اللجنة الدستورية والرهان الواهم

2018.10.29 | 23:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تواجه المعارضة السورية  - على المستوى الرسمي – استحقاقاً مهماً، يتمثل برغبة أممية ودولية، وموافقة من جانب المعارضة السورية ، على تشكيل لجنة دستورية، تتألف هذه اللجنة من مئة وخمسين عضواً، لكل طرف خمسون( نظام – معارضة – مستقلون ) سوف يؤخذ من كل خمسين (15 ) ليصبح جميع أعضاء اللجنة الفعليين (45 ) شخصاً.

وستكون مهمة هذه اللجنة كتابة دستور جديد للبلاد، من شأنه أن يكون مدخلاً إلى حل سياسي للقضية السورية، كما تدعي الأطراف الداعمة لهذا المسعى.

 

ثمة رؤيتان في طبيعة هذه اللجنة ومهمتها وشرعيتها:

الرؤية الأولى تنظر بسلبية إلى هذه اللجنة المفترضة، وترى أن قرار تشكيلها هو التفاف على مقررات جنيف1، إذ يشير القرار المذكور إلى إنشاء هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات، ثم تقوم هيئة الحكم هذه بتشكيل اللجنة الدستورية، فهيئة الحكم هي الأصل، وتشكيل اللجنة الدستورية هو فرع من الأصل. ويرى أصحاب هذا الرأي أن القفز من فوق تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، والتركيز على تشكيل اللجنة الدستورية هو تهرب واضح من استحقاق جوهري في العملية السياسية وهو مسألة (الانتقال السياسي).

يرغب الروس والنظام معاً بعملية إصلاح دستوري وليس كتابة دستور جديد

أضف إلى ذلك رغبة الروس والنظام معاً بعملية إصلاح دستوري وليس كتابة دستور جديد، ما يعني أن فرص إصلاح دستور 2012 إصلاحاً طفيفاً دون إحداث تغييرات جوهرية فيه، هي الأكثر حظاً في التحقق. الأمر الذي سوف يؤدي في النتيجة إلى تأبيد سلطة نظام الأسد، مع بعض التغييرات الطفيفة التي لن تمس جوهر النظام القائم.

الرؤية الثانية تنظر إلى المسألة بطريقة أخرى، ربما تبدو أكثر واقعية – وفقاً لأصحابها - ، إذ تقول: إن العمل على إنشاء دستور جديد للبلاد سيكون المدخل المناسب للحل السياسي، ثم إن قبول المعارضة السورية بالعمل من خلال اللجنة الدستورية سيثبت للمجتمع الدولي جدّية المعارضة في عملية التفاوض، وبالتالي يلقي الكرة في ملعب النظام، ثم يضيف هؤلاء، إننا نعمل وفقا للمبدأ القائل: الاتفاق على كل شي، أو لا شيء، وبهذا لن يكون العمل من خلال اللجنة الدستورية بديلا عن مسألة الانتقال السياسي.

بطبيعة الحال، لا أحد يجهل - اليوم - ما يدور في الشارع السوري، وخاصة بالداخل، من جدل كثير، يرقى إلى درجة الاستنكار لما تقوم به هيئة التفاوض، بل هناك من بات ينادي بإسقاطها، إلّا أننا – في هذا السياق -  لسنا معنيين بموقف جهة ما، بل نريد الانطلاق من موقف مسؤول يعتمد الموضوعية والثوابت والمعطيات، بعيدا عن لغة التخوين والتشهير، أو المديح والتزلف.

ما نراه ثابتاً، أن التركيز على سلة اللجنة الدستورية لم يأت من فراغ، أو أنه جاء فجأة، بل نرى أن المآلات الراهنة لـ عملية التفاوض كانت نتيجة طبيعية لسيرورة الأحداث التي بدأت منذ أيلول 2015، حين بدأ الروس بحربهم الجوية على الشعب السوري سعياً لتحقيق هدفين رئيسيين:

1 – إنقاذ نظام الأسد المتهالك عسكرياً آنذاك، والقضاء على فصائل الجيش الحر التي تقاتل النظام.

2 – إيجاد مسار تفاوضي آخر، غير جنيف، يتم فيه الالتفاف على جوهر القرارات الأممية، ثم فرض رؤية للحل السياسي تنسجم مع تطلعات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين.

ارتكب بوتين بحق السوريين أفظع جرائم العصر

وبالفعل تمكّن الروس، بعد حرب وحشية استخدموا فيها أقذر أساليب الدمار والموت، واستهدفوا المدنيين قبل العسكريين، من تمكين نظام الأسد من استعادة السيطرة على معظم المدن والبلدات السورية التي كان قد فقد السيطرة عليها في السنوات السابقة. وكذلك تمكنوا من احتواء كبرى الفصائل المسلحة، بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، وتجريدها من سلاحها وجلْبها إلى طاولة المفاوضات، تحت ذريعة السعي لوقف إطلاق النار، لترى – فيما بعد -  هذه الفصائل أن مسألة وقف إطلاق النار، أو ما سمي ( مناطق خفض التصعيد) لم تكن سوى خدعة روسية، إذ تحت هذا المفهوم ارتكب بوتين بحق السوريين أفظع جرائم العصر، وأعني حصار السكان وبالتالي إجبارهم على النزوح، أو استئصالهم من مدنهم وبلداتهم.( الغوطة الشرقية – القلمون الشرقي – ريف حمص الشمالي – درعا)،إضافة إلى تجاوز الروس قرار جنيف 1 ، واعتماد القرار 2254 ، الذي يتيح للروس والنظام معاً المجال لتفسيره وفقاً لرغباتهم وتصوراتهم.

