المجتمع المدني في بلاد اللجوء

2018.09.04 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

منذ عدة أيام، جرت حادثة اعتداء بالسكاكين في مدينة ألمانية متوسطة الحجم تدعى شيمينكس، تقع في شرق البلاد، قُتل على أثرها شاب ألماني وألقي القبض على متهمين أحدهما سوري والثاني عراقي. حدث عنفيٌ عابر يحصل يومياً في مختلف أصقاع الأرض. لكن المشهد الألماني الذي يشهد استقطابات شديدة بين اليمين المتطرف الصاعد وبين المستشارة أنجيلا ميركل التي أدارت حتى الآن سياسة تتعامل بإنسانية ملحوظة مع مسألة الهجرة واللجوء، يُضفي على هذا الحدث أهمية خاصة. فوجود مئات الآلاف من اللاجئين الذين وصلوا منذ سنة 2015 لينضموا إلى أترابهم الموجودين في ألمانيا منذ عشرات السنين، يطرح مسائل شائكة تتعلق بالاندماج وسوق العمل والدين والتكوين الثقافي. وعلى الرغم من أن السياسة الرسمية الألمانية، بالتعاون مع السلطات الأمنية، تسعى حتى اليوم إلى التخفيف من أهمية وشدة ما يرتكبه بعض اللاجئين من انتهاكات جرمية، على العكس من دول أوروبية أخرى، وعلى الرغم من المبالغة الرسمية بالاحتفال بالإيجابي من الأفعال التي يمكن أن تُسجّل أيضاً لمجموع اللاجئين في مجالات العمل والدراسة والمساعدة المجتمعية، إلا أنه يجب الاعتراف بأن هذا الملف يُشكل أرقاً شديداً لكل من يسعى، إنسانياً أو مصلحياً، إلى التخفيف من هوله.

في باريس أيضاً، وفي قطارٍ للضواحي، اعتدت منذ أيام قليلة مجموعة شبابية من أصول أجنبية على رجل لسرقته، فتصادف أن تواجد في المكان شرطيٌ خارج الخدمة سارع إلى محاولة وقف الاعتداء، فتم ضربه، مما اضطره إلى إخراج سلاحه ومحاولة تهدئة المعتدين. المشهد المصور من قبل كاميرا القطار يُظهر أن المنحرفين لم يأبهوا لسلاحه واستمروا في مهاجمته مما اضطره إلى إطلاق رصاصة تحذيرية ليتابعوا ضربه إلى أن أطلق رصاصة باتجاههم مصيباً أحدهم بإصابة خفيفة. إثر ذلك،

من شبه المؤكد أن أغلب المواطنين في العربة، ومن شاهد الفيديو القصير في وسائل التواصل، وهم حتى الآن تجاوزا المليون، سيعمدون في أقرب انتخابات، وهي ستكون لبرلمان أوروبا، إلى التصويت لأطراف اليمين المتطرف المتشدق بالعداء للأجانب.

ودائما عبر الكاميرا، سرعان ما قام الشرطي بالتواصل مع الإسعاف لإنقاذ المنحرف الجريح. أثناء المكالمة، سرق منه أحد المنحرفين مسدسه وأطلق عليه النار مسبباً إصابة متوسطة له. انتهت القصة بتوقيف المنحرفين وبتبرئة الشرطي من أي اتهام. ومن شبه المؤكد بأن أغلب المواطنين في العربة، ومن شاهد الفيديو القصير في وسائل التواصل، وهم حتى الآن تجاوزا المليون، سيعمدون في أقرب انتخابات، وهي ستكون لبرلمان أوروبا، إلى التصويت لأطراف اليمين المتطرف المتشدق بالعداء للأجانب وبالسعي إلى إحداث تغيير جذري في سياسات الهجرة على المستويات الوطنية كما الاتحادية.

إنها أحداث تتكرر في العديد من المدن الغربية وتؤجج مشاعر الكراهية ضد الأجانب. وتسعى بعض البلدان المعنية إلى تجاوزها، بل حتى والتعتيم عليها، كما في ألمانيا. ومن جهة أخرى، يجري تضخيمها من قبل جماعات اليمين المتطرف التي وصلت الى الحكم في بعض بلدان الغرب كهنغاريا والنمسا وإيطاليا. ومن جانب الدول "المُصدّرة" لللاجئين، وعلى رأسها سوريا، فالنشاط الحكومي يسعى الى إظهارهم في أبشع صورة بما أنهم "هربوا" من بطشه ومن حربه على المدنيين، أو أنه يُظهرهم كضحايا لمؤامرة غربية على وحدة واستقرار وسيادة البلاد.

من يقوم بالتصدي للتطرف بحق اللاجئين هم أوروبيون منتمون الى أحزاب يسارية أو هم أعضاء في جمعيات مدنية تسعى إلى مساعدة هذه المجموعة غير المتجانسة عمرياً ولا جنسياً ولا جغرافياً.

العمل المدني لمجتمع اللجوء ضروري جدا لتأطير الجموع الشابة وفتح المجال أمام بروز قيادات مجتمعية شابة تستطيع المساعدة في التوجيه وفي التوعية على الكثير من الأمور المستعصية على فهم أو قبول جزء لا بأس به من هؤلاء اللاجئين.

أي أن عبئاً كبيراً يقوم بتأمينه المجتمع المدني المحلي، والذي ينشط في مجالات تعليم اللغة والتربية والتشغيل. من جهتها، تنأى الجاليات المهاجرة بشكل مبكر عن الضلوع في أية محاولة للمساعدة إلا لماماً. وهي للقيام بذلك، يجب أن تكون مُنظّمة بعيداً عن التنظيم الديني حول المسجد أو الكنيسة، بل من خلال الاقتناع بالدور المدني لعموم الناس ضمن مفاهيم دول الاستقبال الديمقراطية.

بين شباب وشابات اللجوء عدد لا بأس به ممن بنى وعياً مبكراً من خلال انخراطه في الحَراك الاحتجاجي السوري عبر التنسيقيات المتعددة. وعلى الرغم من حاجتهم الأساسية للعمل وللسعي في مناكبها، إلا أنهم قادرون على القيام بالتنظّم مستفيدين من قوانين مرنة ومن دعم حكومي محايد للعمل المدني، خصوصاً في المشهد الألماني. فالعمل المدني لمجتمع اللجوء ضروري جدا لتأطير الجموع الشابة وفتح المجال أمام بروز قيادات مجتمعية شابة تستطيع المساعدة في التوجيه وفي التوعية على الكثير من الأمور المستعصية على فهم أو قبول جزء لا بأس به من هؤلاء اللاجئين. وما انعكاسات المجتمع الجديد على العلاقات الاجتماعية توتراً وتصدّعاً إلا جزء من نتائج هذه الغربة المعرفية والثقافية والأخلاقية. ولا يمكن لأية جهة حكومية أو دينية الضلوع في مشاربها والسعي إلى التأثير عليها لأسباب مختلفة. فالمؤسسة السياسية تحمل طابع العنف الشرعي وتطبيق القانون، مما يدفع عنها المستهدفين. أما الجمعيات الدينية، فهي صاحبة توجه إقصائي وتمييزي تحاول من خلاله تعميق الفجوة بين القادمين حديثاً من جهة وبين بلد اللجوء ثقافةً وعادات، من جهة ثانية.

رغم الوهم الذي يتحدث عن عودة قريبة للاجئين، إلا أن مكوثهم سيطول. ويجدر بالواعين منهم، وهم الأغلبية، السعي وبسرعة معقولة، إلى التنظيم، في مناخ رحب لذلك.