الطريقة الوحيدة لإخراج إيران من سوريا

2018.11.10 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

سألني مذيع الراديو عما إذا كانت العقوبات الأمريكية على إيران برأيي سوف تؤدي إلى تغيير النظام الإيراني أو حتى مجرد تعديل سلوكه؟ من الواضح أن ثمة تفكير يريد أن يسوقه الأمريكيون عن أهمية وقوة العقوبات الأمريكية ضد الإيرانيين، في بداية الأمر قالوا إن العقوبات تستهدف تغيير النظام عبر التأثير على المجتمع الإيراني، ثم بتنا لاحقاً نسمع من الإدراة الأمريكية أن غرض الأمريكيين هو الحد من نفوذها، وأخيراً صرنا نسمع عبارة "تعديل سلوك إيران" والحد من تأثير تمددها الإقليمي، أي إلى احتواء إيران، ولسوء الحظ ومن باب الاستسهال والاعتقاد بأن المال رب السياسة وبأن الولايات المتحدة عبارة عن مرتزقة تدفع لهم فيقاتلوا بالنيابة عنك، ذهبت بعض الدول الخليجية وراء هذه الفكرة بعيداً، وأقنعت نفسها أن هذا هو الطريق لمواجهة إيران، قوة كبرى تقاتل بالنيابة عن دول المنطقة ضد النفوذ الإيراني، هذا أقرب إلى محاولة التهرب من المسؤولية وإعلان الفشل.

الواقع أن تغيير السلوك الإيراني في المنطقة يمر عبر تغيير النظام، يدرك ذلك الأمريكان قبل غيرهم، لا توجد دولة سقطت بالعقوبات، فكيف بنظام دولة بدأت واستمرت في جو من العداء الدولي والإقليمي لعقود؟ من الخفة بمكان الاعتقاد أن إيران لن تستطيع الاستمرار في وجودها وتغلغلها في الدولة السورية واحتلال نظامها كما فعلت في العراق، لا مؤشر بأن العقوبات على إيران أدت إلى نتائج مهمة في سوريا، الثمن السياسي والفرصة التاريخية التي لا تعوض لن يفوتها الإيرانيون، في ظل مثل هذه العقوبات فإن إيران ستكون كوريا شمالية أخرى، رغم كل الحصار والعقوبات ستتطور عسكرياً وتعيش أجيالاً، فكيف وإيران دولة نفطية وتستطيع التأثير على استقرار أسخن منطقة في العالم؛ الشرق الأوسط؟! بل إنه في ظل هذه العقوبات سيكون نفوذها الخارجي هو الذي سيحميها من أي تداعيات خطيرة، فمخالبها في قلب العرب، في سوريا ولبنان وستظل تسعى لمدها في مناطق أخرى والاستفادة منها لحماية نفسها ولعب دور أكبر في العالم كقوة إقليمية لا يمكن تجاهلها.

الواقع أن تغيير السلوك الإيراني في المنطقة يمر عبر تغيير النظام، يدرك ذلك الأمريكان قبل غيرهم، لا توجد دولة سقطت بالعقوبات

سيكون من الحمق التعويل على العقوبات الأمريكية للحد من نفوذ الإيرانيين، لقد سبق وقلت غير مرة إن الأمريكيين والإسرائيليين مستفيدون من التمدد الإيراني أكثر مما هم متضررين منه، ويريدون بقاءه عند مستوى الفائدة هذه، يريدون احتواءه وحسب، لا يهم كل ما يعلن ويقال، المهم ما يحدث على الأرض فعلاً.

فوَّت "حلفاء الثورة" السورية واحدة من أعظم الفرص التاريخية لإخراج إيران من المنطقة، تبين بعد سنوات من الثورة أنهم ليسوا حلفاء، كانوا مجرد أصدقاء تقاطعت مصالحهم في وقت من الأوقات مع الثورة، لكن أسوأ ما اكتشفناه بعد مرور بضعة سنوات أن بعض الأصدقاء يريد من الثورة أن تقاتل إيران بالنيابة عنه  وتخرجها من لبنان وربما كان يأمل أن تؤثر على وجودها في العراق، لكنهم في الوقت نفسه كانوا خائفين حد الفزع من فكرة انتصار الثورة السورية، هكذا في الوقت الذي كانوا يدعمونها كانوا يعملون من أجل عدم انتصارها!.

كانت الفرصة سانحة لتشكيل محور تركي – سعودي للانخراط في ثورة سوريا عميقاً والتأثير في مسار الأحداث بل وحسم الثورة عسكريا في فترة قصيرة، والحد من إمكانات الإيرانيين من التدخل، كان هذا ممكنا جداً، وكان من الممكن بناء تفاهم على المصالح الاستراتيجية لكل من الأطراف في هذا المحور، لم يكن هذا محالاً، لكن وحيث لم يقم هذا المحور فقد خسر الجميع وربح الإيرانيون وحدهم.

كانت الفرصة سانحة لتشكيل محور تركي – سعودي للانخراط في ثورة سوريا عميقاً والتأثير في مسار الأحداث بل وحسم الثورة عسكريا في فترة قصيرة، والحد من إمكانات الإيرانيين من التدخل

كان واضحاً جداً أن "الطريقة الوحيدة لإخراج إيران من سوريا هي انتصار الثورة السورية" على حد قول جمال خاشقجي في مقابلة فريدة له حول سوريا قبل أيام من مقتله الوحشي في أكتوبر الفائت، وحيث أن الجميع مدرك لذلك فقد فضل الخائفون من انتصار الثورة خيار أن تخسر الثورة وتنتصر إيران على خيار أن تنتصر الثورة وتخسر إيران، يجب أن نعترف أنها كانت معادلة صعبة جداً لبعض الدول، ونتائجها أصعب.

يعتمد أصحاب هذا الخيار البائس على بدائل للثورة السورية قائم على الاعتماد المطلق على الأمريكيين والإسرائيليين، للحد من انتصار إيران الوشيك، وتقليل الخسائر السياسية، لكن أيضاً ثمن ذلك باهظ للغاية سياسياً ومالياً، والابتزاز الذي يتعرض له أصحاب هذا الخيار كبير ومتزايد ومفتوح بلا نهاية.

لم يربح نظام الأسد بربح الإيرانيين على الإطلاق، فقد تم نخره تماماً، ويحتله الإيرانيون بالتدريج وبسرعة متزايدة، ومن الوهم أن الإيرانيين حريصون على سوريا الدولة أو حتى أن مصالحهم تتقاطع مع الجغرافيا السورية كاملة، فللإيرانيين مصالح محددة جغرافياً وهم يسيطرون على معظم ما يريدونه منها، وسواء استمر الأمر على سيطرة النظام على 54% من الأراضي السورية أم توسع فالأمر سواء بالنسبة لهم ما دام ما يردونه في إطار الـ54% هذه.

لم تربح المعارضة، ولم تنهزم الثورة بعد، ما زالت ثمة قابلية لها للعودة، وما زال بالإمكان تغيير قواعد اللعبة، وعدم منح إيران الفرصة للبقاء، وجود الثورة هو المهدد الوحيد للإيرانيين، ويجب أن يبقى إذا أريد لإيران أن تنهزم يوماً ما.