وعلى الرغم من تأكيد الأطراف الدولية الراعية لأستانا، على أن هذا المنحى من المفاوضات  سيكون معنياًّ بالمسائل الميدانية فقط، دون الدخول بالشأن السياسي، إلا أن النتيجة تدل على أن مخرجات أستانا أصبحت هي القاعدة المعتمدة لعملية التفاوض، بعد أن اتجهت وفود التفاوض نحو سوتشي ( المظلة السياسية لأستانا).

كما لم تكن مشاركة المعارضة السورية في مسار أستانا تقتصر على مساهمة الفصائل العسكرية فحسب، بل ممزوجة بمشاركة شخصيات من الائتلاف وهيئة التفاوض معا.

ولعله من المعلوم للجميع أن (هيئة التفاوض) انبثقت عن مؤتمر الرياض2، ولئن كان من المآخذ الكبرى على هذا المؤتمر أنه أدخل منصة موسكو إلى هيئة التفاوض، إلّا أن جواب هيئة التفاوض كان يحيل إلى اعتماد البيان الذي صدر عن مؤتمر الرياض2 كمرجعية لا يمكن تجاوزها،ولكن من الناحية العملية ظل بيان الرياض2 حبراً على ورق، ولم يتم الالتزام به.

فضلاً عن أنه، ومنذ انبثاق هيئة التفاوض عن الرياض2، وهي تتمسك بمسار جنيف (إعلامياً) وتنظر إلى أستانا على أنه لن يكون سبيلا إلى الحل السياسي، وتبلور هذا الموقف في رفضها لحضور سوتشي في نسخته الأولى، ولكن ما يحصل حالياً هو الانخراط الكلي لهيئة التفاوض في العمل على مخرجات سوتشي.

 

عودة إلى حيثيات تشكيل ومهام اللجنة الدستورية:

دأبت هيئة التفاوض على التأكيد الدائم التزامها بالتمسك بالقرارات الأممية، وعدم تفريطها بحقوق السوريين، وفي طليعة تلك الحقوق عملية الانتقال السياسي التي تتمحور حول تشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات، ولطالما اتهمت منتقديها بالجهل والغوغائية وعدم معرفة بواطن ما يجري في أروقة المفاوضات، ولكي لا نكون دعاة حالة شعاراتية كما تقول هيئة التفاوض، نود الوقوف عند ما يلي، لا تحليلاً ولا استنباطاً، وإنما وقوفاً عند حقائق وثوابت:

أولاً: بالعودة إلى القرار 2254 نجد أنه يتضمن بنوداً سُميت بإجراءات حسن الثقة، وتطبيقها ملزم، وهي بنود فوق تفاوضية ( البنود 12 – 13 – 14 ) من القرار المذكور، وتتضمن هذه البنود قضية جوهرية بالنسبة إلى السوريين، وأعني قضية المعتقلين لدى نظام الأسد، وكان من المفترض أن يتم البحث في هذه المسألة قبل البدء بأي عملية تفاوضية. إلّا أن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل.

ثانياً : لعله من المؤكد – من الناحية القانونية – أن اللجنة الدستورية هي لجنة صياغة وليست لجنة تفاوض، وإذا كان الأمر كذلك، فأين مرجعية لجنة الصياغة؟

من هي السلطة الحالية التي ستمنح اللجنة الدستورية شرعية كتابة الدستور؟

ثالثاً : أي لجنة يوكل إليها كتابة دستور للبلاد فلا بدّ أن يكون قبل ذلك سلطة هناك سياسية تمنحها الشرعية، فمن هي السلطة الحالية التي ستمنح اللجنة الدستورية شرعية كتابة الدستور؟ هل هي سلطة الأسد؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا اعتراف صريح وواضح من هيئة التفاوض بشرعية نظام الأسد، ولعل هذا الاعتراف يكون الطريق الأمثل لخروج رأس النظام من حيّز الإجرام إلى حيّز البراءة والشرعية.

رابعاً: هل يمكن اختزال قضية السوريين بإيجاد دستور؟ ولو افترضنا أننا أتينا بأجمل دساتير العالم وتم اعتمادها في سورية، فمن سيطبق هذا الدستور؟ النظام الحالي ببنيته الأمنية الراهنة؟ ألا يوجد في الدستور المعمول به حالياً ما يمنع اعتقال المواطنين أكثر من 60 يوماً دون محاكمة؟ كم ستين يوماً مرّ على معتقلينا؟

ما نراه أن في ظل وجود السلطات المطلقة للأجهزة الأمنية القائمة على القتل والترويع، فلا يمكن لأي دستور أن يكون عاصماً لحياة المواطنين. أما ما تراهن عليه هيئة التفاوض حول مسألة ( البيئة الآمنة)، فنحن نعتقد أنه بوجود نظام الأسد يصبح الحديث عن البيئة الآمنة ضرباً من الوهم.