الطائفة العلوية والثورة في حمص

2018.10.10 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كان الحراك السلمي للثورة ما بين درعا ودمشق وكانت العين على حمص فجمر البركان كان قد بدأ بالغليان استعداداً للانفجار

حمص المدينة المتخمة بالطائفية والمناطقية والتقسيم للحارات ما بين حارة سنية وحارة علوية وحارة مسيحية مع وجود الحارات التي أمسكت العصا من الوسط واشتملت على جميع الطوائف، كان الجميع مراقباً للجرأة في درعا لم يكن ليصدق أحد بوجود من ينزل وينادي بمطلب ولو كان بكلمة ((حرية))، وكانت أولى المظاهرات في حمص تنادي بإسقاط المحافظ.. الكلب الوفي لبشار؟

العلويون في حمص كانوا في وضع أقرب للحياد.. لم يكونوا في حالة استهجان.. كذلك لم يكونوا متشجعين للنزول إلى الشارع.. إلى أن جاء التحضير لاعتصام الساعة الكبير في 18 نيسان عام 2011 الذي شارك فيه الناس من جميع الطوائف سواء نقابات كنقابة المحامين والصيادلة وغرفة التجارة والصناعة وكان هنالك تمثيل رسمي للأحزاب التي تواجدت على الأرض، وكان للفكر المخابراتي القذر ما كان..

الشارع يقف في صف واحد.. لا شرخ.. لا خلاف.. والصبغة المعروفة للعلويين في حمص أنهم أخف تعصباً  لأفكار الطائفية والعشائرية كما هم علويو الساحل.. وحتى عند طرح فكر التغيير لم يكونوا ضد الفكرة مادامت الكلمة ستكون للانتخابات، فكان لـ سكان حمص أن يفاجئوا بجريمة قتل وتنكيل وتشويه لجثث لعميد في الجيش (معروف بحسن سيرته وسلوكه ومحبة الجوار له) مع ولديه وابن اخيه، وذلك قبل يوم واحد من اعتصام الساعة المعروف..

وظلت قناة الدنيا على مدى الساعة تعرض فيديو لجثث العميد وأولاده مع عبارات تثير الشحن الطائفي.. دون أدنى اعتبار لأهل الرجل ومشاعرهم

في اليوم الثاني كان التمثيل للعلوين ليس بالمستوى المطلوب في الاعتصام لانشغال العديد في مراسم الجنازة والدفن للضابط وولديه.. ولأن الفتنة كانت قد استيقظت في عقول البعض الآخر.. لكن ذلك لا يكفي.. فلا بد من إثارة الرعب وقلب الحياد  إلى معركة وجود


الخطوة الثانية..

قامت المخابرات بتمويل بعض البسطاء في الأحياء المتعصبة دينياً وسلمتهم السلاح وأعطت القوة لبعضهم لحماية حاراتهم مع الغمز الطائفي مجدداً بوجوب تطهير الحارات من المشكوك بأمرهم.. وكانت كتيبة الفاروق مثالاً يحتذى به حيث قامت بجرائم بشعة تحت اسم الثورة مرتدية عباءة الدين وكذلك تم ما تم في باقي الحارات مع ضخ السلاح مدججاً بالحقد الطائفي، تم طرد أي تواجد علوي لأي حراك ضمن حمص تحت مسمى التشكيك بأنه عين للأمن..

بعد شهر تقريباً كانت حمص مقسمة ومنقسمة على نفسها وذلك بإنشاء حكم مستقل لكل حارة على حدة تحت مسمى إمارات إسلامية وبعض الحارات قامت  ببناء جدران فيما بينها وتم وضع حواجز بعضها للنظام وبعضها الآخر لمعرفة من يدخل ويخرج، وبذلك تم تقسيم حمص إلى كنتونات صغيرة ليسهل عليها فيما بعد خرقها.. وتم فصل أغلب الحارات عن حي بابا عمر (المركز الرئيسي للثورة) ليخف دعمه غذائياً وبشرياً.

ثم التفت الفكر المخابراتي القذر إلى الحارات العلوية لتحث أهلها على الدفاع عن أنفسهم مع ضخ كمية هائلة من السلاح وتسليمها لمن يعرف عنهم سوء السمعة وحب المال والسلطة تحت ذريعة أن الدولة ضعيفة وبحاجة للدعم والعون

من جهة ثانية كان يتم بث الأخبار بأن كل حارة تريد الهجوم على الأخرى مع الضخ الطائفي الكبير عبر الفيس بوك بصفحات مؤيدة ظهرت بآلاف اللايكات والتعليقات التحريضية وفي مواجهتها صفحات معارضة بنفس ديني بذات الأسلوب التحريضي

إلى حادثة السربيس الذي أوقفته كتيبة الفاروق وقامت بقتل كل من به..

