icon
التغطية الحية

الكتابة بـالعاميّة تنتشر في مدارس الشمال السوري

2019.02.19 | 16:02 دمشق

طلاب يدخلون إلى مدرسة مدمرة جزئيا إثر القصف في الرقة(رويترز)
إدلب - عائشة صبري - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

نوع جديد من الأميّة يتفشى في المدارس بمناطق سيطرة المعارضة، حيث باتَ لا يُستغرب من طالبٍ في المرحلة الإعداديَّة أو الثانويَّة في مدارس الشمال السوري؛ الجهل بمبادئ اللغة العربيَّة البسيطة، أو وجود عشرات الأخطاء الإملائيَّة في كتابته لأيّ نصٍّ غيبًا.

تعددت أسباب تدني المستوى التعليمي، ما بين قلة الإمكانيَّات المتاحة من قبل الجهات المسؤولة عن المؤسسة التعليميَّة، وغياب الدعم المنظَّم، إضافة إلى عزوف آلاف الأسر عن إرسال أبنائهم إلى المدارس بسبب عدم الاستقرار والنزوح من منطقة إلى أخرى، فضلًا عن ضيق ذات اليد لمعظمهم، وحلول الطفل بموقع المُعيل في الأسرة.

 

تأثير مواقع التواصل الاجتماعي

وللحديث عن هذه المشكلة لدى الطلاب، قال "عدنان سليك" مدير مكتب وزير التربيَّة في الحكومة المؤقتة، إنَّ تدني مستوى الكتابة لدى الأطفال ليس فقط في مدارس إدلب، بل في عموم الشمال السوري، وذلك يعود إلى أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة، أولها وجود أجهزة الهاتف الذكي بين متناول الأطفال وهي من أحد أسباب إعاقة الأطفال عن الكتابة بخط اليد، لذلك تؤدي لضعف مستوى الكتابة لدى طلاب الحلقة الثانية بمرحلة التعليم الأساسي، وثانيًا أسلوب الخطاب باللهجة العاميَّة المستخدم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف سليك في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، إنَّ الفقر يُصعِّب على البعض من العوائل إرسال أطفالهم إلى المدارس، ومن ناحية أخرى تُؤثر درجات انخفاض الحرارة في المخيمات المنتشرة في الشمال السوري، على التلاميذ ما يمنعهم عن الوصول إلى المدارس، فنسبة التحصيل العلمي ضعيفة هناك على الرغم من جهود المدرّسين المبذولة.

وتابع "إنَّ المشاكل السياسيَّة الداخليَّة من اقتتال فصائلي أحيانًا، وقصف مدفعي وجوِّي على المناطق المحررة بين الحين والآخر، وما ينتج عنه من استهداف المدارس وانقطاع الدوام، يُحبط العمليَّة التعليميَّة، ويؤثر على مستوى التحصيل العلمي، والكتابة باليد، وينعكس سلبًا على الطلاب".

أمّا بالنسبة لإنقاذ الجيل القادم، فأفاد مدير مكتب وزير التربيَّة، بأنّهم بحاجة إلى مناطق آمنة تنعم بالاستقرار والهدوء والأمان ، حتى يسود فيها التعليم بشكله الحقيقي.  

 

الفقر والقصف يهددان التعليم

"وئام الرحال" معلّم في مدرسة إعداديَّة في بلدة "كفردريان" شمالي إدلب قال في حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا": إنَّ الكثير من الطلاب في المدرسة لا يُجيدون القراءة والكتابة بالشكل الصحيح على الرغم من وصولهم إلى الصف السابع والثامن، إذ إنَّ العديد منهم لا يُميِّز بين الفعل والفاعل والمفعول به، ولا يعرفون شيئًا في قواعد اللغة العربيَّة.

وأضاف إنَّ "الطلابَ أخطاؤهم الإملائيَّة كثيرة أثناء كتابة أيّ نصٍّ على السبورة، فضلًا عن تأثرهم بلغة برامج الدردشة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تُكتب عادةً باللهجة العاميَّة، وحسب اللفظ دون التقيُّد بأيّ قاعدة من قواعد اللغة، ولاحظتُ ذلك من خلال مواضيع إنشائيَّة طلبت من الطلاب كتابتها".

وأوضح الرحال؛ أنَّ عددًا من الطلاب يكتبون الألف المقصورة، ممدودة، وحرف النون بدلًا عن التنوين في آخر الكلمة، أيّ أنَّهم يكتبون كما يلفظون، مما اضطره للتعامل معهم على أنَّهم طلاب في أوائل المرحلة الابتدائيَّة عبر العودة إلى كتابة الأحرف، وطريقة رسمها.

