الفتاة الأخيرة وهذه قصتي.. عن ناديا مراد الإيزيدية

2018.10.15 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في التسعينات من القرن الماضي، التقيت في معهد التراث العلمي برجل أنيق في ثيابه وحديثه ومجلسه، قيل إنه رجل دين إيزيدي من شمال سوريا أتى للبحث في إحدى المخطوطات. لم يكن مظهره مألوفاً في سوريا لا وضعاً ولا شعباً ولا نظاماً.

بعد عقود أخرجوا من مستقرهم وتمايزهم وانطوائهم ليواجهوا أعتى هجوم، اقتحام قوات داعش لقراهم في العراق كذلك في سوريا. إذا استرجع المرء تلك الصورة لرجل الدين، يقول إن ما عبروا به من أهوال كان ربما نتيجة لهذا الخيار الثقافي الديني المنعزل، وعدم الخوض في آلة الحرب وعدم خضوعهم لآلة الحرب. الوضع الذي يشبه نوعاً ما ما يحدث في السويداء في الوقت الحاضر.

"الفتاة الأخيرة وهذه قصتي" عنوان كتاب الإيزيدية ناديا مراد التي نالت نوبل للسلام 2018

"الفتاة الأخيرة وهذه قصتي" عنوان كتاب الإيزيدية ناديا مراد التي نالت نوبل للسلام 2018. ليس لكي تسجل قصتها فعلت ولكن لتكون أكبر مقدرة على محاكمة المتسببين في انتهاك أهل بلدتها سنجار. تلك الظروف التي أدت لخطفها وغيرها من بنات واغتصابهن، وجعلتها ضحية لهذه الجماعة الدينية وضحية لصراعات حضارات وديانات.

تقول في كتابها إن شعب المنطقة لم يكترثوا حين عبرت بنات في شاحنة مخطوفات وكن يصرخن يطلبن مساعدة. كأن أهل تلك المدن وكانت تعني الموصل اتخذوا قرار عدم التدخل. وتذكر أطفالاً خطفوا وغسلت أدمغتهم ليكونوا مهيئين للقتال ضمن دولة داعش.

بعد أن خرجت هاربة من محنتها بدأت ناديا مراد تتنقل بين وسائل الإعلام وجهات السلطة في العالم أجمع، تسرد قصتها وتسأل عن سبل تخليص بنات كثيرات في الأسر.

استطاعت هذه الشابة أن تنجو من تأثيم الثقافة المشرقية ومن انتهازية الثقافات المعادية. ولكنها لن تكون تلك "الناجية" فقط، إنما ستجعل لتجربتها تمكناً من آلة الحرب التي استخدت العنف الجنسي وسيلة للهيمنة والإرهاب.

بقامة نحيلة ومنطق صادق. تنقلت بين جهات عديدة وفي كل ظهور إعلامي لها تضيف جديداً من معاناتها وكأن خبرتها فيما مرت به لا تنضب أبداً.

استطاعت هذه الشابة أن تنجو من تأثيم الثقافة المشرقية ومن انتهازية الثقافات المعادية

زارت مدرستها وقالت إن أمها كانت يوماً برفقتها. قتلت أمها، قيل مع نساء أخريات أثناء هجوم قوات داعش لضيعتهم، قتلت لأنها مسنة ولا تصلح للخدمة في البيوت أو أن تكون نافعة في البيع والشراء في سوق الخناسة، الإتجار بالبشر.

في تصريح مؤثر قالت من قلب تائق للعلم، إن من الداعشيين من هم دارسون. كانت تعني الشهادات الجامعية. تلك التي افتقدتها ضيعتها وتلك المناطق النائية وأضافت بأن لديهم سيارات وملابس.

تقول تعلمت من أمها بأن الدين رحمة وخير وأن الخليقة هم من يختلفون وليس الخالق. وأنها غير حاقدة ولا تتمنى لأخوات الداعشيين أن يَعبُرن بما عبرت به. وقالت إن زوجات الداعشيين يبدو عليهنّ الارتياح لأوضاعهن.

هربت من سجنها أكثر من مرة وكانت في كل مرة تعاد وتُعذَّب، ولكنها في المرة الأخيرة نجحت وتخلصت نهائياً من سجانيها ولكنها لم تكتف بحريتها، قررت أن تواجه السجن وآلة الحرب.  

في حرب سوريا اليائسة هناك الألوف من النساء اللواتي تعرضن لإرهاب وقمع منظم واعتقالات من جهات مختلفة ولم يعرف لها اسم وعنوان

في حرب سوريا اليائسة هناك الألوف من النساء اللواتي تعرضن لإرهاب وقمع منظم واعتقالات من جهات مختلفة ولم يعرف لها اسم وعنوان ولكن كانت النتيجة أن لم يكن لديهن دليل واحد يخرجن به ويتحدثن فيه ولا يصدق على الإطلاق أنهن رغبن بطمر معاناتهن.   

في الوقت الذي كانت المعارضة والمثقف في منامه أو تجاهله لأوضاعهن، أو مشاركاً في تشريدهن وشتاتهن بطرق لا تختلف في نتائجها عما فعله النظام ودواعش المنطقة.

صفق العالم لها وبكى كثيرون متأثرين بحكايتها ونالت مراد جائزة نوبل للسلام وقيل إنها وشعبها دخلت سجل التاريخ.   

عانقت بقلب حار أشخاصاً من كل العالم وأوقفت وأمامها ميكروفونات عديدة، ولكن ملامح الوجه وبعض التعثر في الكلمات كانت لتزيد في البراءة والطفولة والحق.