الصدام التركي – الأميركي في سوريا

2019.09.11 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أكدت باشليه المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن أكثر من 1000 قد قتلوا في مدينة إدلب من جراء القصف الأخير الذي قام به الطيران الروسي وطيران الأسد، مستغربة تجاهل المجتمع الدولي الكلي لما يجري في سوريا، ومعلنة أن الكثير مما جرى يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تجب المحاسبة عليها.

للأسف، كلمات باشليه هذه لم تجد لها أذنا لا في المجتمع الدولي ولا في مجلس الأمن الذي فشل في إقرار قرار لمجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار في سوريا، وألا تتخذ مكافحة الإرهاب كذريعة من أجل تشريد الملايين من المدنيين وقتل العشرات منهم، وتدمير مدن بأكملها وتهجير سكانها.

لقد قرر الرئيس الروسي بوتين تكرار ما جرى في حلب وبعدها في الغوطة الشرقية مجدداً في إدلب، مع إدراكه تماما أن لا عواقب أو محاسبة دولية لما جرى هناك، فما الذي يمنعه من تكرار السيناريو ذاته في إدلب اليوم، مع إدراك أن لا شمال سورياً هناك يذهب إليه مئات الألوف من المدنيين، فليس لهم هناك سوى تركيا الذي تتعرض لضغوط شعبية سورية قوية جدا للسماح للنازحين السوريين بالدخول إلى أراضيها لتجنيبهم مصير الموت المحتم بسبب القصف العشوائي بطيران الأسد كما تبرهن العمليات العسكرية الأخيرة في خان شيخون وغيرها.

واضح بعد ساعات مطولة بين الطرفين التركي والأميركي ومحاولة التغطية على اختلاف وجهات النظر بعد الإعلان عن تسيير دورية أميركية – تركية مشتركة على الحدود السورية – التركية في المنطقة التي تقول تركيا إنها "منطقة آمنة"، واضح أنها تبددت كلها مع ظهور الفجوة الواسعة بين الطرفين بعد تصريحات الرئيس التركي أردوغان أن "الولايات المتحدة تريد إنشاء منطقة آمنة للإرهابيين" وهو يقصد بذلك الفهم المختلف للمنطقة الآمنة بين الطرفين، فالولايات المتحدة تطلق عليها "منطقة أمنية" وهي تريد بها بشكل رئيسي حماية المقاتلين الكرد الذي ساعدوا الولايات المتحدة في حربها ضد داعش في سوريا، أما تركيا فإنها تطلق عليها "منطقة آمنة" وهي تهدف

لا أعتقد أن المفاوضات الجارية بين تركيا والولايات المتحدة ستقود إلى حل بين الطرفين لا سيما أن الفجوة بينهما تبدو مستحيلة الردم

لمنع نفس الأكراد الذي تريد الولايات المتحدة حمايتهم من التمركز في هذه المنطقة ومن ثم كمرحلة تالية تحضيرها من أجل ترحيل عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا، ربما ما يقارب مليون لاجئ إلى هذه المنطقة بهدف تخفيف عبء ضغط اللاجئين السوريين على تركيا خاصة بعد أن أصبح هذا الموضوع مسألة نقاش داخلي تركي حاد وتمكنت المعارضة التركية من خلاله بالفوز بمقعد عمدة مدينة إسطنبول، تلك المدينة التي كانت تاريخيا معقلا لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم.

ولذلك فلا أعتقد أن المفاوضات الجارية بين تركيا والولايات المتحدة ستقود إلى حل بين الطرفين لا سيما أن الفجوة بينهما تبدو مستحيلة الردم، وكل ما تستطيع تركيا فعله في الوقت الحالي هو تجنب الضغوط الأميركية التي يمكن أن تزداد على صعد أخرى من مثل الاقتصاد أو في ملفات أخرى تبدو حساسة لتركيا، فتركيا ربما أدركت أن سياسة ترمب اللاتوقعية لا يمكن الاعتماد عليها في تطوير استراتيجية بعيدة المدى في سوريا، وهو ما دفع تركيا رويدا رويدا للاعتماد على روسيا في تنسيق استراتيجيتها فيما يتعلق بسوريا، لكنها اصطدمت مجدداً بتطابق الموقف الروسي مع نظام الأسد فيما يتعلق بالسيطرة على كل مناطق المعارضة السورية التي تصفها روسيا والنظام السوري دوما بالإرهاب، كما أن روسيا بنفس الوقت لم تعد تحترم الاتفاقيات التي تم التوصل لها في أستانا والتي تنص على تأسيس وحماية مناطق خفض التصعيد، وهو ما وضع تركيا في موقف صعب للغاية حيث أيا من الولايات المتحدة أو روسيا بنى الثقة الضرورية معها لاحترام الحد الأدنى من مصالحها السورية، وهو ما يبشر أن العلاقات التركية - الروسية أو التركية – الأميركية مرشحة أكثر للتباعد والتصعيد وهو ما يعني أن تصاعد ملفات اعتقدنا أنها في طريقها للحل مثل قضية اللاجئين السورية في تركيا وأوروبا التي ربما تشهد تصعيدا كبيرا مع محاولة الآلاف من النازحين السوريين العبور من الأراضي التركية إلى أوروبا مجدداً، ولا يخفى أن الرئيس التركي أردوغان نفسه هدد بفتح المعابر للاجئين إذا لم تلتزم أوروبا بالتزاماتها المالية المنصوص عليها في الاتفاقات سابقا.