وعزا سبب تدني المستوى التعليمي، إلى معوِّقات يُعاني منها الطلاب كنقص الكتب المدرسيَّة والقرطاسيَّة، وحالة الفقر المعيشي التي تُؤثر على تركيز الطالب، نتيجة سوء التغذية الحاصل، واعتماد ربّ الأسرة على أبنائه في تأمين لقمة العيش، ما يُعيق عمليَّة الإدراك الصحيح، والمتابعة عند الطلاب، بالإضافة إلى عدم انتظام الدوام بسبب ترك الطلاب للمدرسة عند وجود الطائرات الحربيَّة في السماء، أو في حالات القصف البرّي، ويتم إيقاف الدوام بشكل كامل في كثير من الأحيان بسبب ذلك.

 

نقص الكوادر التعليمية

بدوره، علّل "ضرار المحمد" مدير إحدى المدارس في ريف إدلب الشمالي ذلك بأنَّ معظم المدارس في مناطق المعارضة تُعاني من نقص في الكوادر التربويَّة المتخصّصة، بسبب عمليَّات اللجوء والنزوح، والاعتقالات وانتساب العديد منهم إلى الجيش الحر، وقلّة الإمكانيات الماديَّة اللازمة لمصاريف التشغيل، ولا سيما وسائل التدفئة في فصل الشتاء.

وقال "المحمد" لموقع تلفزيون سوريا إنَّ أغلب المدارس في إدلب أصابها القصف، فمنها  ما دُمِّر كليًّا، وخرجتْ عن الخدمة، ومنها مدمَّرة جزئيًّا، وتم ترميمها من قبل المجالس المحليَّة والمنظمات الإنسانيَّة في المنطقة، بالإضافة إلى استقرار العديد من النازحين في المدارس، واعتمادهم عليها كمراكز إيواء مؤقتة.

وفي أجواء القصف تمتنع العائلات عن إرسال أبنائها إلى المدرسة خوفًا عليهم بسبب الاستهداف المباشر للمدارس ووقوع ضحايا، ما ساهم بتفشي الجهل بين الطلاب، لا سيّما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات و12 سنة، وسط تغيير مستمر في أعداد الطلاب بسبب عمليَّات النزوح، وخاصّة مناطق جنوبي إدلب مؤخرًا، وصعوبة وصول الطلاب إلى المدارس بسبب الظروف الأمنيَّة.


 

معلمون من دون أجور

وأكد سليك، أنَّ الجانب المادِّي هو من أهم المعوّقات لتأمين رواتب المعلمين، وتأمين البنى التحتية للمدارس والوسائل التعليميَّة، وطباعة المنهاج المدرسي، فالطباعة الموجودة لا تكفي الحاجة كاملةً، حتى نسدُّ العجز.

وبالنسبة للمعلمين، أشار سيليك، إلى أنَّهم موجودون على رأس عملهم، ويقومون بالعمليَّة التعليميَّة، لكنَّهم بحاجة إلى دورات تأهيليَّة وتدريبيَّة، تُساعدهم على إقامة العمل بشكل جيِّد، وهم بحاجة للدعم المادي لإقامة هذه الدورات.

وتابع سيليك أن الواقع الاقتصادي الذي تعيشه مناطق إدلب وأرياف حلب وحماة (منطقة خفض التصعيد) وأيضًا مناطق (درع الفرات وغضن الزيتون)، وما يتقاضاه المعلم من راتب شهري يُعادل 125 دولار أمريكي، لا يكفي حاجة شخص واحد شهريًّا، فكيف إذا كان لديه أسرة، فهو بحاجة لراتب لا يقل عن 300 دولار، إذ كان المعلم يتقاضى راتبًا قدره 25 ألف سوري بمعدل 500 دولار قبل الثورة.

وأضاف أنَّ نقص الراتب ينعكس سلبًا على حياة المعلم وأدائه الفعَّال، ومع هذا الجميع يعمل في ظلِّ الظروف القاسيَّة، والبعض من المعلمين في عدد من مدارس إدلب لا يتقاضون رواتبًا، ويعملون بشكل تطوعي، باستثناء منح بسيطة تُقدر بخمسة آلاف ليرة سوريَّة من المنظّمات بأوقات متفاوتة.

يذكر أنَّ المنظمات الإنسانيَّة عملت جاهدة على إعادة ترميم المدارس في الشمال السوري، بهدف استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب لا سيما مع عمليَّات التهجير من المناطق السورية كان آخرها من محافظتي درعا والقنيطرة، فيما أوقفت العديد من المنظمات الدوليَّة دعمها لقطاع التعليم، لأسباب منها تتعلق بانتهاء العقود، أو الوضع الأمني.