدنيين الذين أذاقتهم العمليات العسكرية، الويل، الألم، فقدان الأهل، والتعرض للجوع والحصار والتشرد، وانتهاك مجمل حقوقهم، وفي مقدمها الحق بالحياة، وفي الأمان، فإن قضية المغيبين لم تنل الالتفاتة التي يتوجب على المجتمع الدولي ، أن يكون معنياً بها، خاصة مجتمعات القوى المتدخلة في محاربة داعش: الولايات المتحدة، وأوروبا بشكل خاص. لم يعبأ أحدٌ حتى اليوم بالبحث عن مصائرهم، ولم تكشف القوة العسكرية (قسد) التي ورثت داعش، عن أي شيء بخصوصهم على الرغم من مرور قرابة ثمانية عشر شهراً على خروج داعش من الرقة (أكتوبر 2017).

هو تجاهل متعمد لحقوق الضحايا السوريين، ولمشاعر ذوي المعتقلين والمغيبين، وهو إغفال متعمد أيضاً في الكشف عن جرائم داعش. لقد استسلم مئات المقاتلين الدواعش لقوات قسد، وهي تتحفظ عليهم في سجون ومعسكرات سرية، كما أن المئات منهم، قد انضموا إلى ميليشيات صالح مسلم. لم تظهر أية نتائج لتحقيقات أجرتها قسد، وبالطبع وحدات حماية الشعب، باعتبارها العصب الأمني والعسكري، لقوات الأمر الواقع اليوم في الجزيرة الفراتية، ولا يزال التعتيم مستمراً حول المعلومات التي أمكنها الحصول عليها من عناصر التنظيم الإرهابي، وهذا الأمر ينسحب على الولايات المتحدة بشكل أساس، التي تحوز كل المعلومات حول المفقودين: معتقلين ومختطفين، لم يكن الأب باولو أولهم ولا آخرهم.

لقد استسلم مئات المقاتلين الدواعش لقوات قسد، وهي تتحفظ عليهم في سجون ومعسكرات سرية، كما أن المئات منهم، قد انضموا إلى ميليشيات صالح مسلم

عشرة أشخاص سلمتهم داعش لقسد قبل أيام، هم من المختطفين لديها. لا نعرف من هم، ويبرز التساؤل مجدداً عما إن كان أحدهم الأب باولو، أو المحامي عبدالله الخليل، أو الدكتور إسماعيل الحامض، فراس الحاج صالح، وإبراهيم الغازي، وغيرهم.

كما نعلم لا يوجد لقسد أي مختطفين لدى تنظيم الدولة الإرهابي، أو لدى جبهة النصرة وغيرها. جميع المغيبين، هم من أبرز نشطاء الحراك المدني الثوري السوري، في الشمال السوري، بصورة خاصة.

قضية هؤلاء أساسية، كما قضية كل المعتقلين لدى جبهة النصرة مثال المحامي ياسر السليم، أو المعتقلين في سجون الطاغية الأسدي. وقسد مطالبة بالكشف عن مصير المغيبين الذين كانوا في سجون داعش، وهي تتحمل مسؤولية مباشرة عنهم، في ظل استمرار صمتها حيال مصيرهم، وعمن تم اغتياله، منذ بدء حملة غضب الفرات، ودحر داعش من مدينة الطبقة في مايو 2017. المفارقة الملفتة أن ميليشيا قسد تمكنت من رفع رفات العشرات من الجنود النظاميين الذين قتلوا شمال الرقة، وقامت بتسليمهم إلى النظام الأسدي، لكنها لم تستجب إلى دعوات السوريين في التحقيق بشأن المفقودين. إن الاستمرار في تجاهل الكشف عن مصيرهم بعد عام ونصف من خروج داعش من الرقة، يعني اشتراكها في جريمة الإخفاء، وفي التستر المنظم المتعمد على جرائم داعش.

لم تكتف قسد بذلك، لكنها قامت بدور الوجه الآخر لداعش، بصورة فريدة، فقوة الأمر الواقع المسيطرة على المنطقة الفراتية، بدعم أميركي مباشر، تنتهك حقوق الأفراد والجماعات، وتمارس الإرهاب ضد قادة المجتمعات المحلية والنشطاء المدنيين

لم تكتف قسد بذلك، لكنها قامت بدور الوجه الآخر لداعش، بصورة فريدة، فقوة الأمر الواقع المسيطرة على المنطقة الفراتية، بدعم أميركي مباشر، تنتهك حقوق الأفراد والجماعات، وتمارس الإرهاب ضد قادة المجتمعات المحلية والنشطاء المدنيين، بملاحقتهم والاعتداء عليهم واغتيالهم، والسطو على الممتلكات العامة والخاصة. يحدث هذا في جميع المناطق التي تحتلها باسم محاربة الإرهاب، وفي الوقت نفسه، تبيع الممرات الآمنة للمقاتلين الدواعش، كي تبقى في المنطقة، خلايا إرهابية نائمة، يمكن إيقاظها عند اللزوم، أو دعشنة المناهضين لوجودها وسياساتها، كالسيف المسلط فوق الرقاب.