اللاجئون السوريون وتقلبات المشهد السياسي في تركيا

2019.04.29 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ليس جديداً استثمار موضوع اللاجئين السوريين في الاستقطاب الداخلي التركي بين السلطة والمعارضة. غير أن اللوحة السياسية الجديدة التي أفرزتها الانتخابات البلدية، 31 آذار 2019، فاقمت من مخاوف اللاجئين السوريين على مصيرهم بعدما انضمت السلطة إلى المعارضة في الحديث عن ضرورة عودة اللاجئين إلى بلادهم.

وما إن أعلن عن فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري تانجو أوزجان برئاسة بلدية "بولو" حتى قال إنه سيوقف المعونات التي تقدمها البلدية إلى اللاجئين السوريين في مدينته. وعندما تعرض لانتقادات في وسائل الإعلام، برر قراره المرتقب بأن هناك أكثر من جهة تقدم معونات للاجئين من غير تنسيق فيما بينها، وعبر عن استيائه من "ارتداء السوريين لأفخر أنواع الملبوسات، في حين تضطر نساء تركيات مسنات لبيع أشياء بسيطة على الرصيف لتأمين احتياجاتهن". وليته اكتفى باتخاذ

كلام رئيس البلدية المذكور في سياق الصعوبات الاقتصادية والاستقطاب السياسي الحاد، يشكل وصفة مضمونة لبث الكراهية، وينطوي على خطر التحريض على اعتداءات

قرار وقف المساعدات ولم ينطق بهذا الكلام المصمم للتحريض ضد اللاجئين، في فترة عصيبة على المواطن التركي الذي يعاني من الصعوبات الاقتصادية التي باتت تضغط على مستوى معيشته، وبلغت البطالة نسبة 15% من قوة العمل، وفقاً للأرقام الرسمية.

كلام رئيس البلدية المذكور في سياق الصعوبات الاقتصادية والاستقطاب السياسي الحاد، يشكل وصفة مضمونة لبث الكراهية، وينطوي على خطر التحريض على اعتداءات، كما جاء في بيان نشرته مجموعة من منظمات المجتمع المدني في تركيا بلغ عددها 44 منظمة.

ولا يقتصر الأمر على حزب الشعب الجمهوري، كما لا يشمل كل ممثليه أو جمهوره. فقد تبارت الأحزاب السياسية، أثناء حملة الانتخابات المحلية، على إطلاق تصريحات تثير توجس اللاجئين السوريين، بما في ذلك تصريح مرشح حزب العدالة والتنمية لرئاسة بلدية إسطنبول، رئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم الذي حذر اللاجئين من عواقب "إخلالهم بالنظام العام" كما قال. أما مرشحو الحزب الخيّر (أو الجيد) بقيادة مرال آكشنر فقد كانوا الأعلى صوتاً في مناهضتهم للاجئين السوريين، فرفع الحزب لافتات في حي الفاتح في إسطنبول الذي يقطنه عدد كبير من اللاجئين السوريين، وتنتشر فيه محالّهم التجارية ومطاعمهم، كتب عليها: "لن نتخلى عن حي الفاتح للسوريين!".

وتستخدم الحكومة موضوع اللاجئين الذين بلغ تعدادهم أكثر من 3 ملايين ونصف، وفقاً لأرقام وزارة الداخلية، كورقة ضغط على المجتمع الدولي من أجل تحقيق مطلبها في إقامة منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا، بدعوى توفير الشروط المادية لعودة اللاجئين السوريين بصورة آمنة، إضافة إلى المبررات الأخرى التي تسوقها بهذا الخصوص كـ "مكافحة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومستلزمات الأمن القومي لتركيا"، وهي جميعاً التعبير الموارب عن رغبتها في القضاء على "قوات سوريا الديموقراطية" أو إبعادها عن حدودها الجنوبية.

إذا تركنا شأن الأحزاب السياسية وألقينا نظرة على موقف المجتمع التركي من اللاجئين السوريين، سنرى أن الصعوبات الاقتصادية، وطول أمد إقامة اللاجئين على الأراضي التركية، قد أثرا سلباً على موقف المجتمع المضيف من "ضيوفه" غير المرغوبين، كما يتأثر بمواقف الأحزاب والإعلام ويستمد منهما حججاً على موقفه السلبي، سواء كانت قائمة على معلومات صحيحة أو إشاعات مفبركة بهدف التحريض أو بهدف تبرير الصعوبات الاقتصادية بالإشارة إلى كبش الفداء المناسب.

صحيح أن البيان المذكور فوق الذي وقعت عليه 44 منظمة مدنية، بما في ذلك مجالس مدن وغرف تجارة وصناعة واتحادات نقابية، يعكس جانباً آخر من المجتمع متعاطف مع اللاجئين ومأساتهم، ويواجه بشجاعة النزعات المناهضة لهم، لكنه لا يكفي لطمأنة اللاجئين السوريين الذين باتوا يعانون الكثير من التضييقات الإدارية كالحرمان من السفر بين المحافظات إلا بإذن سفر صادر عن إدارة الهجرة التي لا تعطيه، منذ بعض الوقت، إلا لحالات استثنائية.

على رغم ذلك، وعلى رغم تغير سياسة الحكومة من الصراع السوري، إلى حد كبير، بعد دخول تركيا إطار "تحالف آستانا / سوتشي" شريكاً لروسيا وإيران، ما زال قسم

هنا في تركيا، تدهورت شروط اللاجئين السوريين، في السنوات الماضية، باطراد، لكنهم ما زالوا يتوجسون مما هو أسوأ

كبير من اللاجئين السوريين يخشى من أي صعود للمعارضة التركية على حساب حزب العدالة والتنمية، كما حدث في الانتخابات البلدية الأخيرة حيث انتزعت المعارضة بلديات خمس مدن كبرى من يد الحزب الحاكم. السوري الذي تعلم من خبرته العملية، طوال الحقبة الأسدية المديدة، أن هناك دائماً ما هو أسوأ، مهما بلغت أحواله من سوء. وهنا في تركيا، تدهورت شروط اللاجئين السوريين، في السنوات الماضية، باطراد، لكنهم ما زالوا يتوجسون مما هو أسوأ بعد. تواتر المواقف السلبية لأحزاب المعارضة من اللاجئين، جعلهم يتمسكون بالحزب الحاكم ويدافعون عنه على رغم كل التغيرات السلبية التي طرأت على مواقفه منهم ومن المسألة السورية عموماً.

تقول أحدث الأخبار إن البيان الختامي لاجتماع "نور سلطان" (آستانا سابقاً) الذي عقد قبل يومين، تضمن دعوةً لكل من العراق ولبنان لحضور الاجتماع القادم بصفة مراقبين. إذا كانت دعوة العراق يمكن تفسيرها برغبة تركية في "الحفاظ على وحدة الأراضي السورية"، فدعوة لبنان لا يمكن فهمها إلا على خلفية هاجس إعادة اللاجئين السوريين "طوعاً"! أضف إلى ذلك أن كلاً من لبنان والعراق الرسميين هما من حلفاء نظام الأسد تحت العباءة الإيرانية الجامعة، بحيث يتحول هذا المحفل، بحضورهما، إلى تجمع لحلفاء النظام باستثناء تركيا.