icon
التغطية الحية

الشمال السوري... قصص لا تنتهي عن نساء فقدن أزواجهنَّ

2018.12.26 | 15:04 دمشق

نساء سوريات في مخيم الزعتري بالأردن (Oxfam)
إدلب - عائشة صبري – تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

عملت الحرب المستمرَّة منذ سنوات في سوريا على عرك المجتمع بكافة فئاته، حيث كان للنساء النصيب الأكبر في دفع الضريبة من خلال فقدهنَّ أزواجهنَّ وهنَّ في زهرة شبابهنَّ، فغالبيَّة أرامل الشهداء يُواجهنَ صعوبات اجتماعيَّة واقتصاديَّة جمّة تُضاعف من آلامهنَّ وهمومهن وأحزانهنَّ، فبعد أن دفنت جثامين الشهداء تحت الثرى وبكى عليها من بكى، ستمضي أيام معدودات، وتنْفَضُّ مجالس العزاء، وتودِّع الأرامل أيام الاستقرار ليفتحنَ في حياتهنَّ صفحةً جديدةً لا تنتهي من المعاناة ليس أقلَّها فراق شريك العمر.

في الشمال السوري بالكاد تستطيع أن تتحدث مع هذه الفئة المنهكة، جرَّاء الضوابط الاجتماعيَّة المفروضة عليهنَّ من قبل الأهل والمجتمع، إذ تُعاني الكثيرات منهنَّ من مشاكل تبرز إلى السطح بعد فترة وجيزة من وفاة الزوج، وليس محاربة أهل الزوج لها إذا قرّرت أن تتزوج برجل آخر هي المشكلة الأولى، ولا عدم قدرة أهلها على تحمّل مصاريفها لا سيّما إن كان لديها أطفال هي المشكلة الثانية، بل مشاكل اجتماعيَّة ونفسيَّة وماديَّة تتخلص كونها "أرملة"، ويحرم عليها ما يحقّ لغيرها. 
 

رغبة كبيرة بحياة جديدة

وتحدّثت "أم علي" المسؤولة عن مكتب التكافل الاجتماعي في مخيم "الفاروق" للأرامل الواقع بالقرب من مدينة "سرمدا" شمالي إدلب، لموقع تلفزيون سوريا عن حالات زواج جرت في المخيم، وسط رغبة كبيرة من النساء الأرامل بالزواج، كون البلد أصبحت غابة، القوي فيها يأكل الضعيف فكيف إذا كانت أرملة، كما أنَّه لم يعد هناك خوف من المجتمع فالتي تريد الزواج لا شيء يمنعها؛ حسب وصفها.

وأضافت "أم علي": أنَّ عددًا من النساء يطلبنَ الزواج ويبحثنَ عن الرجل المناسب عن طريق السيَّدات اللائي يتحدثنَ معهنَ، فكلّ سيّدة لديها رجل يرغب الزواج من أرملة تذكره للمرأة التي طلبت الزواج، حيث وقع النصيب على نحو ست نساء من المخيم، وحاليَّا هناك أرملة تطلب الزواج ليس لديها أطفال وتم طردها من قبل أهلها من المنزل بعد وفاة زوجها لتأتي إلى مخيم الأرامل وتقيم فيه بينما تجد نصيبها.

وعن النساء اللواتي تزوجنَ في المخيم، ذكرت "أم علي" أنَّ أرملة لديها طفل واحد تزوجت من ابن عمتها بعدَ قصةِ حبٍّ استمرّت سنةً كاملةً، بينما أخرى لديها طفل وطفلة تزوجت من أحد الشباب زواجا تقليديا، لكنّها تخلّت عن طفليها وأودعتهما عند أهل زوجها الأول، وهي حاليًّا حامل؛ ومنذ فترة ذات الشاب تزوَّج أرملة من المخيم لكنّها تكبره بعشر سنوات، وذلك طمعًا بمالها.

أمّا عند سؤالنا لأم علي عن رغبتها بالزواج، فأجابت بأنّها ليست ترغب حاليًّا، لأنَّ همَّها الأكبر هو تربية أولادها الثلاثة (طفلتين وطفل) لكنّها لم تخفِ رغبتها بالزواج بعد أن تؤمن على أولادها في وقت لاحق، فأولادها ليس لهم معيل غيرها كون والدهم كان وحيدًا ولا ترضى لأقرباء أباعد أن يتحكَّموا بهم.

