اللاجئون السوريون ليسوا ورقة مساومة

2018.12.20 | 00:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كانت أكبر موجة نزوح للسوريين بين العامين 2014 و2015، إذ نزح فيهما أكثر من خمسة ملايين إنسان إلى خارج سوريا وحوالي المليونين داخلها، كان منهم حوالي مليوني طفل، حُرم الكثير منهم من التعليم ناهيك عن عذابات التهجير والهروب. كان لتركيا الحصة الكبرى، حيث بلغ العدد فيها أكثر من 3,5 مليون خاضعين لقانون الحماية المؤقتة، يليها في المرتبة الثانية لبنان ثم الأردن، وحوالي مليون لاجئ في عموم أوروبا. عاد منهم حوالي  32,240 بشكل "طوعي" في العام الحالي.

ترتب على عمليات النزوح والتهجير تلك مشاكل اقتصادية واجتماعية، ناهيك عن السياسية في بلدان النزوح، حيث ساهمت في صعود الأحزاب اليمينية المعادية للمهاجرين عموماً، وللمسلمين خصوصاً، إضافة إلى مشاكل اجتماعية

روسيا التي تدخلت بشكل مباشر في نهاية أيلول 2015، وساهمت بقوة في تهجير السوريين بعد استخدامها الوحشي لأسلحتها القديمة والجديدة التي قتلت الكثيرين

ساهمت في تعميق صدوع مجتمعية كامنة، تلخصت في عمليات عدائية تجاه النازحين السوريين، أما في لبنان، حيث الهيمنة المطلقة لميليشيا حزب الله، الذي شارك في عمليات التهجير، بقتاله إلى جانب النظام ضد السوريين، فقد مارس تجاههم عمليات إكراه ذات دوافع طائفية وسياسية، أجبرت البعض منهم على العودة "الطوعية" هرباً من ممارسات الميليشيا المذكورة.

روسيا التي تدخلت بشكل مباشر في نهاية أيلول 2015، وساهمت بقوة في تهجير السوريين بعد استخدامها الوحشي لأسلحتها القديمة والجديدة التي قتلت الكثيرين، ودفعت المزيد نحو النزوح الداخلي والخارجي، تحاول الآن جاهدة تتويج عملياتها العسكرية باتفاق سياسي يضعها في موقع صانع السلام كما الحرب في سوريا، فبعد تمكنها من عقد اتفاقات ما عُرف بمناطق خفض التصعيد، مع كل من تركيا وإيران، تسعى الآن بشكل حثيث لتكون تلك الاتفاقات هي المسار الوحيد لإيجاد حلٍّ ما للوضع في سوريا، في ظل انشغال الإدارة الأميركية بمحاربة داعش، والتخبط في محاولة الحد من النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا، ناهيك عن عواصم عربية عدة.

مؤخراً، سعت روسيا بمبادرة تأخذ شكل مقايضة أو صفقة مع البلدان التي يوجد فيها نازحون ولاجئون سوريون، وخاصة مع دول أوروبا ولبنان والأردن، مستغلة الوضع في كل من هذه الدول على حدة، ففي الأردن حيث الضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وفي لبنان حيث الهيمنة على القرار بيد ميليشيا حزب الله، وأوروبا حيث صعدت موجات من العدائية تجاه المهاجرين تجلت بفوز الأحزاب اليمينية من جهة، ولشعور أوروبا بأنها خرجت بعيداً عن أي دور في سوريا.

لربما أكثر البلاد احتمالاً في التجاوب مع الصفقة الروسية هي لبنان، حيث يسيطر على القرار حزب الله، وتعيث ميليشياته فساداً، كما أن حزب الله نفسه جزءٌ من الصفقة من خلال الدور الإيراني، يليه الأردن بسبب وضعه الاقتصادي من جهة، وتماشياً مع الرياح الدولية تجاه النظام السوري، أما الصفقة التي تهم روسيا أكثر فهي مع دول الاتحاد الأوروبي، والتي تقضي بإعادة ولو نسبة من اللاجئين مقابل التشارك في العملية السياسية التي ترعاها موسكو وتوزع الأدوار فيها، والمساهمة فيما بعد في عملية إعادة إعمار البلاد.

تروج روسيا لتلك العودة بأنها ستكون آمنة وأنها تضمن تحقيق ذلك، في كذب واضح، حيث يعرف السوريون أن كثيراً ممن عادوا كانت أفرع المخابرات هي أول من استقبلتهم، وخضعوا لعمليات تعذيب، ومات كثير منهم وبقي مصير غيرهم مجهولاً، وهو نفس الأمر الذي حدث مع العناصر التي دخلت في لعبة المصالحات مع النظام، التي قالت روسيا إنها ستضمن عدم اعتقالهم أو سوقهم للجيش، على الأقل لفترة تصل حتى العام، ثم تبيّن كذبها.

لا شك أن الاتحاد الأوروبي يمتلك من عوامل القوة ما يكفي كي لا يخضع لهذه الصفقة/ المساومة، ولا بد له من التركيز على العوامل التي أدت إلى نزوح

لم يخرج السوريون من بلدهم ترفاً أو سياحة أو رغبة في الاستكشاف، وإنما خرجوا هرباً من قصف وحشي قامت به قوات النظام وروسيا وإيران، ومن معتقلات لا شبيه لها حتى ضمن معتقلات النازية

وتهجير السوريين، وهي القتل والاعتقال، ولا تزال تلك العوامل قائمة وواضحة للعيان في أكثر من مكان، وبالتالي يجب على الاتحاد الأوروبي إدراج هذه العملية تحت رعاية الأمم المتحدة، والضغط باتجاه خلق بيئة آمنة تجذب السوريين بدلاً من طردهم من بلادهم، وهو بالتأكيد يملك هذه الإمكانية، وإلا فسيقدم لروسيا الغطاء السياسي لعودة إجبارية تزج بالسوريين بالمعتقلات، حيث النهاية معروفة.

لم يخرج السوريون من بلدهم ترفاً أو سياحة أو رغبة في الاستكشاف، وإنما خرجوا هرباً من قصف وحشي قامت به قوات النظام وروسيا وإيران، ومن معتقلات لا شبيه لها حتى ضمن معتقلات النازية، حيث القتل وتقطيع الأطراف والحرق، وهي أمور تعرفها جيداً دول الاتحاد الأوروبي، وتملك من الوثائق ما يكفي عنها. وهم سيعودون حالما يدركون أن أسباب خروجهم قد زالت، وهو الأمر الذي لا يتم من دون الشروع في عملية انتقال سياسي تفضي إلى الحد من سلطة المخابرات في سورية أولاً، وصولاً للخلاص منها بشكل نهائي، وإرساء أسس نظام ديمقراطي قائم على احترام كرامة وحقوق الناس.

اللاجئون مثلهم مثل المعتقلين، ليسوا أوراقاً للمساومة، ولا بنوداً على جدول الصفقات السرية والعلنية، فهم بشر من لحم ودم، ولهم ما للبشر كلهم من حقوق في العيش الكريم الآمن في أرضهم التي اضطروا إلى الخروج منها.