رغم انتظار الأهالي من الدولة التدخل.. وتوقيف المجرمين.. إلا أن قناة الدنيا طالعتنا بأن الجريمة إرهابية والدولة انتابها الصمت والإيعاز بعدم التدخل .. بتزيد المطالبات عبر صفحات الفيس بوك بلزوم الانتقام والدم بالدم، فما كان من بعض حاملي السلاح في حي الزهرة بأن دخلوا حارة جب الجندلي.. خطفوا عدداً من الرجال والشباب وقاموا بذبحهم علانية في الشارع، الجميع أصبح يملك السلاح.. والجميع بات قاتلا ومقتولا.. وماكان من المخابرات سوى أن أمسكت عود الثقاب ورمته باتجاه حمص وكان ماكان.

عندما اشتد الاقتتال الطائفي ونسي الجميع في حمص الثورة وانشغلوا عنها بالانتقام.. انتفض وحش النظام معلناً حمايته للمدنيين وبدأ بقصف الأحياء في حمص بعد حصارها عسكرياً وغذائياً.. بدا القصف الوحشي على بابا عمر لتخرج منه حجر على حجر ليستمر الحصار والقصف أربع سنوات ونيف على ما تبقى من حمص، لتخرج حمص مدمرة إلا من خمس حارات

لم يشبع كل هذا الدمار لهاث النظام.. فكان ينتظرها 62 سيارة مفخخة أجهزت على ما تبقى من أحياء وشوارع رئيسية، علماً أن كامل التفجيرات لم يجر فيها تحقيق واحد بل كان يتم دائماً محو لكل دليل يمكن أن يكون طرف خيط.. والنتيجة دائماً تفجير إرهابي، والغريب المضحك المخزي في الأمر هو الإعلان عن وجود تفجير مرتقب قبل أيام!!

ولطمس الحقائق كاملة.. لم تقبل الدولة السورية بخوض أي تفصيل في قضايا المختطفين.. بعد حدوث التسوية مع المناطق المحاصرة لأنه لا مصلحة لها بوجود شاهد واحد على الحصار من الداخل.

الأهالي الذين عاشوا الحصار في منطقة باب هود تم ترحيلهم مبدأياً إلى منطقة الوعر وإحكام الحصار عليهم ومن ثم ترحيلهم نهائياً إلى إدلب


عن العلويين..
كل من استطاع فهم اللعبة القذرة التي أحيكت في حمص وحاول التكلم بها كان مصيره الاختفاء القسري في المعتقلات أو الخطف بطرق غامضة ومريبة.. والبعض فضلوا الصمت على الكلام وخسارتهم لحريتهم أو التنكيل بهم وبذويهم، أما البقية الغالبة فقد تم غسل دماغهم البسيط بشكل ديني بحت واستحضار روايات تاريخية تتحدث عن الحاضر بأنه مذكور في كتب قديمة تتنبئ بالمستقبل وهي معركة لإلغاء التواجد العلوي في المنطقة.. وإنها معركة وجود ومعركة مصيرية

مع تجنيد كل المشايخ العلويين بإصدار فتاوى توجب إرسال شبابهم إلى الحرب والقتال إلى جانب النظام لأن وجودهم مرتبط ببقاء النظام، وكان بذلك أن تم ضخ آلاف الشباب في معارك هم أصلاً لا يعرفون لماذا يخوضونها.. سوى أنها معركة وجود وبقاء لهم.. البعض أغرته السلطة والسلاح.. والبعض أغراه المال وتحول بعضهم إلى أثرياء وأمراء حرب والغالبية قضت في حرب لا تعرف من هو عدوها ولماذا عليها حمل السلاح

الفكر المثبت حالياً لدى عقول الأكثرية بأن بقاء الطائفة مرهون ببقاء النظام والمد الشيعي هو دعم للطائفة والدب الروسي صديق جيد للنظام، فكر مثبت آخر بات مترسخاً.. بأن الدولة تعرف ماذا تفعل جيداً وليس علينا التدخل بسياسة الدولة، وأما عن العقيدة الراسخة بأن العلويين عليهم يقدموا أرواحهم والإذعان لذلك.

في النهاية استطاع بشار الأسد استغلال طائفته تحت عباءة الدين كذلك وجنّد رجال وشباب الطائفة في حرب لا ناقة لهم ولا جمل.. 

إحدى الأمهات الثكلى بوفاة وحيدها تقول: كان ابني دائماً يحلم أن يحلق بطائرة وقد ركبها عندما أحضروا جثمانه بصندوق محكم الإغلاق إلى قريته  النائية والمتواجدة ضمن جبل مرتفع ليكون مثواه الاخير.