 

التأقلم مع الوضع الجديد بعد فقد الزوج

"أم خالد" أرملة استشهد زوجها خلال إحدى معارك تحرير مدينة إدلب تاركًا وراءه أربعة أولاد، وتعيش في شمالي إدلب، قالت: "في بادئ الأمر كنت حزينة على فراق من عشتُ معه ثماني سنوات، لكن مع مرور الزمن أصبح الحزن مضاعفًا، فبتُّ فجأةً مسؤولة عن الأولاد واحتياجاتهم، وأنا لا أنام من شدَّة التفكير في هذا الحمل الثقيل الذي لا يقوى عليه الرجال في ظروفنا هذه، فليس لنا مصدر رزق ثابت سوى بعض من المساعدات التي تُقدَّم في البداية وسرعان ما تنتهي".

وأضافت "أم خالد" في حديثها لتلفزيون سوريا: أنَّ "نظرة الناس لي كانت نظرة تقديرٍ وثناءٍ في بداية استشهاد زوجي، لكن ومع مرور الزمن يبدأ الناس بالبحث عن حياتهم وتأمين حاجاتهم تاركين زوجات الشهداء وأولادهن فريسةً للعوز في أحيان كثيرة، وعلى الرغم من أنّي أحصل على دعمٍ مادِّيٍ من هنا أو من هناك، لكن الحياة أصعب من ذلك بكثير سواء على المستوى المعيشي أو النفسي أو الاجتماعي".

 

القبول بالأمر الواقع

تخشى بعض العائلات على المرأة المترملة من نظرة المجتمع لها بعد استشهاد زوجها، خاصّةَ صغيرات السنِّ منهنَّ، لذلك يُجبرونها على الزواج من آخر، وعادةً ما يتم تزويجها من أحد أشقاء الشهيد بحجة المحافظة على أبناء شقيقه واحتوائهم، بدلًا عن تزويجها من شخصٍ آخر يُسيء للأطفال ولا يحافظ عليهم.

"صفاء" (22 عامًا) تعيش في إدلب، استشهد زوجها في معتقلات النظام بعد اعتقاله على أحد الحواجز أثناء سفره إلى دمشق منذ أربع سنوات ولديها طفلة، ذكرت لتلفزيون سوريا: أنّه "ما إن انقضت العدّة بقليل حتى فوجئتُ بعرض والد زوجي بأنَّه يُريد أن يزوّجني من شقيق زوجي بحجة المحافظة على ابنتي، ولا أقوى على العيش بمفردي، فرفضتُ في بادئ الأمر، وأخبرتهم بأنّي لا أريد الزواج من أحد، وحياتي سأفرّغها لابنتي الصغيرة".

واستدركت بالقول: "أصبحتُ أشعر أنّي غريبة عن أهل زوجي، وباتتْ معاملتهم معي مختلفة عمَّا مضى، ثم تفاقم الأمر بطردي أنا وطفلتي من المنزل بحجة أنَّ جلوسي معهم لا يجوز من الناحية الشرعيَّة، ووصل بهم الحال إلى حرماني من راتب زوجي والكفالات الماليَّة التي تُقدَّم لأرامل الشهداء، ومع الإلحاح المستمر من قبل والد زوجي، وأهلي وافقتُ مرغمةً على الزواج من شقيق زوجي، فلم يكن بوسعي إلا أن أقبل بالواقع الذي فرض علي".

 

ازدياد نسبة الأرامل

الباحث الاجتماعي "أحمد عزام" أفاد بحديثه لموقع تلفزيون سوريا، بأنَّه من أسوأ الكوارث المترتبة على الحروب، هو ازدياد عدد الإناث بشكل كبير مقابل الذكور الذين تطحنهم الحرب، والهجرة والاعتقال والتغييب، وهذا يخلق مجتمعًا أنثويًّا لن يكون أكثر من مجتمع أرامل ويتامى في مجتمعاتنا التي تعتمد في معظم صناعاتها على الذكور، لذلك لا تبدو أنَّ المرأة بشكل عام، والأرملة بشكل خاص قادرات على إيجاد بدائل في الحياة تُساعدهن على إكمال حياتهن، وتأمين احتياجاتهن الاقتصاديَّة، ويتم التعامل في هذه القضايا من خلال مجموعة حلول؛ ومنها: مساعدة المرأة على التدريب المهني الذي يضمن لها تأمين احتياجاتها، أو تعدّد الزوجات الذي يسمح للرجل بزواج أكثر من امرأة في حال كان وضع الرجل الاقتصادي جيِّدا، وهذا يجب أن يخضع لاعتبارات يكفلها الشرع والقانون من حيث أهليَّة الزوج.

