المعتقلون السوريون المأساة المتجددة

2018.11.12 | 23:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

فصلٌ مأساوي جديد في سيرورة قضية المعتقلين في سجون الأسد، يتجسد في كشف أحكام بالإعدام على عدد من المعتقلين في سجن مدينة حماة، وبحسب ما تؤكده عدة مصادر، فإن سلطات النظام سوف تقوم بترحيل السجناء الذين صدرت بحقهم أحكام الإعدام إلى سجن صيدنايا بدمشق، لتقوم بإعدامهم، وربما تلجأ إلى حرق جثامينهم، كما فعلت بآلاف المعتقلين بين عامي ( 2011 – 2015 ). وثمة معلومات شبيهة يتم تداولها أيضاً عن نيّة مماثلة لدى النظام تجاه سجن حمص المركزي، ما دفع الكثيرين للتساؤل: هل يحضّر نظام الأسد لعملية يتم الإجهاز فيها على ما تبقى من المعتقلين في سجونه؟

وفي موازاة ذلك توثق الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صدر يوم (9 – 11 – 2018 ) حالة ( 95000 ) معتقل ممن تم تغييبهم قسريا في سوريا، معظمهم في سجون نظام الأسد، ولو أخذنا بعين الاعتبار القواعد الصارمة التي تلتزم بها المنظمات الإنسانية في توثيق حالات الاعتقال، لأدركنا أن العدد الحقيقي للمعتقلين يتجاوز العدد المذكور بكثير، نظراً لصعوبة توفر كافة القرائن التي تستوجبها عملية التوثيق.

نظام الأسد مستمر في قتل السوريين، وبالطرق التي يختارها

وعلى الرغم من وفرة جميع القرائن الدالة على الحالات المريعة التي يواجهها المعتقلون، وكذلك على الرغم من وفرة التقارير الموثقة التي أصدرتها منظمات عالمية إنسانية مقرونة بالأرقام والأسماء، إلّا أن ذلك لا يغيّر من حقيقة مؤدّاها: أن نظام الأسد مستمر في قتل السوريين، وبالطرق التي يختارها هو، وكذلك بالوسائل التي يحدّدها، وأن حرب الإبادة التي يمارسها بحق السوريين مازالت أمراً مشروعاً – بالنسبة إليه – طالما غابت الروادع، ولا نعني ب (الروادع ) الدوافع الذاتية للنظام، والتي من شأنها أن تحول دون ارتكاب الجريمة، ذلك أنها في الأصل معدومة، وإنما نعني المواقف الدولية التي يمكن أن تلجم آلة القتل الأسدية، وتنقذ أرواح السوريين من عملية الموت الممنهج الذي تمارسه سلطات دمشق.

لعله من الصحيح أن الخطوة التي أقدم عليها القضاء الفرنسي، والتي تتمثل باستصدار مذكرات توقيف بحق ثلاثة من رؤوس الإجرام الأسدي، هي خطوة مهمّة قياساً إلى حالة الصمت الدولية، إلّا أن أهميتها لا ترقى إلى أن تجسّد سابقة مشجّعة لخطوات أخرى تقوم بها دول أوربية ما زالت تحرص على مصالحها مع نظام الأسد، أكثر بكثير من حرصها على تحقيق العدالة، ولهذا فإن ما هو مرجّح أن الدافع الأساس لمبادرة القضاء الفرنسي هي قضية تغييب نظام الأسد للسيد (عدنان دباغ وابنه باتريك) منذ تشرين الثاني عام 2013، ثم إعلان النظام عن اسميهما مع جملة أسماء المعتقلين الذين صرّح النظام بموتهم في السجون السورية، الأمر الذي شكّل حرجاً كبيراً للسلطات الفرنسية، حيال قتل النظام لمواطنين اثنين يحملان الجنسية الفرنسية، ويعمل أحدهما ( الأب ) مستشاراً تربوياً في دمشق.

