المعتقلون السوريون (دائماً)

2018.06.16 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يتزامن استهداف الطيران الروسي لريف إدلب الشمالي منذ بداية الشهر الجاري مع تأهب المبعوث الدولي ( ستيفان دي مستورا )، للقيام بجولة جديدة تشمل الدول الراعية الثلاث ( روسيا وإيران وتركيا)، بهدف التحضير لتشكيل اللجنة الدستورية وفقاً لما تم الاتفاق عليه بين الأطراف المذكورة.

ما يثير الانتباه أن هذا التصعيد العسكري الروسي تجاه الريف الإدلبي جاء على أعقاب التفاهمات الميدانية بين الأتراك والروس، فيما يخص انتشار الطرفين وتقاسم نقاط المراقبة العسكرية، الأمر الذي أشاع بعضاً من الاطمئنان لدى سكان المنطقة، إلّا أن شعور الاطمئنان سرعان ما تحوّل إلى وهم حين بدأ القصف الجوي الروسي الذي لم يطل مواقع وتجمعات هيئة تحرير الشام (النصرة) كما يدعي الروس، بل طال تجمعات السكان المدنيين، ولعل مجزرة بلدة ( زردنا) مساء 6 – 6 – 2018 والتي راح ضحيتها خمسون شهيداً وأكثر من مئة جريح شاهدٌ حيّ على ذلك. علماً أن إدلب هي المنطقة الرابعة المشمولة باتفاق (خفض التصعيد) الذي أقرّته تفاهمات أستانا.

ما هو ثابت أن الاستراتيجية الروسية على الأرض السورية باتت قائمة على ثنائية ثابتة لا يمكن التخلي عنها، ونعني بذلك حتمية التصعيد العسكري المتزامن مع أي طرح سياسي، يؤيد هذه الفرضية ما حدث في الغوطة الشرقية ومنطقة القلمون وريف حمص الشمالي و جميع المناطق المشمولة بـ (خفض التصعيد)، باستثناء الجنوب السوري الذي يحجم الروس عن استهدافه لوجود الكابح ( الإسرائيلي الأمريكي)، فهل سيكون التصعيد العسكري لروسيا ونظام الأسد على إدلب نتيجة ملازمة لنشاط دي مستورا التمهيدي لتشكيل اللجنة الدستورية؟ وإنْ كان الأمر كذلك، فما هي ردّة الفعل المُنتظَرة من المفاوضين السوريين بشقيهم (وفد أستانا) و (الهيئة العليا للمفاوضات)؟.

لقد استطاع الروس فرْض رؤيتهم القائمة بالأصل على ثنائية (سحق الخصم عسكرياً)، ومن ثم احتواء ما تبقى له من أشلاء سياسية.

لقد استطاع الروس فرْض رؤيتهم القائمة بالأصل على ثنائية (سحق الخصم عسكرياً)، ومن ثم احتواء ما تبقى له من أشلاء سياسية. ذلك أن عدوانهم الذي بدأ أواخر أيلول 2015، بدأت الآن إرهاصاته السياسية تتجسد بوضوح لا لبسَ فيه. إذ بات الحديث عن القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية جزءاً من الماضي، كما بات مفهوم (الانتقال السياسي) مطلباً طوباوياً من غير الوارد الحديث عنه وفقاً لموازين القوى الراهنة، وأصبحت القضية السورية مُختزلة بسلة (الدستور) التي ستفضي إلى توافق بين الدول الثلاث (روسيا – تركيا – إيران) من شأنه صياغة دستور يلبي مصالح هذه الدول، دون أن يكون للسوريين أي دور جوهري في إيجاده أو اختيار مضمونه.

ما يعزز هذا المسعى هو قبوله من جانب المعارضة السورية الرسمية الذي تجسّد عبر مسارين اثنين:

الأول: يمثله فريق أستانا وقوامه عدد من قادة الفصائل العسكرية، تتقدمه بعض الشخصيات السياسة، وهذا الفريق قد حسم أمره بالمضي، بل التماهي مع الرؤية الروسية إلى نهاية المطاف، مبررا قبوله بالرضى بما هو مُتاح تارةً، وبالعمل على مبدأ دي مستورا ( الواقعية السياسية) تارة أخرى، وواصفاً – في الوقت ذاته – أي انتقاد لمسعاه بـ ( الرفض العدمي).

الثاني: تمثله الهيئة العليا للمفاوضات، والتي كانت تنظر بمزيد من الريبة إلى مسار أستانا، متهمة إياه بتجاوزها كجهة وحيدة مخوّلة بعملية التفاوض حول الحل السياسي للقضية السورية. أمّا وقد رأت أن مخرجات أستانا باتت أكثر نفاذاً على الأرض، فقد بدأت بتغيير خطابها مُتجهةً نحو إيجاد منفذ لها للاشتراك في العملية السياسية (الأستنوية) خشية أن يفوتها القطار وتبقى خارج السرب، ولعل هذا ما يفسر قبولها مناقشة سلة الدستور والسكوت عن عملية الانتقال السياسي، بل بات همها يتمحور حول كيفية الحصول على بعض المقاعد في اللجنة الدستورية، وبالتالي الاندماج في مخرجات سوتشي بعد أن كانت رافضة لها.

وحيال هذين الموقفين للمعارضة السورية، ينظر كثير من السوريين بمزيد من الخيبة والدهشة متسائلين: هل تم اختزال الثورة السورية بكل تضحياتها بدستور يتم فرضه على السوريين تلبية لمصالح دولية وإقليمية، تعقبه عملية انتخابات سيكون بشار الأسد بطلها الجديد؟.

وكذلك يتساءلون بحسرة موجعة: أين هي قضية المعتقلين في سجون الأسد؟ عشرات الآلاف من المعتقلين السوريين يطالهم الموت مرات ومرات كل يوم في أقبية السجون، فهل بات مصيرهم أمراً نافلاً إلى هذا الحدّ لدى واجهات التفاوض السورية، وهل يمكن مقايضتهم بمقاعد محدودة في اللجنة الدستورية يمكن أن يحظى بها أشخاص من وفد أستانا أو هيئة التفاوض؟ ألم تكن قضية المعتقلين تشكل أحد البنود الرئيسة للقرار الدولي (2254)، فضلاً عن أنها مسألة مستحقة لا تقبل التفاوض؟ فلماذا فرّطت بها وفود المعارضة المتعاقبة على حضور لقاءات أستانا منذ مطلع العام 2017 وحتى الوقت الراهن؟

لعل جميع تساؤلات السوريين الطافحة بالمرارة تتماهى تماماً في مطلبين محقّين أقرتْهما جميع القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية وهما:

1 – الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين في سجون الأسد.

2 – المطالبة بأولوية الانتقال السياسي، وهذا يستدعي العمل على إيجاد (إعلان دستوري) يتم العمل به أثناء المرحلة الانتقالية، وليس دستوراً يتم فرضه على السوريين.

التمسّك بهذين المطلبين هو ضربٌ من ( الرفض العدمي ) وفقاً لرموز أستانا الجدد، وتحدّي هذين المطلبين هو بداية لـ ( واقعية سياسية) تبدأ بهذا القدر من التفريط، ولكن إلى أين ستنتهي؟.