أمّا بما يخص نظرة المجتمع على أنَّ زوجة الأب تكون شريرة، وزوج الأم يكون ظالمًا، أوضح "عزام" أنَّه ومن وجهة نظر علم الاجتماع لا يمكن التعميم في مثل تلك التفاصيل ولا يوجد قاعدة بيانات تخبرنا عن تلك الظاهرة إن كانت حقيقية أو لا؛ وإنَّ أكثر ما عزّز فكرة "زوجة الأب أو زوج الأم ظالم\ة" هو المسلسلات الدراميَّة التي كانت تجد مادة غنيَّة وشيِّقَة في هذا الموضوع.

بينما نجد الأم في المجتمعات العربيَّة عامةً، تتباهى بمركزها، كلما أنجبت أطفالًا، لأنَّ ذلك يُساعدها على إزاحة القلق المتعلِّق باحتمال قدوم زوجة ثانية، وهذا القلق الدائم يجعل الأم لا شعوريًّا تُحذّر أبناءها من زوجة الأب الجديدة؛ فتصبح سلوكيات الزوجة الجديدة أو زوجة الأرمل، وكأنَّها تحت منظار "تلسكوب".. فيبدو أيّ تصرُّف من زوجة الأب، وكأنَّه سلوك عدائي أو كبير، وهنا تدخل الحساسية في التعامل معها؛ أمَّا بالنسبة لزوج الأم، فهو حالة قليلة الحدوث في المجتمع، وأعتقد أنَّه في العادة كثيرًا ما يُشاد بالرجل الذي يتزوَّج أرملة، وخاصّةً أنَّه يقوم برعاية الأم والأبناء، لتبقَ تهمة الظلم أكثر وضوحًا من حيث الرمي على زوجة الأب.

ومن ناحية المساعدات الإنسانيَّة؛ أشار "صفوان الكنج" ناشط في العمل الأهلي والإغاثي خلال حديثه لتلفزيون سوريا؛ إلى أنَّ أسر الأيتام والأرامل كأيّ أسرة لا تتوقف حاجاتها عند الحاجات الغذائيَّة وحسب، بل الأسرة في الظروف الإنسانيَّة العادية تحتاج إلى خمس أساسيَّات "المطعم والمسكن والملبس والصحة والتعليم".

وقال "الكنج": إنَّ عمل المنظّمات أو الجهات التي تُقدِّم كفالات أو حاجات محدودة لأسر الأيتام لا يكاد يسدُّ حاجة واحدة من هذه الحاجات الخمس، ولا يُقدّم إلا النُذر اليسير من الحاجة الحقيقيَّة، هذا إذا افترضنا حصول الأسرة على كامل قيمة المساعدة، بسبب تقسيمها على أكثر من أسرة من أقارب المتوفى؛ فلا بدَّ من النظر بشموليَّة أكبر لحاجات الأسرة التي فقدت مُعيلها، والعمل على سدِّ كامل احتياجاتها، وليس مُجرَّد مساعدة محدودة لا تُسمن ولا تُغني، عملًا بالقاعدة "إذا أطعمتَ فأشبعْ".

ولا تتوقف الصعوبات التي تُواجه الأرامل في سوريا عند ما سبق، فأهل الزوج يتدخلون في تربية الأبناء وفرض آرائهم عليها، والحدّ من حركة الزوجة والتضييق على خروجها من البيت، كما تتجنَّب بعض من صديقاتها وأقربائها الاقتراب منها خوفًا على أزواجهنَّ، بالإضافة إلى الشعور بالوحدة وفقدان المساند والنصير، وعدم وجود بيت مستقل لها ولأولادها، فضلًا عن استسلامها للأمر الواقع والشعور بالإحباط بسبب افتقارها إلى برامج تأهيل ورعاية كافيَّة.

كلمات مفتاحية