وبالنظر إلى ردود أفعال بعض الأطراف الأوروبية والأمريكية الأخرى، يظهر لنا بعدها الشاسع عن أي مقاربة رادعة لسلطات دمشق، إذ يدرك السوريون، ومن خلال مآسيهم اليومية في ظل حكم الأسد، حقيقة الإجراءات غير المجدية التي تتجسّد بتجميد أرصدة بعض رموز النظام وحاشيته، أو إصدار قرارات تحظر دخول بعض الشخصيات المسؤولة لدى النظام إلى بعض الدول الأوروبية، وقد بات في يقين السوريين أن هذه الإجراءات وما شابهها لا تضمر سوى موقف رمزي، لا يمكنه حقن دماء مواطن واحد على الأرض السورية.

ما يعلمه السوريون هو أن نهج الإجرام الأسدي لن يتوقف بفعل عوامل الإدانة والاستنكار، ولن يتوقف أيضاً نتيجة لبعض الإجراءات القضائية التي تحاكم رؤوس الإجرام عن بعْد، بل يتوقف حين تتوفر الرغبة الدولية الجادة في تطبيق القانون الدولي والعرف الإنساني الناظم لحياة البشر، والذي تقرّ به كافة الشرائع والقوانين، ولعلّ مؤدّى هذا السكوت والتقاعس الدولي عن الالتزام بنظمه القانونية ومنظوماته الأخلاقية والإنسانية هو مزيد من الموت وبأبشع الأساليب والوسائل للمواطنين السوريين.

تزداد أسئلة السوريين عما يمكن فعله لأجل المعتقلين

وحيال النظر إلى رخاوة الموقف الدولي بسبب انحيازه المطلق لمصالحه المادية وليس لمنظومته القيمية، تزداد أسئلة السوريين عما يمكن فعله لأجل المعتقلين، إذْ يذهب الكثير إلى ضرورة تفعيل هذه القضية على مستويات شعبية وجماهيرية عريضة، بغية تشكيل هيئات ولجان يشارك فيها حقوقيون وسياسيون وإعلاميون، ويتم العمل وفق خطط وبرامج مدروسة، بهدف الوصول إلى مساحات بعيدة في الرأي العام العالمي، وكذلك المنظمات والكيانات غير الرسمية المعنية بحقوق الإنسان، ويرى العاملون في هذا الاتجاه أن قضية المعتقلين السوريين لم تعد مجرد ملف إنساني ملحق بالعملية التفاوضية، بل هي جزء من القضية الوطنية، وقدر السوريين ألّا يركنوا ولا يكفوا عن المطالبة بمصير مئات الآلاف من السوريين، فضلاً عن أن عمليات الإجهاز على المواطنين مازالت مستمرة، وليس ثمة ما يوحي بانحسارها.

وفي التوازي مع هذا المسعى تتساءل بعض الأصوات عن الدور الذي يمكن أن تقوم به الكيانات الرسمية للمعارضة، وفي مقدمتها هيئة التفاوض، إذْ أنها هي المعنية في الوقت الراهن بمسار المفاوضات، فضلاً عن أنها تملك حيّزاً قانونياً دولياً يؤكد بوضوح على ضرورة الإفراج عن جميع المغيبين في سجون النظام، ونعني بذلك البند ( 12 ) من القرار الدولي ( 2254 )، إلّا أن هذا التساؤل سرعان ما يتلاشى حين يدرك المتسائلون أن الحديث عن هذا الجانب جاء متأخراً جداً، إذ كان ينبغي على وفود المعارضة التي تعاقبت في الذهاب إلى أستانا وجنيف أن تضع ملف المعتقلين في مقدمة أولوياتها، باعتباره ملفاً ملزم التطبيق وغير قابل للتفاوض، أمّا وأن وفود التفاوض قطعت شوطاً في استجابتها لإملاءات ديمستورا، وهي الآن تتهيأ للمشاركة بلجنة دستورية سيتم تشكيلها قبل نهاية العام الجاري، فليس ثمة ما يوحي بإمكانية الانعطاف نحو أي قضية أخرى. 

ليس بمستغرب ولا مستبعد استمرار نظام الأسد في الإجهاز على المعتقلين في سجونه وزنازينه، وليس بمستبعد أيضاً – في ظل الظرف الراهن – أن يغدو حلّ قضية المعتقلين مرهوناً بالحل الشامل للقضية السورية، وإلى ذلك الحين تبقى أرواح من تبقى من المعتقلين وحدها تقاوم جلّادها.